يُفترض في أية عملية "تجريد"، أن تكون خلاصةً لـ"الواقع"، وبالتالي لـ"الحقيقة". خلاصة نظرية، تضع علامات وإرشادات للمحكومين بالتاريخ والمقذوفين في لجّه، السائرين على دربه، سواء رغبوا أم كرهوا.
هكذا خُيّل لنا على الأقل، من قراءاتنا القديمة. فلمّا فتحنا أعيننا وعقولنا، ضاعت سكرة التخيّل، وحلّت محلّها جهامة وتعقيدات الواقع. فالواقع، خاصة في القرون الإمبريالية الحديثة، ليس أقلّ من متاهة، يُدير أسرارها نخبة، لعلّ أبرزهم أولئك القاطنون الآن في "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي"، وذلك الشارع الشهير الشرير.
ولكي لا نبتعد عن موضوعنا، نقول إن مقتربات أدونيس في ما يخصّ "الربيع العربي" المغدور بعامة، والثورة السورية المغدورة بخاصة، كانت منذ البدايات، مفصولة عن سياقها التاريخيّ، ومحلّقة في سماء "ما يجب أن يكون"، لا في وحْل "ما هو كائن".
فمنذ استراب أدونيس وحذّرَ ـ في الأسابيع الأولى للثورة السلمية النبيلة ـ من ثوارها الخارجين من المساجد بعد صلاة الجمعة، حتى آخر تصريح له وإلى القادم من نوعية هذه التصريحات، أصبح لدينا رأي نتمنّى أن يتكشّف عن خطأ، مفاده أن هذا الشاعر، فقط "يرى ما يريد" بتعبير زميله محمود درويش.
ما يؤلمني، وأنا الذي سمّيت ولدي الأوسط على اسمه، احتراماً وعرفاناً بما أعطى لشعرنا وثقافتنا، ليس ما سبق فقط، بل هذا الإحساس الشخصيّ، المؤرّق والملازم، بأنّ الرجل بعيد عن شعبه (ربما خوفاً من "الشعبوية"؟) ولا يحسّ به، لا في إرهاص الأمل ولا في طوايا الألم.
فللأسف، منذ شرارات الثورة الأولى في البلد "المحروق"، رغِبَ أدونيس في حرق مراحل تاريخية كاملة، ثم كرّت لفّة الخيط، لذا ليس من المستغرب اليوم أن يجعل هو وسواه، من تجليات الإسلام السياسي، تلك الشجرة التي تحجب الغابة. أظن أنّ المشكلة تكمن هناك، في شيء مُفارِق اسمه: "التجريد السعيد"!