وقعت الضربة الأميركية لمطار الشعيرات بريف حمص فجر الجمعة، والجمعة يوم عطلة رسمية في سورية، وله طقوس خاصة في العاصمة دمشق، وربما لم يتبق منها إلا التأخر في النوم قليلا والفطور العائلي الجماعي. لكن الحركة في الشوارع بدت محدودة للغاية صباح اليوم.
في العادة، كان كثير من الناس يتحركون من منازلهم إلى صلاة الجمعة، وبعد الصلاة كانت تبدأ الناس في مغادرة المنازل إلى رحلات كان يطلق عليها سكان دمشق "سيران"، وغالبا ما كانت الوجهة إلى الغوطة، لكن هذا الأمر توقف منذ سنوات.
في دمشق، يبدو أن كثيرين لم يسمعوا بالضربة الأميركية بعد. رجل في الستين من عمره يجلس أمام دكانه الصغير في أحد الأحياء الشعبية، سأله "العربي الجديد"، عن الضربة فقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله. الله أكبر على الظالم. دمروا البلد يا عمو. مو حرام سورية يصير فيها هيك".
بالقرب يقف شاب عشريني، فيشارك بالحديث قائلا "والله! أميركا ضربت كمان؟ أنا سمعت أن الطيران الإسرائيلي قصف في القلمون. بس يا جبل ما يهزك ريح. ساعة زمن وبنحتفظ بحق الرد. تعودنا".
يرمقنا شاب آخر يقاتل في صفوف مليشيا "الدفاع الوطني"، بنظرة ريبة، ويقول "أكيد روسيا وإيران ما راح يسكتوا، ورح يعطوها درس لأميركا" قبل أن يمضي مسرعا.
عدد قليل من الركاب في حافلة النقل العام المتجهة إلى قلب دمشق، يخيم الصمت على الجميع، رجل أربعيني يهمس في أذن من يجلس إلى جواره، وهو بذات العمر تقريبا، "سمعت بما جرى اليوم؟"، فيرد الآخر "لا والله. منذ أمس الكهرباء مقطوعة ولم أتابع الأخبار"، فيقول له "أميركا ضربت مطار الشعيرات"، ثم ترتسم على وجهه ابتسامة يحاول أن يخفيها ويقول "والله هل مجنون طلع معو"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في قلب دمشق، لا شيء مريب، حتى أن أصوات الانفجارات وهدير الطائرات انخفض كثيرا عما كان عليه قبل أيام. ينصت سائق سيارة الأجرة الثلاثيني، إلى إذاعة أجنبية ناطقة باللغة العربية، والحديث يدور عن الضربة الأميركية، يقول بلهجة أبناء الساحل السوري "سامع أستاذ هل حكي، والله الأهبل ما بيقبلوا، انو الروس كثير محتدين على القصف وعلى شجب واستنكار، وعم يطولوا ويقصروا، إذا الأمريكان خبروهن قبل الضربة، وين صواريخ إس 300 وإس 400 يلي فضحونا فيها وقلنا خلص ما عاد الطير الطاير بيقدر يحوم فوق أرضنا".
وتابع حديثه بتوتر ظاهر "لو طيران كنا قلنا ما بدن يصطدموا مع الأمريكان. بس صواريخ، يعني لو بدن كان سقطوهن بدل ما تركوا المطار ينضرب، بس الله وكيلك الكل بدو يدمر ها البلد"، يطلق بعض الشتائم، ويعود ليرفع صوت المذياع.
في أحد أحياء دمشق الفقيرة، حيث يسكن خليط واسع من مختلف المناطق السورية، يقول أبو عمار، وهو من ريف درعا لكنه قضى عمره الذي ناهز السبعين في دمشق، "يلي بخرب بيته وما بحافظ على أهله وبصير كل مين هب ودب يدخل فيه، بدو ياكل ضرب كثير، والله يرحم الناس يلي عم تروح ببلاش، وينصر الحق".