انتهت محادثات أستانة بجولتها السادسة أمس الجمعة، بإعلان ضم محافظة إدلب إلى مناطق خفض التصعيد، مع اتفاق الدول الثلاث الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، على نشر قوات لمراقبة خفض التصعيد. إلا أن هذا الاتفاق حمل في طياته "فخاخاً" قد تفجّر الوضع مستقبلاً، خصوصاً تأكيد البيان الختامي للمحادثات استمرار اتخاذ كل التدابير اللازمة لمواصلة قتال تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" داخل مناطق خفض التصعيد وخارجها، ما يطرح أسئلة حول مستقبل إدلب التي تسيطر على أجزاء كبيرة منها "هيئة تحرير الشام" التي تُشكّل "النصرة" الفصيل الأقوى فيها، وما إذا كان ذلك يعني أن عملية عسكرية ضد "النصرة" في إدلب باتت مسألة وقت. كذلك كانت لافتة دعوة روسيا المعارضة السورية للتراجع عن تشكيل "الجيش الوطني" لأن هدفه سيكون محاربة النظام.
وبعد يومين من المحادثات التي بدأت رسمياً الخميس، أعلنت الدول الضامنة لاتفاق أستانة، التوصل لإقامة أربع مناطق لخفض التصعيد، وفقاً للمذكرة المؤرخة في 4 مايو/ أيار 2017، في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سورية.
وأكدت هذه الدول في البيان الختامي لأستانة 6 أن إنشاء مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية هو تدبير مؤقت تكون مدته 6 أشهر مبدئياً وتمدد تلقائياً على أساس توافق آراء الضامنين، معلنة نشر قوات لمراقبة خفض التوتر وفقاً للخرائط المتفق عليها في أنقرة في 8 سبتمبر/ أيلول الحالي، وبموجب شروط نشر هذه القوات التي وضعتها لجنة العمل المشتركة، في "المنطقة الآمنة" بإدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة (اللاذقية وحماة وحلب) لمنع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة. كذلك أعلنت تشكيل لجنة إيرانية - روسية - تركية مشتركة لتنسيق عمل قوات المراقبة في مناطق تخفيف التصعيد، مشيرة إلى عقد جولة مقبلة لمحادثات أستانة أواخر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وكان البند اللافت في البيان الختامي هو ما ورد عن محاربة "داعش" و"النصرة"، فمع تأكيده "على التقدّم المحرز في مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش، وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمشاريع والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش، وذلك نتيجة إطلاق مناطق التصعيد المذكورة أعلاه"، فإنه أعلن "التصميم على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة الكفاح ضدها داخل مناطق التصعيد وخارجها".
وحول ملف المعتقلين، اكتفى البيان "بالتشديد على ضرورة أن تتخذ الأطراف المتصارعة تدابير لبناء الثقة، بما في ذلك الإفراج عن المحتجزين والمختطفين، وتسليم الجثث، فضلاً عن التعرف على الأشخاص المفقودين، من أجل تهيئة ظروف أفضل للعملية السياسية والوقف الدائم لإطلاق النار".
وأشاد البيان الختامي بأن الوضع في سورية تغيّر بشكل كبير منذ 8 أشهر مع بدء المباحثات في أستانة، مشدداً على ضرورة مواصلة هذا المسار. كذلك أكد البيان على وحدة الأراضي السورية. وطالب الأعضاء المراقبين في عملية أستانة، وبقية المجتمع الدولي، بدعم عملية وقف التصعيد في سورية، وحث الأطراف المتصارعة والمجتمع المدني على استخدام الظروف المواتية الناشئة لتكثيف الجهود لإعطاء دفعة للحوار بين السوريين، ودفع العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف". كذلك دعا البيان للاستفادة من مناطق تخفيف التصعيد لإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون معوقات.
إعلان منطقة تخفيض التصعيد في إدلب كان القرار الأبرز لهذه المحادثات، إلا أن بعض الغموض بقي يلف هذه النقطة، خصوصاً لجهة أماكن انتشار قوات المراقبة. لكن وزارة الخارجية التركية أوضحت في بيان لها أن مراقبين من تركيا وروسيا وإيران سوف ينتشرون في نقاط التفتيش والمراقبة على حدود منطقة خفض التوتر في إدلب. وأفاد البيان بأن المهمة الأساسية لقوات المراقبة هي "الحيلولة دون وقوع اشتباكات بين النظام والمعارضة، ومراقبة الخروقات المحتملة لوقف إطلاق النار"، مشيراً إلى أن تنسيق عمل قوات المراقبة سيتم من قبل "مركز التنسيق المشترك" الذي سيشكل بين الدول الضامنة الثلاث. وأكدت الخارجية أن تركيا أدت دوراً حاسماً في المفاوضات المتعلقة بإعلان منطقة خفض توتر في إدلب، بصفتها ضامنة للمعارضة، مع الأخذ بعين الاعتبار مقاربة ومواقف فصائل المعارضة على الأرض.
ولفتت إلى أن إعلان منطقة خفض توتر في إدلب يشكل الحلقة الأخيرة من تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة في مايو/ أيار خلال مباحثات أستانة بين الدول الضامنة، حول إقامة مناطق خفض توتر في سورية، مشيرة إلى أن الاشتباكات شهدت انخفاضاً ملحوظاً في سورية، مع توقيع تلك المذكرة. واعتبرت الخارجية أن هذا التقدّم يسهم في تهيئة الظروف على الأرض، من أجل تحقيق تقدّم في العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، لحل الأزمة السورية. وأكدت أن تركيا ستواصل دعمها بقوة للزخم الحاصل نتيجة التقدم بفضل اجتماعات أستانة، من أجل المضي قدماً في عملية الانتقال السياسي، والتي يجري العمل على تحقيقها من خلال مفاوضات جنيف.
من جهته، أعلن رئيس الوفد الروسي في أستانة، ألكسندر لافرنتييف، في مؤتمر صحافي بعد انتهاء المحادثات، أن كلاً من روسيا وإيران وتركيا سترسل نحو 500 مراقب إلى إدلب، وأن المراقبين الروس سيكونون من الشرطة العسكرية. وأوضح أن الدول الضامنة ستحدد أماكن نشر هؤلاء المراقبين، مضيفاً في مؤتمر صحافي: "لا أستطيع أن أقول إن هناك تناقضات حيال هذه المسألة، لأنه كان لدينا موقف مشترك، وُضع حتى قبل مشاورات الخميس والجمعة، أنه في منطقة إدلب على خط التماس، والذي تم تحديده، سيتم نشر وحدات مراقبين من البلدان الضامنة الثلاثة"، موضحاً أن "الآلية وتحديد المناطق ستتم بموافقة جميع الدول الضامنة".
واعتبر أن نتائج الجولة السادسة من مفاوضات أستانة ستسهم في إطلاق عملية التسوية السياسية في مفاوضات جنيف. وأشار إلى أن روسيا طرحت مسألة مشاركة دول مراقبة جديدة في عملية أستانة، خلال اتصالاتها بتركيا وإيران، معلناً أنه لا قرار نهائياً حول توسيع قائمة المراقبين في سورية، وأن هذا سيُبحث على مستوى العمل عبر القنوات الدبلوماسية، مضيفاً: "قائمة المراقبين في سورية قد تضم الصين والإمارات ومصر والعراق ولبنان، ستُرسل لهم الطلبات عبر كازاخستان".
اقــرأ أيضاً
كذلك أعلن لافرينتيف أن "عملية الفصل بين المعارضة السورية البناءة والإرهابيين لم تكتمل بعد"، داعياً الفصائل المسلحة للتراجع عن تشكيل "الجيش الوطني". وتحدث عن نتائج لقاء الوفد الروسي مع وفد المعارضة المسلحة، واصفاً هذا الاجتماع بالبنّاء. وتابع قائلاً: "أجرينا محادثات مع المعارضة السورية ودعوناها إلى التحلي بمواقف بناءة والتخلي عن طرح مطالب مستحيلة التنفيذ". وأعلن أن الطرف الروسي حث المعارضين خلال اللقاء على التراجع عن فكرة إنشاء "جيش وطني"، باعتبار أن الهدف من هذا الكيان يكمن ليس في محاربة الإرهاب، بل في مواصلة الجهود لإسقاط النظام. واستطرد قائلاً: "لا يمكننا غض الطرف عن محاولات بعض الفصائل المعارضة تشكيل وحدات متحدة تحت تسمية الجيش السوري الوطني. وبرأينا، من المستبعد أن يؤدي ذلك لزيادة فعالية الحرب على "داعش" و"جبهة النصرة"، لأن الهدف الرئيسي المعلن لهذا الجيش لا يزال يتعلق بإسقاط السلطة الشرعية المعترف بها دولياً في دمشق".
واعتبر أنه من "المهم للغاية إشراك المعارضة المسلحة البناءة في الحرب ضد داعش والنصرة في أقرب وقت". كما تعهد بأن الجانب الروسي سيبذل إجراءات إضافية للاستجابة لطلب المعارضة حول تحريك عملية الإفراج عن الأسرى السجناء وتسليم جثث القتلى.
وفي ملف المعتقلين، أعرب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن أسفه لعدم إحراز تقدّم فيه، مؤكداً إصراره على مناقشته، ليس فقط في أستانة بل في كل المحافل الدولية. وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي في أستانة: "للأسف، لا يوجد تقدم كافٍ في ما يتعلق بملف المعتقلين. نحن أصرينا على مناقشة هذه المسألة وعلى أن تكون هناك نتائج محددة، ليس فقط في إطار عملية أستانة، بل وفي الأمم المتحدة وفي نيويورك وفي جنيف وفي كل مكان".
بينما قال مصدر مقرب من وفد المعارضة في أستانة لـ"العربي الجديد" إن وفد المعارضة تمسك بضرورة الإفراج عن المعتقلين وإنه حصل على وعود دولية بمتابعة هذا الملف في الاجتماعات اللاحقة، إذ تم الاتفاق على تأجيل موضوع المعتقلين وموضوع إزالة الألغام إلى اجتماع أستانة المقبل، مشيراً إلى وجود أفكار جديدة بهذا الشأن.
أما المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، فأوضح أنه جرت مناقشة أمرين أساسيين في مفاوضات أستانة، وهما ضم إدلب لمناطق خفض التصعيد وقضية المعتقلين الموجودين بعشرات الآلاف في سجون النظام السوري، والتي تأتي على رأس الأولويات. وأشار العريضي خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء المفاوضات، إلى أنه تم الفصل بين الجماعات الإرهابية في إدلب ومسلحي الفصائل المقاتلة، مؤكداً أن لا علاقة بين مقاتلي الجيش الحر وهؤلاء الذين يندرجون تحت مظلة الإرهاب.
بدوره، قال ممثل النظام السوري بشار الجعفري في مؤتمر صحافي، إن نظامه يؤيد أية مبادرة من شأنها وقف الدماء في سورية حسب تعبيره، مشدداً على رفض حكومته إقامة قواعد عسكرية لأي جهة من دون موافقتها.
في عضون ذلك، قالت مصادر محلية في محافظة حماة لـ"العربي الجديد" إن عناصر من الشرطة العسكرية الروسية انتشروا في نقاط تخضع لسيطرة النظام في ريفي حماة الشمالي والغربي، فيما يعتقد أنه مباشرة مسبقة من جانب روسيا في تطبيق اتفاق أستانة، إذ ينص الاتفاق على انتشار قوات روسية وإيرانية في المناطق المحاذية لإدلب من جهة سيطرة قوات النظام. وقالت المصادر إن القوات الروسية انتشرت في مطار حماة العسكري وقاعدة جورين وفي عين سليمو في سهل الغاب ومدرسة الصناعة في السقيلبية، ومستشفى حلفايا الوطني، ومعسكر الترابيع جنوب حلفايا ورحبة خطاب في جبل زين العابدين، إضافة إلى معردس وصوران وطيبة الإمام. وأوضحت أن منطقة وقف القتال في تل رفعت بريف حلب الغربي أقيمت على أساس اتفاق روسي تركي، ولا تدخل في إطار مناطق خفض التصعيد.
وكان مركز "عمران" السوري للدراسات الاستراتيجية قد توقّع في ورقة بحثية نشرها أمس تقسيم محافظة إدلب إلى ثلاث مناطق تدير إحداها روسيا بينما تنتشر "هيئة تحرير الشام" في الثانية، وتسيطر تركيا على الثالثة القريبة من حدودها.
من جهة أخرى، قالت وكالة "سبوتنيك" الروسية إنه من المقرر أن يعقد الأسبوع المقبل اجتماع روسي-أميركي لبحث موضوع دير الزور والتنف، وسط أنباء عن استعداد واشنطن لتسليم منطقة التنف لقوات النظام السوري وروسيا، بحسب الوكالة. وقالت الخارجية الروسية أمس إن اتصالاً هاتفياً حصل بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون، ناقشا فيه التعاون بشأن سورية.
يأتي ذلك بينما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أمس أن موسكو وواشنطن رفضتا طلباً إسرائيلياً بإخلاء شريط حدودي عمقه 60 كيلومتراً، جنوبي سورية من أي وجود للقوات المدعومة من قبل إيران. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل أصرت خلال مفاوضات جرت في يوليو/ تموز الماضي، حول إقامة منطقة خفض التصعيد الجنوبية، على مد مثل هذا الشريط بعمق ما بين 60 و80 كيلومتراً بمحاذاة الجولان المحتل، غربي الطريق الرابط بين دمشق ومدينة السويداء، كجزء من أي اتفاق للهدنة في سورية، مشيرة إلى أن الروس كانوا مستعدين ليتعهدوا فقط بأن القوات الإيرانية والوحدات المتحالفة معها لن تبتعد عن خطوط منع الاشتباك بين قوات النظام وقوات المعارضة على مسافة تزيد عن خمسة كيلومترات.
اقــرأ أيضاً
وبعد يومين من المحادثات التي بدأت رسمياً الخميس، أعلنت الدول الضامنة لاتفاق أستانة، التوصل لإقامة أربع مناطق لخفض التصعيد، وفقاً للمذكرة المؤرخة في 4 مايو/ أيار 2017، في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سورية.
وكان البند اللافت في البيان الختامي هو ما ورد عن محاربة "داعش" و"النصرة"، فمع تأكيده "على التقدّم المحرز في مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش، وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمشاريع والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش، وذلك نتيجة إطلاق مناطق التصعيد المذكورة أعلاه"، فإنه أعلن "التصميم على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة الكفاح ضدها داخل مناطق التصعيد وخارجها".
وحول ملف المعتقلين، اكتفى البيان "بالتشديد على ضرورة أن تتخذ الأطراف المتصارعة تدابير لبناء الثقة، بما في ذلك الإفراج عن المحتجزين والمختطفين، وتسليم الجثث، فضلاً عن التعرف على الأشخاص المفقودين، من أجل تهيئة ظروف أفضل للعملية السياسية والوقف الدائم لإطلاق النار".
وأشاد البيان الختامي بأن الوضع في سورية تغيّر بشكل كبير منذ 8 أشهر مع بدء المباحثات في أستانة، مشدداً على ضرورة مواصلة هذا المسار. كذلك أكد البيان على وحدة الأراضي السورية. وطالب الأعضاء المراقبين في عملية أستانة، وبقية المجتمع الدولي، بدعم عملية وقف التصعيد في سورية، وحث الأطراف المتصارعة والمجتمع المدني على استخدام الظروف المواتية الناشئة لتكثيف الجهود لإعطاء دفعة للحوار بين السوريين، ودفع العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف". كذلك دعا البيان للاستفادة من مناطق تخفيف التصعيد لإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون معوقات.
إعلان منطقة تخفيض التصعيد في إدلب كان القرار الأبرز لهذه المحادثات، إلا أن بعض الغموض بقي يلف هذه النقطة، خصوصاً لجهة أماكن انتشار قوات المراقبة. لكن وزارة الخارجية التركية أوضحت في بيان لها أن مراقبين من تركيا وروسيا وإيران سوف ينتشرون في نقاط التفتيش والمراقبة على حدود منطقة خفض التوتر في إدلب. وأفاد البيان بأن المهمة الأساسية لقوات المراقبة هي "الحيلولة دون وقوع اشتباكات بين النظام والمعارضة، ومراقبة الخروقات المحتملة لوقف إطلاق النار"، مشيراً إلى أن تنسيق عمل قوات المراقبة سيتم من قبل "مركز التنسيق المشترك" الذي سيشكل بين الدول الضامنة الثلاث. وأكدت الخارجية أن تركيا أدت دوراً حاسماً في المفاوضات المتعلقة بإعلان منطقة خفض توتر في إدلب، بصفتها ضامنة للمعارضة، مع الأخذ بعين الاعتبار مقاربة ومواقف فصائل المعارضة على الأرض.
ولفتت إلى أن إعلان منطقة خفض توتر في إدلب يشكل الحلقة الأخيرة من تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة في مايو/ أيار خلال مباحثات أستانة بين الدول الضامنة، حول إقامة مناطق خفض توتر في سورية، مشيرة إلى أن الاشتباكات شهدت انخفاضاً ملحوظاً في سورية، مع توقيع تلك المذكرة. واعتبرت الخارجية أن هذا التقدّم يسهم في تهيئة الظروف على الأرض، من أجل تحقيق تقدّم في العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، لحل الأزمة السورية. وأكدت أن تركيا ستواصل دعمها بقوة للزخم الحاصل نتيجة التقدم بفضل اجتماعات أستانة، من أجل المضي قدماً في عملية الانتقال السياسي، والتي يجري العمل على تحقيقها من خلال مفاوضات جنيف.
من جهته، أعلن رئيس الوفد الروسي في أستانة، ألكسندر لافرنتييف، في مؤتمر صحافي بعد انتهاء المحادثات، أن كلاً من روسيا وإيران وتركيا سترسل نحو 500 مراقب إلى إدلب، وأن المراقبين الروس سيكونون من الشرطة العسكرية. وأوضح أن الدول الضامنة ستحدد أماكن نشر هؤلاء المراقبين، مضيفاً في مؤتمر صحافي: "لا أستطيع أن أقول إن هناك تناقضات حيال هذه المسألة، لأنه كان لدينا موقف مشترك، وُضع حتى قبل مشاورات الخميس والجمعة، أنه في منطقة إدلب على خط التماس، والذي تم تحديده، سيتم نشر وحدات مراقبين من البلدان الضامنة الثلاثة"، موضحاً أن "الآلية وتحديد المناطق ستتم بموافقة جميع الدول الضامنة".
واعتبر أن نتائج الجولة السادسة من مفاوضات أستانة ستسهم في إطلاق عملية التسوية السياسية في مفاوضات جنيف. وأشار إلى أن روسيا طرحت مسألة مشاركة دول مراقبة جديدة في عملية أستانة، خلال اتصالاتها بتركيا وإيران، معلناً أنه لا قرار نهائياً حول توسيع قائمة المراقبين في سورية، وأن هذا سيُبحث على مستوى العمل عبر القنوات الدبلوماسية، مضيفاً: "قائمة المراقبين في سورية قد تضم الصين والإمارات ومصر والعراق ولبنان، ستُرسل لهم الطلبات عبر كازاخستان".
كذلك أعلن لافرينتيف أن "عملية الفصل بين المعارضة السورية البناءة والإرهابيين لم تكتمل بعد"، داعياً الفصائل المسلحة للتراجع عن تشكيل "الجيش الوطني". وتحدث عن نتائج لقاء الوفد الروسي مع وفد المعارضة المسلحة، واصفاً هذا الاجتماع بالبنّاء. وتابع قائلاً: "أجرينا محادثات مع المعارضة السورية ودعوناها إلى التحلي بمواقف بناءة والتخلي عن طرح مطالب مستحيلة التنفيذ". وأعلن أن الطرف الروسي حث المعارضين خلال اللقاء على التراجع عن فكرة إنشاء "جيش وطني"، باعتبار أن الهدف من هذا الكيان يكمن ليس في محاربة الإرهاب، بل في مواصلة الجهود لإسقاط النظام. واستطرد قائلاً: "لا يمكننا غض الطرف عن محاولات بعض الفصائل المعارضة تشكيل وحدات متحدة تحت تسمية الجيش السوري الوطني. وبرأينا، من المستبعد أن يؤدي ذلك لزيادة فعالية الحرب على "داعش" و"جبهة النصرة"، لأن الهدف الرئيسي المعلن لهذا الجيش لا يزال يتعلق بإسقاط السلطة الشرعية المعترف بها دولياً في دمشق".
واعتبر أنه من "المهم للغاية إشراك المعارضة المسلحة البناءة في الحرب ضد داعش والنصرة في أقرب وقت". كما تعهد بأن الجانب الروسي سيبذل إجراءات إضافية للاستجابة لطلب المعارضة حول تحريك عملية الإفراج عن الأسرى السجناء وتسليم جثث القتلى.
وفي ملف المعتقلين، أعرب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن أسفه لعدم إحراز تقدّم فيه، مؤكداً إصراره على مناقشته، ليس فقط في أستانة بل في كل المحافل الدولية. وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي في أستانة: "للأسف، لا يوجد تقدم كافٍ في ما يتعلق بملف المعتقلين. نحن أصرينا على مناقشة هذه المسألة وعلى أن تكون هناك نتائج محددة، ليس فقط في إطار عملية أستانة، بل وفي الأمم المتحدة وفي نيويورك وفي جنيف وفي كل مكان".
بينما قال مصدر مقرب من وفد المعارضة في أستانة لـ"العربي الجديد" إن وفد المعارضة تمسك بضرورة الإفراج عن المعتقلين وإنه حصل على وعود دولية بمتابعة هذا الملف في الاجتماعات اللاحقة، إذ تم الاتفاق على تأجيل موضوع المعتقلين وموضوع إزالة الألغام إلى اجتماع أستانة المقبل، مشيراً إلى وجود أفكار جديدة بهذا الشأن.
أما المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، فأوضح أنه جرت مناقشة أمرين أساسيين في مفاوضات أستانة، وهما ضم إدلب لمناطق خفض التصعيد وقضية المعتقلين الموجودين بعشرات الآلاف في سجون النظام السوري، والتي تأتي على رأس الأولويات. وأشار العريضي خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء المفاوضات، إلى أنه تم الفصل بين الجماعات الإرهابية في إدلب ومسلحي الفصائل المقاتلة، مؤكداً أن لا علاقة بين مقاتلي الجيش الحر وهؤلاء الذين يندرجون تحت مظلة الإرهاب.
بدوره، قال ممثل النظام السوري بشار الجعفري في مؤتمر صحافي، إن نظامه يؤيد أية مبادرة من شأنها وقف الدماء في سورية حسب تعبيره، مشدداً على رفض حكومته إقامة قواعد عسكرية لأي جهة من دون موافقتها.
وكان مركز "عمران" السوري للدراسات الاستراتيجية قد توقّع في ورقة بحثية نشرها أمس تقسيم محافظة إدلب إلى ثلاث مناطق تدير إحداها روسيا بينما تنتشر "هيئة تحرير الشام" في الثانية، وتسيطر تركيا على الثالثة القريبة من حدودها.
من جهة أخرى، قالت وكالة "سبوتنيك" الروسية إنه من المقرر أن يعقد الأسبوع المقبل اجتماع روسي-أميركي لبحث موضوع دير الزور والتنف، وسط أنباء عن استعداد واشنطن لتسليم منطقة التنف لقوات النظام السوري وروسيا، بحسب الوكالة. وقالت الخارجية الروسية أمس إن اتصالاً هاتفياً حصل بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون، ناقشا فيه التعاون بشأن سورية.
يأتي ذلك بينما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أمس أن موسكو وواشنطن رفضتا طلباً إسرائيلياً بإخلاء شريط حدودي عمقه 60 كيلومتراً، جنوبي سورية من أي وجود للقوات المدعومة من قبل إيران. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل أصرت خلال مفاوضات جرت في يوليو/ تموز الماضي، حول إقامة منطقة خفض التصعيد الجنوبية، على مد مثل هذا الشريط بعمق ما بين 60 و80 كيلومتراً بمحاذاة الجولان المحتل، غربي الطريق الرابط بين دمشق ومدينة السويداء، كجزء من أي اتفاق للهدنة في سورية، مشيرة إلى أن الروس كانوا مستعدين ليتعهدوا فقط بأن القوات الإيرانية والوحدات المتحالفة معها لن تبتعد عن خطوط منع الاشتباك بين قوات النظام وقوات المعارضة على مسافة تزيد عن خمسة كيلومترات.