"حكاية الولد الفلسطيني" أو "واحد وعشرون بحراً" أو "شهادة بالأصابع الخمس"؛ لا تزال هذه العناوين تأخذ حيّزها في الذاكرة الشعرية الفلسطينية رغم أن مسافة زمنية تزيد على ثلاثة عقود تفصلنا عنها.
أمس، رحل صاحبها؛ الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور عن 71 عاماً في مدينة رام الله، والذي كان واحداً من وجوه ما عُرف بـ "شعراء المقاومة الفلسطينية"، ولعل نصّه تعبير محض عن هذا التصنيف، فحضور القضية ظل ثابتاً في شعره مع تنويع خفيف في الصور والأشكال وأماكن كتابتها، بين مدنٍ (دمشق، عمّان، بيروت...) تبدو – مثل قصائده – تدور حول محور فلسطين.
ولد دحبور في حيفا سنة 1946، فكانت طفولته شاهدة على التهجير حيث تنقّلت أسرته أوّلاً إلى لبنان قبل أن تستقر في سورية التي تعلّم في أحد مخيّماتها (مخيم حمص للاجئين)، وشهدت لاحقاً على جزء كبير من مسيرته الشعرية والحياتية.
في سن الـ 18، نشر أوّل أعماله "الضواري وعيون الأطفال" (1964) والتي حملت مزيجاً من مأساته ومأساة أهله من جهة، ومن أخرى نظرة رومانسية للعالم، كانت جزءاً من سياق شعري عام في البلاد العربية انفتحت فيه القصيدة على إيقاعات الشعر الحر وأحلامه.
في 1971، صدرت مجموعة "حكاية الولد الفلسطيني"؛ بدا صوتاً أكثر تبلوراً باستيعاب مؤثرات ملحمية ودرامية وتاريخية في بناء قصيدته وتعدّدت فيها الأصوات، ولكنها احتفظت رغم ذلك ببساطتها، فبدت – كما يقول في إحدى القصائد – وقد "تداخلت الريح بالدم"، وفي الأخير يذكّر "مهمّتي أن لا أموت".
مزيد من التكثيف سيحيط بقصيدة دحبور، في عقدَي السبعينيات والثمانينيات اللذين وصلت فيه تجربة "شعراء المقاومة الفلسطينية" إلى ذروتها، قبل أن ينفلت أفرادها في مسارات شعرية مختلفة.
بدا دحبور ثابتاً تقول قصيدته المضامين نفسها؛ "هذا زمان الشدّ فاشتدّي، ما بين قبلة وجلّاد"، وإن تبدّلت نكهتها مع تطوّرات القضية وسياقات تجربته المهنية. ليظل صوته يأتينا بالأساس من زمن كان يقول فيه "من يضرب عميقاً في الصخور يُصب قرار النبع/ أما حافرو نصف الطريق فهم على طرف الخيار/ يتابعون فيدركون حتى النبع/ أو يقفون مختنقين بالدم والغبار".