الحمقى يعودون المرضى دعي أحد المغفلين إلى دعوة، فاشتغل الناسُ بالأكل وجعل هو ينظر إلى السُتُور المغلقة.. وكانت الحيطانُ كلها قد سُترت، فقيل له: ما لك لا تأكل؟ فقال: والله لقد طال تعجبي من هذه الستور الطوال كيف دخلت من هذا الباب القصير! ودخل أحد المغفلين على مريض يعوده، فلما خرج التفت إلى أهله وقال: - لا تفعلوا بنا كما فعلتم يوم مات ولدُكم فلان وما أعلمتمونا. إذا مات هذا فأعلمونا حتى نصلي عليه! وعن الصقلاني، أن رجلاً كان عندهم بالجانب الغربي له غلام، فبعثه إلى قرية ليأتيه منها بغنم، فبعثوا معه من الحملان عشرة، وكتبوا بعددها رقعة. فجاء الغلام بتسعة. قال له سيدُه: كم سلموا إليك؟ قال: عشرة.
قال: هذه تسعة. قال الغلام: والله ما أدري ما تقول، وما هي إلا عشرة. فقال: ويحك إني أعدها. قال: ما هي إلا عشرة، وإذا لم تقتنع أدخل إلى الدار عشرة من الرجال وليمسك كل واحد منهم حَمَلاً. قال: أفعل. فأدخلوا عشرة رجال ومسك كل رجل حَمَلاً، وبقي رجل واحد. قال السيد: هذا الرجل ما معه شيء. فقال: هذا غبي، الحق عليه.. لماذا لم يأت ويأخذ حَمَلاً في الأول؟!
ودخلت عجوز على قوم تعزيهم بميت، فرأت في الدار رجلاً عليلاً، فرجعت وقالت: - أنا والله يشق عليَّ المشي، أحسن الله عزاءكم في هذا العليل أيضاً! قال البزَّاز: دخلنا إلى أبي حامد وهو عليل، فقلنا: كيف حالك؟ فقال: أنا بخير لولا هذا الجار. قلنا: ما به؟ قال: دخل علي أمس وقد اشتدت بي العلة فقال: يا أبا حامد، أعلمت أن ابن دنجويه مات؟ قلت: رحمه الله.
قال: دخلتُ على المؤمل بن الحسن اليومَ وهو في النزع، وسألته: ابن كم أنت؟ قال: أنا في السادسة والثمانين. قلت: أنت إذن أكبرُ من أبيك يوم مات!! وجاءت امرأة إلى القاضي وذكرت أن زوجها طلقها. فقال القاضي: ألك بينة؟ قالت: نعم. جارٌ لنا. قال: فأحضروه. فلما حضر سأله القاضي: أسمعت طلاق هذه المرأة؟ فقال: يا سيدي خرجت إلى السوق فاشتريتُ لحماً وخبزاً ودبساً وزعفراناً.. فقال له القاضي: ما سألتك عن هذا، هل سمعت طلاق هذه المرأة؟ قال: ثم تركته في البيت وعدتُ، فاشتريتُ حطباً وخَلَّاً. فقال: دع عنك هذا.
قال: ما أحسن الحديث من أوله.. وجلتُ يا سيدي في الدار جولة، فسمعتُ زعقاتهم، وسمعتُ الطلاق الثلاث، فما أدري أهي طلقته أم هو طلقها! حدثني جماعة من أهل نيسابور فيها مُتّأدبٌ وتجار وغير ذلك، أنه كان عندهم، في سنة نيف وأربعين وثلاثمئة، شابٌّ من كُتَّاب البلد، وهو ابن أبي الطيب القلانسي الكاتب.. خرج إلى بعض شؤونه في (الرستاق)، فأخذه قاطعو الطريق وعذبوه، وطلبوا منه أن يشتري نفسه منهم فلم يفعل، وعوضاً عن ذلك كتب إلى أهله: - أرسلوا إلي بأربعة دراهم أفيون، واكتبوا أن هذا دواء أشربُه، فتلحقني سكتة، فيعتقد قاطعو الطريق أني ميت، فيحملوني إليكم، فإذا أصبحت عندكم أدخلوني إلى الحَمَّام واضربوني حتى يحمى بدني، ثم شكُّوني بالإبر فأفيق!
وعادَ رجلٌ مريضاً، فقال له: ما علتُك؟ قال: وجع الركبتين. فقال: والله لقد قال جرير بيتاً ذهب مني صدرُه، وبقي عجزُه، وهو قوله (وليس لداء الركبتين طبيبُ)! فقال المريض: لا بشرك الله بالخير. ليتك ذكرت صدره ونسيت عجزه. دخلتُ مرة على صديق لي مريض بالعين، وكان برفقتي أحد المغفلين، فقال له المغفل: كيف عينك؟ قال: تؤلمني. فقال: والله إن فلاناً آلمته عينه أياماً ثم تَلِفَتْ! فاستحييت واستعجلتُ الخروج! القط والفأر والمغنية عن علي بن المحسن، عن أبيه، قال: - بلغنا أن رجلاً أسرع في ماله فبقي منه خمسة آلاف دينار، فقال: أشتهي أن يفنى بسرعة حتى أنظر أيش أعمل بعده.
قال له أحد أصحابه: تبتاعُ زجاجاً بمئة دينار وتبقيه، وتنفق خمسمئة دينار في أجور المغنيات في يوم واحد مع الفاكهة والطعام، فإذا قارب الشراب أن ينفد أطلقتَ فأرتين بين الزجاج، وأطلقت خلفهما سنوراً (قطَّا)، فيتعادون وسط الزجاج، فيتكسر، وننهب نحن الباقي.
قال: هذا رأي جيد. وعمل ذلك.. وجعل يشرب، فحين سكر أطلق الفأرتين والقط، وتكسر الزجاج، وهو يضحك، فقام الرفقاء وجمعوا الزجاج المكسر وباعوه. قال الرجل الذي أشار عليه: فمضيتُ إليه بعد حين، فإذا هو قد باع قماش بيته وأنفقه، ونقض داره وباع سقوفها حتى لم يبق إلا الدهليز، وهو نائم فيه على قطن، ومتغطٍّ بقطن، فقلت له: ما هذا؟ قال: ما تراه. قلت: وهل بقيت في نفسك حسرة؟ قال: نعم، أريد أن أرى المغنية. فأعطيتُه ثياباً فلبسها، ورحنا إليها، فدخل عليها فأكرمتْه، وسألته عن أمره، فحدثها بالحال. فقالت: قم قبل أن تأتي "ستي" فتراك وليس معك شيء أو هدايا فتغضب علي لأني أدخلتك، فاخرج حتى أكلمك من فوق. فخرج وجلس ينتظر أن تخاطبه من الطاقة، فسكبت عليه مرقة سكباج فصيرته فضيحة.
فبكى وقال لي: يا فلان، لا تبلغ من أمري شيئاً لأحد، أشهد الله وأشهدك أني تائب. قلت: أيش تنفع التوبة الآن؟ وأعطيته بعض ثيابي ليستر فضيحته بمرق السكباج. وبقيت ثلاث سنين لا أعرف له خبراً، فبينما أنا في (باب الطاق) يوماً إذ رأيت غلاماً خلف رجل راكب، فلما رآني صاح (فلان)! فعلمتُ أنه صاحبي، وأن حالَه قد صَلُحَتْ. وقال لي: قد صنع الله لي، وله الحمد، البيت.
فتبعتُه وإذا هي داره الأولى قد رممها، وجعل فيها أسباباً ومنافع، وأدخلني حجرة أعدت له، وفيها فرش جيد، وأربعة غلمان، وجاء بفاكهة متوسطة وطعام نظيف، إلا أنه قليل، فأكلنا ومد ستارة، فإذا بغناء طيب، فلما طابت نفسه قال: يا فلان، أتذكر أيامنا الأول؟ قلت: نعم. قال: أنا الآن في نعمة متوسطة، وما وهبه الله لي من العقل والعلم بأنباء الزمان أحبُّ إليَّ من تلك النعمة التي زالت. تذكر يوم عاملتني المغنية بما عاملتني به؟ قلت: أذكر. ولكن من أين لك الآن هذا المال؟ قال: مات خادم لأبي وابنُ عم لي بمصر في يوم واحد، فخلفا لي ثلاثين ألف دينار، فحُمِلَتْ ووصلت إليّ وأنا بين القطن كما رأيت. فعمرتُ الدار واشتريت أثاثها بخمسة آلاف دينار، وخبأت خمسة آلاف دينار تحت الأرض للحوادث، واشتريت عقاراً بعشرة آلاف، وأمري يمشي، وأنا في طلبك منذ سنة لترى رجوع حالي. وإنه لمن دوام صلاح حالي ألا أعاشرك. وقال للغلمان: أخرجوه يا غلمان!
فجروني من رجلي وأخرجوني. وكنت ألقاه بعد ذلك في الطريق، فإذا رآني ضحك! دخل ربيعة بن عقيل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين أعنّي على بناء داري. فقال: أين دارك؟ قال: بالبصرة، وهي أكثر من فرسخين، في فرسخين. فقال له: فدارُك في البصرة، أم في البصرة دارُك؟ وهبَ المهدي لأحد أبناء وزيره يعقوب بن داود جارية، فلما كان بعد أيام سأله عنها. فقال: يا أمير المؤمنين ما وُضِعَتْ بيني وبين الأرض مطيَّةٌ أوطأ منها، حاشا السامع! فالتفت المهدي إلى يعقوب فقال له: من تُرى يعني، أنا أم أنت؟ فقال يعقوب: من كل شيء يتحفظُ الأحمقُ إلا من نفسه!