أعادت الاحتجاجات الأميركية الأخيرة إلى الضوء الخطاب العنصري اليومي، المنتشر في الولايات المتحدة: من التعليم، إلى الاقتصاد، إلى الفنّ. إذ انتفض مواطنون سود ضد التنميط والتمييز، رافضين قتلهم العشوائي من قبل رجال الشرطة، ورافضين كذلك حصولهم على فرص أدنى من فرص مواطنيهم البيض في حياة أفضل.
في العالم العربي، اختار فنانون كثر التضامن مع الأميركيين السود، فجاء هذا التضامن ساذجاً وعنصرياً في فحواه، كما فعلت تانيا صالح، التي طلت وجهها باللون الأسود كاتبة "كنت أحلم كل حياتي أن أكون سوداء". المغنية والممثلة الجزائرية، سهيلة بن لشهب، كانت واحدة من عدد من المؤثرين الذين نشروا صوراً لأنفسهم ونصف وجوههم مطلية باللون أسود. وعلّقت الفنانة على الصورة وكتبت: "ليس لأننا سود من الخارج فإننا سود من الداخل، العنصريون هم من قلبهم أسود". وتسببت هذه الصورة والعبارات في حملة انتقادات واسعة ضدها، رأت أنّ تضامناً كهذا هو خطوة ساذجة؛ بسبب استخدامها تنكراً وعبارات مهينة للسود.
لكن العنصرية المبطنة في خطاب الفنانين العرب تعكس إرثاً اجتماعياً وثقافياً عربياً، تراكمت فيه العنصرية عن قصد وعن غير قصد. في الموسيقى العربية على سبيل المثال، كان للسمر حصة كبيرة من الأغاني والقصائد التي لحّنت واشتهرت. بعض هذه الأغاني غزل بحت، وبعضها الآخر يحمل في طياته نوعاً من أنواع العنصرية والتمييز. لنستعد هنا أبرز هذه الأغاني التي اشتهرت، خصوصاً في مصر: هل كانت هذه الأغاني بريئة؟ أم مجرّد "رفع معنويات" للسمراوات تحديداً، على اعتبار أنهنّ أقل جمالاً من البيضاوات في معايير المجتمع؟
في العالم العربي، اختار فنانون كثر التضامن مع الأميركيين السود، فجاء هذا التضامن ساذجاً وعنصرياً في فحواه، كما فعلت تانيا صالح، التي طلت وجهها باللون الأسود كاتبة "كنت أحلم كل حياتي أن أكون سوداء". المغنية والممثلة الجزائرية، سهيلة بن لشهب، كانت واحدة من عدد من المؤثرين الذين نشروا صوراً لأنفسهم ونصف وجوههم مطلية باللون أسود. وعلّقت الفنانة على الصورة وكتبت: "ليس لأننا سود من الخارج فإننا سود من الداخل، العنصريون هم من قلبهم أسود". وتسببت هذه الصورة والعبارات في حملة انتقادات واسعة ضدها، رأت أنّ تضامناً كهذا هو خطوة ساذجة؛ بسبب استخدامها تنكراً وعبارات مهينة للسود.
لكن العنصرية المبطنة في خطاب الفنانين العرب تعكس إرثاً اجتماعياً وثقافياً عربياً، تراكمت فيه العنصرية عن قصد وعن غير قصد. في الموسيقى العربية على سبيل المثال، كان للسمر حصة كبيرة من الأغاني والقصائد التي لحّنت واشتهرت. بعض هذه الأغاني غزل بحت، وبعضها الآخر يحمل في طياته نوعاً من أنواع العنصرية والتمييز. لنستعد هنا أبرز هذه الأغاني التي اشتهرت، خصوصاً في مصر: هل كانت هذه الأغاني بريئة؟ أم مجرّد "رفع معنويات" للسمراوات تحديداً، على اعتبار أنهنّ أقل جمالاً من البيضاوات في معايير المجتمع؟
بداية القرن الماضي
الغناء لأصحاب البشرة السمراء في الفلكلور العربي قديم بشكل يصعب تأريخ بدايته. نذكر مثلاً أغنية "يا أسمر يا زين" التي اشتهرت بصوت مطربة الأغاني الخفيفة والطقطوقة الشهيرة نعيمة المصري (1894-1976).
في تلك الفترة أيضاً، أي مطلع القرن العشرين، كانت أغاني الأفراح في أغلب أنحاء مصر تشير إلى أصحاب البشرة السمراء. منيرة المهدية بدورها غنّت "أسمر ملك روحي" من ألحان محمد علبة. نبقى في تلك الفترة المبكرة من القرن الماضي حين غنى عبد العزيز محمود "يا أسمر يا جميل يا أبو الخلاخيل يالي المنديل راح ياكل من حاجبك حتة".
اعتبر التغزل بالسّمار بديهياً في الأغاني المصرية إذاً في تلك الفترة، من دون أي أفكار مبطنة حقيقية حول تمييز في ألوان البشرة. واستمرّ الوضع على ما هو عليه في النصف الثاني من القرن الماضي، مع مجموعة من الأغاني أبرزها لمحمد قنديل. غنى هذا الأخير الكثير من القصائد التي تتغزل في البشرة السمراء: "جميل واسمر"، و"أبو سمرة السكرة" وغيرها. جسّد قنديل بأغانيه دور الرجل المصري الذي يتغزّل بشكل متكرر في الفتاة المصرية صاحبة الجمال "البلدي": فتاة سمراء قمحاوية اللون، بعيدًا عن معايير الجمال الأوروبي التي كانت بدأت تدخل السينما والدراما في تلك الفترة.
بدوره، غنى كارم محمود واحدة من أشهر أغاني القرن الماضي وهي "سمرا يا سمرا". ثّم توالت الأغاني التي حصلت على شهرة كبيرة مثل "شفتك حبيبي يا سمارة" (فايزة أحمد)، و"أسمر يا اسمراني مين قساك عليه" (عبد الحليم حافظ)، و"يا أسمراني اللون" (شادية)، و"عطشان يا أسمراني" (نجاة).
سقطات التمييز
لكن أمام سيل أغاني الغزل بالسمر، كانت هناك سقطات على الأرجح غير مقصودة، لكنها ترجمة فعلية لخطاب مجتمعي، كان يرفع من شأن الجمال الأبيض. بعض الأمثلة على ذلك أغنية ليلى نظمي مطلع السبعينيات "خلي يتجوز يا بهية". في الأغنية تقارن نظمي بينها وبين زوجة الحبيب الجديدة وجمالها، وفي إحدى الجمل تقول "إن كانت هي أبيض مني... حجّ البودرة يبيضني"، في إشارة إلى تفوّق البيضاوات على السمراوات في معايير الجمال. كذلك، أغنية صباح "أسمر أسمر طب وماله" في إشارة إلى أن حبيبها أسمر لكنها رغم ذلك تحبّه. نقلت صباح في الأغنية خطاباً سائداً بين الناس وعلى الشاشات في تلك الفترة.
بصمة "الكينغ"
في الثمانينيات والتسعينيات، بات التغزُّل بالسُمر سائداً بشكل كبير، فتكرّرت التيمة في أغاني حميد الشاعري، وعمرو دياب، وعلي الحجار وغيرهم الكثير. لكن الوحيد الذي تناول الموضوع بشكل مختلف كان محمد منير، صاحب البصمة الأكبر، كونه قبل كل شيء قادما من النوبة، وهي أكثر مناطق مصر التي تعاني من العنصرية بسبب لون بشرة أهلها الأسود. فقدم منير "الليلة يا سمرا" و"شوكولاتة" و"بلح أبريم".
وتبقى استعادته لأغنية "آه يالالالي" الفلكلورية التي أعاد تقديمها منير، وتضمّ في كلماتها إشارات إلى التمييز المباشر بحق السمر فتقول "صحيح أنا أسمر، وكل البيض بيحبوني يا لالالي". رغم تعامل أصحاب البشرة السمراء، تحديداً في أداء منير للأغنية، مع الجملة بنوع من الفخر والاعتزاز، إلا أنها في حقيقتها غير ذلك. لكن رغم ذلك، تعتبر من الأغاني القليلة التي يفاخر فيها الأسمر بجماله، ولا ينتظر غزلاً من الآخرين، وهو على الأرجح ما منحها هذه الجماهيرية الكبيرة.