رغم وفاة أحد أشهر أبطال مسلسل الخيال العلمي "ستار تريك"، الأميركي ليونار نيموني، الذي ظل يؤدي دور "سبوك" ذي الأذنين العجيبتين، في أواخر فبراير/شباط الماضي، إلا أن المعجبين به لم يغيروا عاداتهم بمتابعة المسلسل.
بالنسبة لنا، ربما كنا الجيل الثالث أو الرابع الذي شاهد ويشاهد حتى الآن مسلسل "ستار تريك" بكل تنوّعاته، بعد أن مرّ على ظهوره ما يقارب نصف قرن. معنى هذا أن هذا المسلسل التلفزيوني الذي انتقل إلى فضاء أوسع، أي إلى الفضائيات، بدأ يولّد أجيالاً أيضاً، أي أنه يقاوم الاندراج في ملفات الماضي، ربما لأن المستقبلات التي تجري فيها أحداثه لم تتحقق بعد، ويرجو أصحابه، كما يبدو، أن لا تتحقق أبداً، حتى يظل المسلسل جذاباً، وإلا ما قيمته إذا انتقلت خيالاته المحالة إلى أرض الواقع ودبت فيها الحياة؟
لا شك أن هذا الخيال الجامح الذي تتجوّل سفنه بين المجرّات كما يتجوّل إنسان في أزقة قرية، كان شيئاً مثيراً في بداية ظهوره، ولكن ما شاهدناه أخيراً كان إغراقاً في العبث، بحيث صارت الرحلة بين الماضي المندثر والمستقبل المتخيّل ذهاباً وإياباً مكرورة إلى درجة مملة، وفقدت حتى معناها الأول الذي كان لها مع رواية "آلة الزمن" حين نشرها الإنجليزي هـ.ج. ويلز لأول مرة في عام 1895. وتحوّل المشاهد إلى مجرّد مغفل مذهول أمام هذا السيرك الذي يتأرجح أبطاله على الحبال بين كوكب وآخر. وقد يتأرجحون بين مجرّة وأخرى غداً ضاحكين من دون حاجة إلى سفينة "انتربرايز".
ينقلنا هذا المسلسل إلى مستقبل غير منظور، بعيد بعداً خيالياً، تقاتل فيه سفينة "الانتربرايز" أو سفينة "الاتحاد" أشراراً متنوّعي الأشكال والوجوه، ولا يلمس المشاهد أي جذر لدوافع هذا الصراع في أي حافز إنساني، شأنه في ذلك شأن الصراع المحتدم في عدد كبير من هذه الأفلام المسمّاة "أفلام الخيال العلمي" مثل "حرب النجوم" و"كوكب القردة" و"رجال بثياب سوداء".
كل ما يتحفنا به أصحاب هذا "الخيال" هو اختراع كائنات جديدة كلما استهلك المشاهد نوعاً منها. ومهما امتد بهم الخيال وتطاول، نجد له حدوداً واضحة لا لبس فيها، فهناك دائماً "آخر" يكتشفه المغامرون والمحاربون والباحثون، وهذا الآخر شرير بطبيعته، ولا ينتمي إلى الجنس البشري بالطبع. بل وأصبح هذا الشرير في آخر طبعة "صرصوراً" يتجوّل بسفينته الفضائية في الكون، ويثير فضوله كوكب الأرض فيقرّر زيارته، أو السقوط عليه كما يسقط نيزك.
أشك أن يكون في هذا شيء من الخيال أو العلم، وأغلب ظني أنه صياغة مموهّة لترسيخ أساطير الجنس المتفوّق والأجناس الدنيا، و"أسطورة روما المتحضرة" التي تحيط بها قبائل البرابرة، ولكن بأدوات سفن الفضاء والصواريخ بدل الخيول والعربات.