21 نوفمبر 2024
أربع سنوات انقلاب... الغزو مستمر
يُستعار الشطر الثاني من عنوان المقالة من عنوان كتاب نعوم تشومسكي "سنة 501.. الغزو مستمر" (دار المدى، 1996). يتحدّث عن 500 سنة من تاريخ أميركا الذي تميز بأنه تاريخ غزوٍ وإخضاع، صَبَغا القرون الخمسة من وجودها. وهو ما ينطبق على الحكم الانقلابي في مصر على مدى السنوات الأربع الماضية، ويمكن تصنيفه ثورة مضادة ضد ثورة شعبٍ وحكمٍ شرعي. وإن كان حكام آخرون، على شاكلة انقلابيي مصر، استخدموا الترهيب والترغيب لتثبيت حكمهم، اقتصر استخدام الانقلابيين في مصر على الترهيب الذي تمثل بالقتل وبسياسات الإفقار الممنهج والتجويع.
وقد درج نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومنذ انقلابه على محمد مرسي، أول رئيسٍ مدنيٍّ منتخب في تاريخ مصر، في 3 يوليو/ تموز 2013، على المداورة بين أخذ استراحةٍ من تنفيذ عمليات القتل المباشر والإعدام والسجن المؤبد بحق معارضيه، من أجل تنفيذ إجراءاتٍ اقتصادية، تُعدُّ بحد ذاتها أحكاماً بالإعدام الشامل بحق جميع أبناء الشعب المصري، كونها توصله، رويداً رويداً، إلى حافة الإفقار فالجوع الذي سيتبعه، والذي يمكن أن يدخل البلاد في حالةٍ من هستيريا البحث عن لقمة عيشٍ، قد لا تتوفر إلا اقتناصاً. فما إن فرغ نظام السيسي، أخيراً، من استصدار قرار زيادة أسعار المحروقات بحدود نسبة 50%، حتى التفتَ إلى استصدار أحكام إعدامٍ بحق 20 من رافضي انقلابه المتهمين بالضلوع في حوادث كرداسة، ترافقت مع أحكام بالسجن المؤبد على 80 آخرين، وأحكام بالسجن 15 سنة على 34 غيرهم. وهي إضافةٌ جديدةٌ إلى أحكامٍ أخرى عصية على الحصر، صدرت في السنوات الأربع من حكم العسكر، أشهرها الحكم بالإعدام على أكثر من 500 شخص من المعارضين الرافضين انقلابه، واعتبرت مجزرة موصوفة، قد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، كفيلة بجرِّ النظام وأزلامه لتقديمهم مجرمين أمام المحاكم الدولية، لو قُيّض لهذه المحاكم أن تكون فاعلةً، كما يُفترض أن تكون.
وقد أجاز النظام المصري هذه الممارسات، عبرَ عمله بقانون الطوارئ، ومواصلة تمديد العمل بأحكامه كلما قاربت المدة الجارية على الانتهاء، وهي أحكامٌ أجازت له ضرب حرية الإعلام،
مستنداً في ذلك إلى تعطيله العمل بالدستور، أول إنجاز أهداه الانقلاب للشعب المصري. واستمراؤه تعطيل العمل بالدستور وتجاوز القانون، وترفّعه عن الأحكام والمواثيق، جعل السيسي يفرّط بالتراب المصري الذي أقسم على صيانته والذود عنه. فلم يسبق أن هرول زعيم دولة نحو تسليم جزء من أرض بلاده إلى دولة أخرى كما فعل، في سابقةِ بيع جزيرتي تيران وصنافير للعربية السعودية، على الرغم من الرفض الشعبي هذا التسليم، وحكم المحاكم المصرية ببطلان الاتفاقيات المعقودة في هذا الإطار.
وكان نشاط السيسي الملحوظ لتسليم الجزيرتين، وتسويغه الدوافع، وفعله كل ما يمكن من أجل سلخهما عن أمهما مصر لافتاً، حتى ليخال المرء أن هذا الرئيس، إنما حَطَّ على صدور أبناء الشعب المصري، وفرضته قوة غريبةٌ غازياً غريباً على هذا الشعب، لم يأتِ سوى من أجل إخضاعهم، وقتل أكبر عددٍ ممكن منهم، وتركهم مدمرين، في بلادٍ أقل ما يمكن توقعه فيها أن إجراءاته سوف تحيلها دولةً فاشلة، إن لم تكن قد استحقت هذا التصنيف، بعد تراجع قطاعات اقتصادها، وتراجع مستوى معيشة أبنائها.
وإضافة إلى الغزو الداخلي، مارس النظام المصري غزوه الخارجي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فشارك قوات الكيان الإسرائيلي في محاصرة القطاع، وواظب على إغلاق معبر رفح الحدودي، فمنعَ دخول البضائع والسلع الأساسية، وخروج المواطنين من القطاع ودخولهم إليه. كما شنَّ حرباً غير معلنةٍ على أبناء هذا الشعب، في تدميره الأنفاق التي تربط القطاع بالأراضي المصرية، والتي ابتدعها المواطنون لتهريب الأغذية والأدوية ومواد البناء، وكل ما هو أساسي لمنع تعجيل موت أطفال القطاع وجائعيه.
قد يتساءل المرء، لماذا يَعمَد السيسي إلى استخدام كل هذا العنف ضد أبناء شعبه؟ إنه يعلم، في قرارة نفسه، أنه رئيسٌ غير شرعي، جاء إلى الحكم مقتنصاً سلطة رئيسٍ شرعي زجَّه في
السجن، ولذلك يمارس كل ما في وسعه من قمعٍ لتثبيت حكمه، وإجبار الشعب المصري على تقبُّله رئيساً. وفي هذا الإطار، يبرز هذه الأيام ترويج إجراء استفتاء على ولاية رئاسية ثانية للسيسي، بداية السنة المقبلة، بدلاً من إجراء انتخاباتٍ حرة، يترشح فيها ثانٍ، قد يصوّت له الناس بكثافة، تصويتاً يتخذه المصريون عقاباً للسيسي، وهو ما يتخوّف منه، ويثبت إقرار الرجل بعدم شرعية حكمه.
إن لم تكن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش المصري في سيناء غزواً راح ضحيتَه مدنيون كثيرون، ودُمِّرت منازل آخرين، فإن تمديد قانون الطوارئ باستمرار، وقتل المعارضين في الشوارع، وخطف آخرين وتغييبهم في السجون، وتنفيذ أحكام إعدام جماعيةٍ بحق عدد منهم، وضرب حرية الصحافة والتفريط بتراب البلاد ومحاصرة غزة، هي غزوٌ موصوف، وجريمةٌ يحاسب عليها الجاني. وإن غُلِبَ أبناء الشعب المصري على أمرهم طوال السنوات الأربع الجارية من حكم السيسي، فليس مضمونا استمرار قبولهم حكمه أربع سنوات عجاف أخرى، وفي تجربة خلع حسني مبارك عبرةً لهم وله.
وقد درج نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومنذ انقلابه على محمد مرسي، أول رئيسٍ مدنيٍّ منتخب في تاريخ مصر، في 3 يوليو/ تموز 2013، على المداورة بين أخذ استراحةٍ من تنفيذ عمليات القتل المباشر والإعدام والسجن المؤبد بحق معارضيه، من أجل تنفيذ إجراءاتٍ اقتصادية، تُعدُّ بحد ذاتها أحكاماً بالإعدام الشامل بحق جميع أبناء الشعب المصري، كونها توصله، رويداً رويداً، إلى حافة الإفقار فالجوع الذي سيتبعه، والذي يمكن أن يدخل البلاد في حالةٍ من هستيريا البحث عن لقمة عيشٍ، قد لا تتوفر إلا اقتناصاً. فما إن فرغ نظام السيسي، أخيراً، من استصدار قرار زيادة أسعار المحروقات بحدود نسبة 50%، حتى التفتَ إلى استصدار أحكام إعدامٍ بحق 20 من رافضي انقلابه المتهمين بالضلوع في حوادث كرداسة، ترافقت مع أحكام بالسجن المؤبد على 80 آخرين، وأحكام بالسجن 15 سنة على 34 غيرهم. وهي إضافةٌ جديدةٌ إلى أحكامٍ أخرى عصية على الحصر، صدرت في السنوات الأربع من حكم العسكر، أشهرها الحكم بالإعدام على أكثر من 500 شخص من المعارضين الرافضين انقلابه، واعتبرت مجزرة موصوفة، قد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، كفيلة بجرِّ النظام وأزلامه لتقديمهم مجرمين أمام المحاكم الدولية، لو قُيّض لهذه المحاكم أن تكون فاعلةً، كما يُفترض أن تكون.
وقد أجاز النظام المصري هذه الممارسات، عبرَ عمله بقانون الطوارئ، ومواصلة تمديد العمل بأحكامه كلما قاربت المدة الجارية على الانتهاء، وهي أحكامٌ أجازت له ضرب حرية الإعلام،
وكان نشاط السيسي الملحوظ لتسليم الجزيرتين، وتسويغه الدوافع، وفعله كل ما يمكن من أجل سلخهما عن أمهما مصر لافتاً، حتى ليخال المرء أن هذا الرئيس، إنما حَطَّ على صدور أبناء الشعب المصري، وفرضته قوة غريبةٌ غازياً غريباً على هذا الشعب، لم يأتِ سوى من أجل إخضاعهم، وقتل أكبر عددٍ ممكن منهم، وتركهم مدمرين، في بلادٍ أقل ما يمكن توقعه فيها أن إجراءاته سوف تحيلها دولةً فاشلة، إن لم تكن قد استحقت هذا التصنيف، بعد تراجع قطاعات اقتصادها، وتراجع مستوى معيشة أبنائها.
وإضافة إلى الغزو الداخلي، مارس النظام المصري غزوه الخارجي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فشارك قوات الكيان الإسرائيلي في محاصرة القطاع، وواظب على إغلاق معبر رفح الحدودي، فمنعَ دخول البضائع والسلع الأساسية، وخروج المواطنين من القطاع ودخولهم إليه. كما شنَّ حرباً غير معلنةٍ على أبناء هذا الشعب، في تدميره الأنفاق التي تربط القطاع بالأراضي المصرية، والتي ابتدعها المواطنون لتهريب الأغذية والأدوية ومواد البناء، وكل ما هو أساسي لمنع تعجيل موت أطفال القطاع وجائعيه.
قد يتساءل المرء، لماذا يَعمَد السيسي إلى استخدام كل هذا العنف ضد أبناء شعبه؟ إنه يعلم، في قرارة نفسه، أنه رئيسٌ غير شرعي، جاء إلى الحكم مقتنصاً سلطة رئيسٍ شرعي زجَّه في
إن لم تكن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش المصري في سيناء غزواً راح ضحيتَه مدنيون كثيرون، ودُمِّرت منازل آخرين، فإن تمديد قانون الطوارئ باستمرار، وقتل المعارضين في الشوارع، وخطف آخرين وتغييبهم في السجون، وتنفيذ أحكام إعدام جماعيةٍ بحق عدد منهم، وضرب حرية الصحافة والتفريط بتراب البلاد ومحاصرة غزة، هي غزوٌ موصوف، وجريمةٌ يحاسب عليها الجاني. وإن غُلِبَ أبناء الشعب المصري على أمرهم طوال السنوات الأربع الجارية من حكم السيسي، فليس مضمونا استمرار قبولهم حكمه أربع سنوات عجاف أخرى، وفي تجربة خلع حسني مبارك عبرةً لهم وله.