تعتبَر العقارات من أضخم الاستثمارات المحلية في السودان، ولكنها في الوقت نفسه تعد من القطاعات غير المنظمة أو المقيدة بتشريعات محددة. ويعمد الكثير من السودانيين لشراء العقارات كطريقة لحفظ الأموال. ممَّا ساهم في نمو سوق العقارات، ورفع أسعارها إلى الضعف. حيث يماثل سعرُ الأرضِ في ولاية الخرطوم، وفق خبراء العقار، أسعارها في دبي ولندن.
دعامة الاقتصاد
وتساهِمُ سوقُ العَقارات بنسبة 4% في إجمالي الناتج المحلّي القومي السّوداني. وتُعدُّ الحكومات أكبرَ مُستثمر في العقارات، إمَّا عبر شراكات وتعاون مع شركات خاصة، أو عبر الصندوق القومي للإسكان، الذي يوفر منازل جاهزة للمواطنين في جميعِ أنحاءِ البلاد وبأقساط شهرية.
وتمثّل إيرادات العَقارات وفقاً لشهادات أصحاب عدد من الشركات العقاريَّة حوالي 50% من ميزانيَّة ولاية الخرطوم (نظامُ الحُكم في السّودان هو نظام لا مركزي، وتقسَّم السّودان إلى 18 ولاية، في كلّ ولاية حُكومة تديرُ شُؤونها بنفسها). وتنفي حكومةُ ولاية الخرطوم هذا الرقم، وتؤكّد أنَّها دخلت مجال العقارات فقط من أجل خدمة المواطن البسيط، عبر توفير السكن الملائم له وللحد من ظاهرة ارتفاع أسعار العقارات.
دعم ومنافسة
وقد عمدَت الحكومةُ في الخرطوم إلى إنشاء صُندوق الإسكان. ويقوم صندوقُ الإسكان بتوفير مساكن شعبيَّة (أو ما يعرف بالسكن الاقتصادي) للمواطنين في مجمّعات سكنيَّة في مناطق محددة، ووفقاً لأقساط شهريَّة مُعيَّنة. وقد وجّه المتعاملون في سوق العقارات الكثير من النقد إلى صندوق الإسكان، إذْ يعتبرون الصندوق الذي يأخذ صبغة حكوميَّة أكبر منافس ومعيق لهم في سوق العقارات، في حين يستفيد مطورون عقاريون آخرون من هذه المشاريع عبر التزامها وتنفيذها.
ويقولُ المديرُ التنفيذيّ لصندوق الإسكان أيوب بيَّه لـ"العربي الجديد"، إن الصندوق قد أنشِئ في الأساس للحد من غلاء أسعار العقارات، وتوفير السكن للعمَّال والموظفين بجميع أنحاء البلاد تخليصهم هم من الإيجارات الشهريَّة المكلفة. ويشير بيَّه إلى أنَّ الصندوق قد نجح في توفير حوالي 90 ألف وحدة سكنية بتمويل قارب 500 مليون دولار. ويؤكد بيَّه أن الدولة تتبنى الاقتصاد الحر، وأنَّ هنالك ترتيبات لسنّ قانون يتّصل بالتمويل العقاري، إضافة إلى قانون خاص باستحداث كليَّة جامعيَّة أو معهد خاص تدرّس تقنيّات تطوير العمل العقاري.
وتشهدُ سوقُ العقارات هُبوطاً وصُعوداً في الأسعار. ويرجِعُ البعض عدم الاستقرار هذا إلى المُضاربات والسماسِرة، في حين يرجعه آخرون إلى عدم استقرار العملة الصّعبة.
ويحمل مديرُ إحدى شركات العقارات الخاصَّة فضل حجب، الحكومة في ولاية الخرطوم مسؤوليَّة عدم الاستقرار في سوق العقارات إلى جانب المضاربات والسماسرة. ويقول حجب إنَّ حكومة الولاية تعتمدُ في نصف دخلها على التخطيط العمراني، عبر بيع الأراضي والمخططات السكنيّة وتوزيع الأسواق والسكن الشعبي، الأمرُ الذي يشكّل منافسة حقيقيَّة للقطاع الخاص. ويوضح حجب أن الحكومة ستبقى تروج للعقارات بشكل رسمي، ما دام بيع العقارات يمثل مصدر إيراد مهم للحكومة.
تراجع خلال السنوات الماضية
وعرفت سوقُ العقارات تراجعاً كبيراً خلال السّنوات الثلاث الماضية، وذلك لجملةِ أسباب، كانفصال جنوب السودان وتكوينِ دولته المستقلّة، وخروج عدد من المنظمات الدوليَّة لاسيما "قوات حفظ السلام" "اليونميس"، إذا أخلت ما يتجاوز ثلاثة آلاف عقار كانت تستأجرها وقت وجودها. إضافة إلى عدم خضوع العقارات في السودان للمقاييس الاقتصادية في ما يتصل بالعرض والطلب. وقد فاقمت الأسباب السابقة أسعار العقارات والأراضي، ليصل سعر المتر الواحد منها لأكثر من ألفي دولار في بعض المناطق بالعاصمة. كما شكل التعداد السكاني للمواطنين في ولاية الخرطوم، والذي يقدر بسبعة ملايين مقيم دائم، وثلاثة ملايين مقيم غير دائم، ضغطاً على سوق العقارات.
ويقولُ الخبيرُ الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد": "تُدرَج العقارات في السودان ضمن قطاع الخدمات، لأنَّ النَاتِج المَحلّي في الأصل يتكوَّن من ثلاثة قطاعات، قطاع صناعي وقطاع زراعي وقطاع خدمات". ويؤكد الناير أنَّ العقارات تؤثر على الاقتصاد الكلي في ما يتّصل بالبناء والتشييد، خصوصاً في ظل الطفرة العمرانيَّة التي تشهدها البلاد. ويشيرالناير إلى تأثّر العقارات أيضاً بقرارات البنك السوداني المركزي الخاص بمنع المصارف من التمويل العقاري لصالح التمويل الزراعي. علماً أنَّ القطاع العقاري لا يعتمد في تمويله على المصارف بشكل رئيسي ووحيد.
ويوضح الناير أنَّ الحكومة لا تستطيع السيطرة على عملية تجميد العقارات باعتبارها قضية تتصل بفهم المواطن. ويتوقع الناير أن يشهد سوق العقارات في السودان انتعاشاً في حال تحسّن الوضع الاقتصادي، وتغيير مفهوم المواطن للعقار كاستثمار وليس كمخزنٍ للمال.
المضاربة العقارية
ويقول الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد" إن الأزمة الاقتصاديَّة التي ضربت البلاد، قادت معظم السودانيين للتعامل مع العقارات كمخزن للمال، ويضيف: "يقومُ المواطن بتجميد أمواله عبر شراء العقارات، لذلك لا تُضَخّ هذه الأموال في العجلة الاقتصاديَّة وتبقى مُجمَّدة. وتقود عمليَّة تجميد العقارات إلى المضاربة بأن يشتري المواطن أربعة أو خمسة عقارات ليقوم ببيعها بعد فترة بأسعار مضاعفة".