بقدر ما تنهال الإشادات السياسية والحقوقية على المغرب لانتهاجه سياسة تهدف لإدماج وتسوية أوضاع اللاجئين والمهاجرين المتحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، بقدر ما يتلقى انتقادات حادة من منظمات دولية بشأن رفضه استقبال لاجئين سوريين وتسوية أوضاعهم على الأرض المغربية. ووجد المغرب نفسه فجأة أمام معضلة نزوح 54 لاجئاً سورياً إلى أراضيه شرق البلاد، قادمين من الجزائر، فقرر رسمياً رفض استقبالهم، فيما فتح أحضانه للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، والذين أطلق من أجلهم خطة حكومية لإدماجهم وتسوية أوضاعهم غير القانونية.
ويطرح مراقبون ما سموه "الكيل بمكيالين" للسلطات المغربية حيال اللاجئين الوافدين من دول أفريقية، والذين باتوا يحظون بكثير من العناية سياسياً وحقوقياً، وإزاء اللاجئين السوريين الذين يلقون الصد والرفض. وأطلق المغرب قبل نهاية السنة الماضية، وتحديداً في ديسمبر/ كانون الأول 2016، الحملة الثانية من عملية تسجيل المهاجرين المتحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، والموجودين بطريقة غير قانونية، وذلك بعد الحملة الأولى التي بدأت عام 2014. وهدفت الحملة الأولى لتسوية أوضاع 25 ألف مهاجر أفريقي في المغرب، أجمعت منظمات حقوقية دولية على الإشادة بها، لكونها تهدف إلى تحسين شروط عيش هؤلاء اللاجئين.
أما اللاجئون السوريون فلم يحظوا بالأفضلية نفسها التي خصت بها السلطات المغربية المهاجرين الأفارقة، إذ إن عدد السوريين ضمن الحملة الأولى لتسوية أوضاع المهاجرين في البلاد بلغ بالضبط 5250، وفق الداخلية المغربية. ولكن منذ سنة 2014 تاريخ الحملة الأولى لتسوية السلطات المغربية وضع هؤلاء اللاجئين السوريين، جرت تطورات عديدة، فبعد أشهر قليلة من انتهاء الحملة، هددت الداخلية المغربية بطرد اللاجئين السوريين المتهمين بإثارة "اضطرابات في المساجد وبين المصلين" في عدد من مدن المملكة. وعزت السلطات المغربية حينها قرارها الصارم حيال المهاجرين السوريين، إلى "التمادي في سلوكياتهم، على الرغم من تحذير سلطات الشؤون الدينية بشأن سلوك بعض الرعايا السوريين الذين يثيرون القلاقل في المساجد".
ويعزو مراقبون الفرق الواضح بين تعامل السلطات المغربية حيال المهاجرين واللاجئين الأفارقة، والسوريين، إلى كون المملكة انخرطت في علاقات دبلوماسية وطيدة مع بلدان أفريقية عديدة، بخلاف علاقاتها المتأزمة مع نظام بشار الأسد، فضلاً عن انضمامها أخيراً إلى منظمة الاتحاد الأفريقي. ويعود تشابك علاقات المغرب مع بلدان في غرب وشرق أفريقيا خصوصاً، إلى تبادل مصالح سياسية واقتصادية، فالرباط تبحث عن كسب أصوات أفريقية في معركة الصحراء ضد جبهة البوليساريو، بينما هذه البلدان الأفريقية تستفيد من مشاريع اقتصادية تنفذها المملكة في هذه الدول.
ويقول رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار اسليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ينبغي النظر إلى قضية اللاجئين والمهاجرين من زاوية تحوّلات النظام الدولي والإقليمي. ويوضح اسليمي أن "المغرب سبق له قبول لاجئين سوريين خلال السنوات الثلاث الماضية جاؤوا من الأراضي الجزائرية، لكن الوضع الدولي والإقليمي تغير كثيراً، إذ لاحظت السلطات المغربية أن الجزائر تحاول إغراق المغرب بالمهاجرين واللاجئين بطردهم من أراضيها، ووضعهم على الحدود مع المغرب".
ويشير إلى أن المغرب يقبل بدخول المهاجرين الأفارقة، "وهذا لا يعني نهائياً تناقضاً في المواقف بقدر ما هو مرتبط بسياسة إدماج المهاجرين التي وضعت لاستيعاب الأفارقة وليس السوريين"، مضيفاً أن "السياسة الخارجية في مجال الهجرة وُضعت للأفارقة بناء على اتفاقات مع دول أفريقية، وعلى التوجّه المغربي نحو أفريقيا".
وبشأن القضية الحالية المتعلقة بـ54 لاجئاً سورياً عالقين على الحدود بين المغرب والجزائر، يقول اسليمي إن "بُعد المسافة التي قطعها السوريون والاختراقات التي وقعت داخل هؤلاء المهاجرين والمخاطر الأمنية المرتبطة بهذا الاختراق، تجعل السلطات المغربية ترفض دخول الجيل الأخير من اللاجئين السوريين".
اقــرأ أيضاً
حديث الخبير المغربي عن اختراق "داعش" للمهاجرين السوريين الذين وفدوا إلى المغرب عن طريق الحدود الجزائرية، دحضه تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اعتبر أن الأمر يتعلق بمعضلة إنسانية محضة، باعتبار أنه من ضمن 54 لاجئاً سورياً توجد 20 امرأة و22 طفلاً.
من جهتها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، المغرب والجزائر، بحل ملف هؤلاء اللاجئين السوريين العالقين. وقالت المنظمة في بيان، إن مجموعتين من طالبي اللجوء السوريين عالقون في ظروف مزرية، مشيرة إلى أن "المجموعتين تضمان 55 فرداً، بينهم 20 امرأة، 2 منهن في مراحل الحمل الأخيرة، و22 طفلاً، وأن امرأة وضعت مولوداً في المنطقة الحدودية". ودعت المنظمة السلطات المغربية والجزائرية إلى "التدخل لتشارك المسؤولية والنظر في طلبات الحماية اعتماداً على رغبات طالبي اللجوء السوريين، وضمان إتاحة الخدمات الضرورية لطالبي اللجوء جميعاً، لا سيما الحوامل والمرضعات".
من جهته، يرى مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قضية اللاجئين السوريين العالقين على الحدود الجزائرية المغربية، ملف إنساني تتقاذفه الأنظمة السياسية عبثاً وتمارس لعبة تصريف حسابات سياسية بينها، لتنطوي في الحصيلة على انتهاك صارخ لحقوق لاجئين نزحوا قسراً من ديارهم ووطنهم. ويضيف الخضري أن "النظام السياسي الجزائري قد يكون مسؤولاً عن فعل مثير للاستفزاز، فيما نظيره المغربي يتحمل مسؤولية رد فعل، لينتج عنهما لاجئون عالقون بين حدود الدولتين، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها لا إنسانية".
ويشير إلى توصل جمعيته لمعطيات "لا يمكن تأكيدها، أن هؤلاء اللاجئين كانوا بالفعل يسعون للالتحاق بالمغرب، بعد وصولهم إلى ليبيا، واتخاذهم الجزائر بلد عبور وليس استقرار، لأنهم تواصلوا مع بعض أسرهم المستقرين في المغرب، وحكوا لهم كيف أنهم يعيشون بأمن وسلام في المملكة". ويناشد الخضري الحكومة المغربية بعدم التعاطي مع الموضوع بحساسية سياسية ونكاية وتحد ومعاكسة مع الجارة الجزائر، والاستمرار في التعاطي الإنساني والحقوقي مع هؤلاء اللاجئين بالمقاربة نفسها التي تتبعها مع باقي اللاجئين الأفارقة.
وكان المركز الحقوقي قد طالب الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، بدراسة قضية هؤلاء اللاجئين السوريين بموضوعية، وتقدير الجانب الإنساني في الموضوع، واتخاذ تدابير لحمايتهم بداية، من خلال الترحيب بهم في البلاد، ثم اتخاذ ما يلزم مع الحكومة الجزائرية من أجل عدم تكرار هذا السلوك للحكومة المغربية.
اقــرأ أيضاً
ويطرح مراقبون ما سموه "الكيل بمكيالين" للسلطات المغربية حيال اللاجئين الوافدين من دول أفريقية، والذين باتوا يحظون بكثير من العناية سياسياً وحقوقياً، وإزاء اللاجئين السوريين الذين يلقون الصد والرفض. وأطلق المغرب قبل نهاية السنة الماضية، وتحديداً في ديسمبر/ كانون الأول 2016، الحملة الثانية من عملية تسجيل المهاجرين المتحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، والموجودين بطريقة غير قانونية، وذلك بعد الحملة الأولى التي بدأت عام 2014. وهدفت الحملة الأولى لتسوية أوضاع 25 ألف مهاجر أفريقي في المغرب، أجمعت منظمات حقوقية دولية على الإشادة بها، لكونها تهدف إلى تحسين شروط عيش هؤلاء اللاجئين.
ويعزو مراقبون الفرق الواضح بين تعامل السلطات المغربية حيال المهاجرين واللاجئين الأفارقة، والسوريين، إلى كون المملكة انخرطت في علاقات دبلوماسية وطيدة مع بلدان أفريقية عديدة، بخلاف علاقاتها المتأزمة مع نظام بشار الأسد، فضلاً عن انضمامها أخيراً إلى منظمة الاتحاد الأفريقي. ويعود تشابك علاقات المغرب مع بلدان في غرب وشرق أفريقيا خصوصاً، إلى تبادل مصالح سياسية واقتصادية، فالرباط تبحث عن كسب أصوات أفريقية في معركة الصحراء ضد جبهة البوليساريو، بينما هذه البلدان الأفريقية تستفيد من مشاريع اقتصادية تنفذها المملكة في هذه الدول.
ويقول رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار اسليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ينبغي النظر إلى قضية اللاجئين والمهاجرين من زاوية تحوّلات النظام الدولي والإقليمي. ويوضح اسليمي أن "المغرب سبق له قبول لاجئين سوريين خلال السنوات الثلاث الماضية جاؤوا من الأراضي الجزائرية، لكن الوضع الدولي والإقليمي تغير كثيراً، إذ لاحظت السلطات المغربية أن الجزائر تحاول إغراق المغرب بالمهاجرين واللاجئين بطردهم من أراضيها، ووضعهم على الحدود مع المغرب".
ويشير إلى أن المغرب يقبل بدخول المهاجرين الأفارقة، "وهذا لا يعني نهائياً تناقضاً في المواقف بقدر ما هو مرتبط بسياسة إدماج المهاجرين التي وضعت لاستيعاب الأفارقة وليس السوريين"، مضيفاً أن "السياسة الخارجية في مجال الهجرة وُضعت للأفارقة بناء على اتفاقات مع دول أفريقية، وعلى التوجّه المغربي نحو أفريقيا".
وبشأن القضية الحالية المتعلقة بـ54 لاجئاً سورياً عالقين على الحدود بين المغرب والجزائر، يقول اسليمي إن "بُعد المسافة التي قطعها السوريون والاختراقات التي وقعت داخل هؤلاء المهاجرين والمخاطر الأمنية المرتبطة بهذا الاختراق، تجعل السلطات المغربية ترفض دخول الجيل الأخير من اللاجئين السوريين".
حديث الخبير المغربي عن اختراق "داعش" للمهاجرين السوريين الذين وفدوا إلى المغرب عن طريق الحدود الجزائرية، دحضه تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اعتبر أن الأمر يتعلق بمعضلة إنسانية محضة، باعتبار أنه من ضمن 54 لاجئاً سورياً توجد 20 امرأة و22 طفلاً.
من جهتها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، المغرب والجزائر، بحل ملف هؤلاء اللاجئين السوريين العالقين. وقالت المنظمة في بيان، إن مجموعتين من طالبي اللجوء السوريين عالقون في ظروف مزرية، مشيرة إلى أن "المجموعتين تضمان 55 فرداً، بينهم 20 امرأة، 2 منهن في مراحل الحمل الأخيرة، و22 طفلاً، وأن امرأة وضعت مولوداً في المنطقة الحدودية". ودعت المنظمة السلطات المغربية والجزائرية إلى "التدخل لتشارك المسؤولية والنظر في طلبات الحماية اعتماداً على رغبات طالبي اللجوء السوريين، وضمان إتاحة الخدمات الضرورية لطالبي اللجوء جميعاً، لا سيما الحوامل والمرضعات".
ويشير إلى توصل جمعيته لمعطيات "لا يمكن تأكيدها، أن هؤلاء اللاجئين كانوا بالفعل يسعون للالتحاق بالمغرب، بعد وصولهم إلى ليبيا، واتخاذهم الجزائر بلد عبور وليس استقرار، لأنهم تواصلوا مع بعض أسرهم المستقرين في المغرب، وحكوا لهم كيف أنهم يعيشون بأمن وسلام في المملكة". ويناشد الخضري الحكومة المغربية بعدم التعاطي مع الموضوع بحساسية سياسية ونكاية وتحد ومعاكسة مع الجارة الجزائر، والاستمرار في التعاطي الإنساني والحقوقي مع هؤلاء اللاجئين بالمقاربة نفسها التي تتبعها مع باقي اللاجئين الأفارقة.
وكان المركز الحقوقي قد طالب الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، بدراسة قضية هؤلاء اللاجئين السوريين بموضوعية، وتقدير الجانب الإنساني في الموضوع، واتخاذ تدابير لحمايتهم بداية، من خلال الترحيب بهم في البلاد، ثم اتخاذ ما يلزم مع الحكومة الجزائرية من أجل عدم تكرار هذا السلوك للحكومة المغربية.