يمتنع حسن عثمان الدلوي عن إعطاء مواعيد لزبائنه بخصوص إنهاء طلباتهم من الأثاث وغرف النوم الخشبية التي يقوم بتصنيعها في معمله المجاور للقلعة التاريخية وسط أربيل عاصمة إقليم كردستان شمال العراق؛ الأمر الذي تسبب له بخسائر مادية كبيرة وبات يهدده بفقدان جميع زبائنه، الذين لايستطيعون الانتظار إلى حين انتهاء أزمة الكهرباء في كردستان التي أصابت الكثير من المهن بالشلل التام.
يستخدم النجار الدلوي مكائن ذات استهلاك عالٍ من الطاقة الكهربائية في تقطيع وتنعيم وضغط الأخشاب ولايمكنه الاعتماد على المولد الكهربائي الصغير الذي يمتلكه، أو حتى المولد العمومي الذي يجهزه والمعامل المجاورة بطاقة بديلة، ولكنها لاتكفي أيضاً لتشغيل أجهزته التي تعمل فقط بتيار الشبكة العامة التي تعاني انقطاعات كبيرة لم يشهدها إقليم كردستان من قبل.
يبين الدلوي في حديث لـ"العربي الجديد" أنه في "الأيام الأولى من الأزمة، كان انقطاع التيار يقتصر على ساعات النهار، وهو الأمر الذي اضطره لتغيير نوبات العمل في مصنعه، وطلب من عماله أن يحضروا ليلاً والعمل حتى ساعات الصباح الأولى، ولكن هذا الإجراء لم ينجح أيضاً، بعد أن بدأ انقطاع الكهرباء يستمر ليلاً ونهاراً".
الكل مختنق بسبب الأزمة
صباح حمه يمتلك مطعماً صغيراً يبيع المأكولات الشعبية إلى جوار مصنع الدلوي، يؤكد أن مهنته لم تتأثر في البداية بالأزمة لأنه يعتمد على الغاز السائل في تحضير الأطعمة وإعداد المشروبات، لافتاً إلى أن تطور أزمة الطاقة وشمولها لأغلب المنتجات، ومنها غاز الطبخ، جعلته يفكر جدياً في إغلاق مطعمه بشكل مؤقت حتى تنتهي الأزمة.
حمه قال لـ"العربي الجديد" إنه كان يشتري اسطوانة الغاز بمبلغ لا يتجاوز4 دولارات طيلة السنوات الثلاث الماضية، لكن سعرها قفز بشكل مفاجئ إلى حدود عشرة دولارات كما أن الحصول عليها بهذا السعر أصبح صعباً وغير متوفر أحياناً، مبيناً أن نسبة الربح البسيطة في مهنته لا تسمح برفع أسعار المأكولات والمشروبات، لأنه ببساطة لن يجد من يشتري بضاعته.
ويسخر حمه من فكرة البحث عن وسائل أخرى من الطاقة المناسبة لمهنته، لأن "والحديث لحمه" الكهرباء شبه غائبة طيلة فترة الصباح، وأسعار النفط الأبيض مرتفعة برغم نوعيته الرديئة، والغاز السائل مرتفع، ولم يبقَ أمامي سوى البحث عن الطاقة الشمسية أو انتظار اختراع جديد يولد الحرارة دون الحاجة إلى الوقود، "يقولها بلهجة ساخرة متهكمة قبل أن ينصرف".
يجمع أغلب سكان مدينة أربيل ومحافظات كردستان العراق، أن موسم الشتاء الحالي سيكون الأقسى في ظل انخفاض كبير في درجات الحرارة في معظم مناطق الاقليم الكردي، يقابلها انخفاض في تجهيز التيار الكهربائي وتذبذب في توفير مادة الغاز السائل والنفط الأبيض، مع ارتفاع كبير في أسعارهما.
الحكومة: المشكلة في الطلب وليس المنظومة
مستخدماً عبارة "المشكلة في الطلب على الكهرباء وليس في منظومتها"، يلخص مدير مركز السيطرة في وزارة الكهرباء باقليم كردستان، أوميد أحمد، أصل المشكلة منوهاً إلى أنهم وحتى نهاية شهر تشرين الاول/أكتوبر الماضي، كانوا يقومون بتجهيز جميع مناطق كردستان بأكثر من 23 ساعة من الكهرباء يومياً، وهو أعلى معدل في مختلف أنحاء العراق، ولم تحصل لديهم أية مشاكل.
المسؤول في وزارة الكهرباء أوضح لــ"العربي الجديد" أن موجة البرد الكبيرة التي ضربت الإقليم في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أدت إلى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية بشكل مرتفع جداً حتى وصل إلى 4000 ميجا واط، في وقت كانت الوزارة تقوم بإنتاج كمية تصل إلى 3000 ميجا واط.
وفي وقت يسجل الطلب السنوي على الكهرباء زيادة لا تفوق 4 % في معظم دول العالم، فإن مدير السيطرة يكشف أن الزيادة بلغت في إقليم كردستان 20%، وهو رقم قياسي جداً، عازياً إياه إلى الاعتماد الكلي على الكهرباء في التدفئة وحتى الطبخ، وهي استخدامات زادت بشكل كبير في ظل استقبال الإقليم لأعداد كبيرة من النازحين.
ويضم إقليم كردستان 3 مخيمات كبرى للاجئين في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية فضلاً عن عشرات المجمعات غير النظامية التي تضم أعداداً كبيرة من النازحين العراقيين والسوريين في وقت تقدر منظمات إغاثية أعداد النازحين بأكثر من مليوني شخص يحتاجون إلى خدمات الماء والكهرباء، فضلاً عن المحروقات.
ويدعو أوميد أحمد وزارة الموارد الطبيعية في الاقليم إلى زيادة الكميات المجهزة من مادتي النفط الأبيض والغاز السائل المخصصة للمواطنين من أجل العمل على خفض الطلب على التيار الكهربائي، مبيناً أنهم ووفق خطتهم الاستراتيجية التي يعملون عليها، يأملون أن يحصلوا على إنتاج يصل إلى 6000 ميجاواط خلال عام 2016، وذلك من خلال بناء محطات جديدة وتوسيع الموجودة حالياً.
فتش عن الاتحادية
من جهته يلقي مدير مصنع الغاز السائل في أربيل، عبدالله بشدر، المسؤولية على عاتق الحكومة الاتحادية التي أوقفت شحنات الغاز السائل المرسلة إلى اقليم كردستان، مما تسبب بارتفاع أسعار أسطوانات غاز الطبخ.
وقال بشدر في بيان تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، إن "ارتفاع الأسعار جاء نتيجة قلة انتاج المصنع بسبب إيقاف السلطات الاتحادية في بغداد إرسال شحنات الغاز السائل المحملة في صهاريج خاصة إلى اقليم كردستان، منوهاً إلى أن الانخفاض في الأسعار يعتمد على إرسال الحكومة الاتحادية لإمدادات الغاز".
ويطالب عضو نقابة الاقتصاديين في إقليم كردستان، شمال نوري، بإيجاد مؤسسة متخصصة في التعامل مع الأزمات وإدارتها من أجل تجنب تفاقمها، وحصول مضاعفات كبيرة للمشاكل الاقتصادية، مضيفاً أن الأزمة الحالية كانت تتطلب عملاً كبيراً في مجال تخزين مواد الغاز السائل والكاز أويل والنفط الأبيض، منذ فصلي الصيف والربيع اللذين يشهدان انخفاضاً كبيراً في الطلب.
المسؤول النقابي يضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحلول تتطلب تحركاً كبيراً وواسعاً لمعالجة ملف التجاوزات على شبكة الكهرباء الوطنية، والتي تفقد 30% من إنتاجها بسبب هذه التجاوزات، مشيراً إلى أن الأزمة المالية التي مر بها إقليم كردستان، تسببت بتعطيل العمل بمشروع "الساعة الذكية" والذي كان من شأنه أن يساهم بشكل كبير في السيطرة على حجم الاستهلاك من الطاقة الكهربائية.
السوق السوداء
ولاتتوقف أسباب الأزمة على موجة البرد وزيادة النازحين، بحسب الخبير الاقتصادي أوات شيخ بزيني، الذي يرى في "السوق السوداء" واحداً من الأسباب القوية لأزمة المحروقات حيث يتم بيع أغلب المواد بضعف أسعارها أو أكثر، مشدداً على أن هؤلاء حريصون على إطالة أمد الأزمة.
ويكشف شيخ بزيني في حديث لـ"العربي الجديد" عن أرباح ضخمة يحصل عليها تجار المحروقات في السوق السوداء، حيث يكون ربح إسطوانة الغاز مضاعفاً، ويباع برميل النفط الأبيض بسعر يزيد قليلاً عن 200 دولار، فضلاً عن تجارة مادة البنزين التي شهدت هي الأخرى أزمة حادة خلال شهر رمضان المبارك، ولكنها توفرت فيما بعد بأسعار مرتفعة إذ يباع لتر البنزين في مدن إقليم كردستان بــ800دينار عراقي (أقل من دولار واحد)بعد أن كان 500 دينار(يقارب النصف دولار)مطلع السنة الحالية.
يعتذر النجار حسن عثمان الدلوي عن فهم لغة المضاربة والاحتكار والسوق السوداء، وغيرها من المصطلحات التي يسمع بها من الإعلام، لكنه يريد حلاً حقيقياً وسريعاً يجنبه شبح الإفلاس وخسارة زبائنه الذين بدأوا بإلغاء طلبيات الأثاث وأسرّة النوم، وأخذوا يتجهون نحو المستورد الأجنبي الذي يبدو أنه سيسطر على عموم المشهد، في ظل تفاقم أزمة الطاقة الحالية.