لم يبقَ سوى القليل من الفلسطينيين، الذين عايشوا ويلات النكبة، واكتووا بنارها ورصاصها ودمارها مما خلفته العصابات الصهيونية التي احتلت بلادهم عام 1948. تسعة وستون عاماً كفيلة بإخفاء وجوه كثير ممن عايشوها، ومن بقي شاهداً على تلك الأيام فهو مسن ينتظر موتاً سبقه إليه أصدقاؤه وهم يحلمون بالعودة إلى قراهم.
مع ذلك، ما زالت الرواية الحقيقية للنكبة نفسها تعيش، لا في ذاكرة مسنين، بل في نبض أطفال يحلمون بـ"العودة". هؤلاء سمعوا من جداتهم وأهاليهم قصص الإبعاد عن الوطن، والتهجير إلى مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات.
داخل مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين، إلى الشمال من مدينة القدس المحتلة، يعرّف الأطفال عن أنفسهم باسم القرى التي هجّر منها أهلهم قبل 69 عاماً، ثم يقولون: "نحن نسكن مخيم قلنديا". يعرفون جيداً أين تقع قراهم، إلى الشمال أو الجنوب من تلك المدينة هناك في الداخل المحتل، ثم يشيرون بأصابعهم نحوها إن توفرت أمامهم خريطة فلسطين التاريخية.
كلّ عام، في الخامس عشر من مايو/ أيار، يسعى الأطفال بمساعدة الفاعلين واللجان الشعبية داخل المخيم يومهم ليستذكروا ويجسدوا ذكرى النكبة عبر أنشطة مختلفة، فيخرجوا في مسيرات حاشدة، ليؤكدوا على حقهم في العودة إلى قراهم الأصلية التي لن يتخلوا عنها.
الفتى صهيب عفانة (14 عاماً) من مخيم قلنديا، منذ أن بدأ يصحو على الحياة، يسمع حديث جده وجدته عن التهجير، والإبعاد عن قريتهم، حتى رسخ في ذاكرته أنّ هذا المخيم الذي يعيش فيه هو مكان سكن مؤقت، لأنّه سيغادره يوماً ما، عائداً إلى قريته وبيته الذي هجّر منه أجداده. يقول عفانة لـ"العربي الجديد": "أنا من قرية برفيليا قضاء مدينة الرملة، أعرفها جيداً لكثرة ما سمعت عنها على لسان جدي وجدتي، وقد رأيت صورها، وأتمنى أن أراها وأزورها، لأنّها مكاننا الذي سرقه منا الاحتلال وطردنا بالقوة، لكنّنا أبداً لن ننساها وسنعود إليها يوماً ما".
في منزل عفانة صور وملصقات تدلّ على انتماء العائلة إلى الوطن والقرية التي هجّروا منها، فمن خلال هذه الصور ومفتاح العودة المعلّق وسط المنزل، يعبّر أفراد العائلة عن ارتباطهم بالعودة، وأن لا تراجع عن هذا الحق، الذي سينالونه وإن طالت سنوات التهجير والبعد.
يشير عفانة إلى أنّه يشارك دوماً مع أترابه داخل المخيم في الفعاليات الوطنية، خصوصاً في ذكرى النكبة، التي تنظم خلالها فعاليات كثيرة، ويرسل عبرها سكان المخيم رسالة إلى العالم بأنّهم سيعودون.
اقــرأ أيضاً
مع ذلك، ما زالت الرواية الحقيقية للنكبة نفسها تعيش، لا في ذاكرة مسنين، بل في نبض أطفال يحلمون بـ"العودة". هؤلاء سمعوا من جداتهم وأهاليهم قصص الإبعاد عن الوطن، والتهجير إلى مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات.
داخل مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين، إلى الشمال من مدينة القدس المحتلة، يعرّف الأطفال عن أنفسهم باسم القرى التي هجّر منها أهلهم قبل 69 عاماً، ثم يقولون: "نحن نسكن مخيم قلنديا". يعرفون جيداً أين تقع قراهم، إلى الشمال أو الجنوب من تلك المدينة هناك في الداخل المحتل، ثم يشيرون بأصابعهم نحوها إن توفرت أمامهم خريطة فلسطين التاريخية.
كلّ عام، في الخامس عشر من مايو/ أيار، يسعى الأطفال بمساعدة الفاعلين واللجان الشعبية داخل المخيم يومهم ليستذكروا ويجسدوا ذكرى النكبة عبر أنشطة مختلفة، فيخرجوا في مسيرات حاشدة، ليؤكدوا على حقهم في العودة إلى قراهم الأصلية التي لن يتخلوا عنها.
الفتى صهيب عفانة (14 عاماً) من مخيم قلنديا، منذ أن بدأ يصحو على الحياة، يسمع حديث جده وجدته عن التهجير، والإبعاد عن قريتهم، حتى رسخ في ذاكرته أنّ هذا المخيم الذي يعيش فيه هو مكان سكن مؤقت، لأنّه سيغادره يوماً ما، عائداً إلى قريته وبيته الذي هجّر منه أجداده. يقول عفانة لـ"العربي الجديد": "أنا من قرية برفيليا قضاء مدينة الرملة، أعرفها جيداً لكثرة ما سمعت عنها على لسان جدي وجدتي، وقد رأيت صورها، وأتمنى أن أراها وأزورها، لأنّها مكاننا الذي سرقه منا الاحتلال وطردنا بالقوة، لكنّنا أبداً لن ننساها وسنعود إليها يوماً ما".
في منزل عفانة صور وملصقات تدلّ على انتماء العائلة إلى الوطن والقرية التي هجّروا منها، فمن خلال هذه الصور ومفتاح العودة المعلّق وسط المنزل، يعبّر أفراد العائلة عن ارتباطهم بالعودة، وأن لا تراجع عن هذا الحق، الذي سينالونه وإن طالت سنوات التهجير والبعد.
يشير عفانة إلى أنّه يشارك دوماً مع أترابه داخل المخيم في الفعاليات الوطنية، خصوصاً في ذكرى النكبة، التي تنظم خلالها فعاليات كثيرة، ويرسل عبرها سكان المخيم رسالة إلى العالم بأنّهم سيعودون.
الحال نفسها لدى الطفل علي محمد معالي، وهو أيضاً من سكان مخيم قلنديا، الذي يؤكد أنّ المشاركة في فعاليات النكبة السنوية، تعني له الكثير مع أصدقائه. هو لاجئ من قرية البرج، قضاء مدينة القدس التي تقام على أرضها اليوم مستعمرة مودعين. يقول معالي: "كلّ عام، نخرج إلى الشوارع لتنظيفها، وبمساعدة أهالي المخيم جميعاً نرسم الجداريات، ونجهز أسماء قرانا والمجسمات التي سنحملها خلال الفعاليات". يضيف: "في صباح ذكرى يوم النكبة، نشارك في نشاطات مدرسية تلقى فيها كلمات في إذاعة المدرسة التابعة لوكالة الأونروا، ويجري تنكيس العلم الفلسطيني، وتخصص الحصة الأولى للحديث عن النكبة، وذكر أسماء قرانا التي هجّر منها أجدادنا".
عند العصر، يخرج الأطفال وهم يرتدون ملابس باللون الأسود، في مسيرة تنطلق من أمام مقبرة الشهداء، باتجاه المدخل الرئيس للمخيم. يحملون جميعاً صور قراهم، وأسماءها مكتوبة بالخط العريض على لوحات، وكذلك مجسمات لمفتاح العودة وشخصية حنظلة الشهيرة (من ابتكار رسام الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي) إذ تشير كلّها إلى أنّ النكبة ما زالت مستمرة، ما داموا بعيدين مهجرين.
يقول عفانة إنّهم يخرجون رفقة أهلهم إلى مسيرات النكبة، فيمشي كبار السن في الخلف، بينما يكون الأطفال والكشافة في المقدمة، ويلفت إلى أنّهم يحبون المخيم الذي ولدوا فيه، لكنّهم يحبون بلاد أجدادهم الأصلية أكثر، ويصرون على العودة إليها.
في كلّ مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، تتكثف الفعاليات في ذكرى النكبة، ويكون الأطفال دوماً في مقدمة المسيرات والأنشطة. وهو إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ هذا الجيل وإن لم يعش النكبة، إلاّ أنّه يشعر بها من خلال قصص من عاشوها، وهم الآن من يحملون هذه الذكريات في نبضهم، ويصرون على أن يتركوا المخيم وأن يعودوا إلى بيتهم الأصلي الذي غادره أجدادهم مرغمين قبل 69 عاماً، وسكن فيه مستعمر لفظته بلاد العالم، واستوطن أرضاً ليست أرضه.
اقــرأ أيضاً
عند العصر، يخرج الأطفال وهم يرتدون ملابس باللون الأسود، في مسيرة تنطلق من أمام مقبرة الشهداء، باتجاه المدخل الرئيس للمخيم. يحملون جميعاً صور قراهم، وأسماءها مكتوبة بالخط العريض على لوحات، وكذلك مجسمات لمفتاح العودة وشخصية حنظلة الشهيرة (من ابتكار رسام الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي) إذ تشير كلّها إلى أنّ النكبة ما زالت مستمرة، ما داموا بعيدين مهجرين.
يقول عفانة إنّهم يخرجون رفقة أهلهم إلى مسيرات النكبة، فيمشي كبار السن في الخلف، بينما يكون الأطفال والكشافة في المقدمة، ويلفت إلى أنّهم يحبون المخيم الذي ولدوا فيه، لكنّهم يحبون بلاد أجدادهم الأصلية أكثر، ويصرون على العودة إليها.
في كلّ مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، تتكثف الفعاليات في ذكرى النكبة، ويكون الأطفال دوماً في مقدمة المسيرات والأنشطة. وهو إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ هذا الجيل وإن لم يعش النكبة، إلاّ أنّه يشعر بها من خلال قصص من عاشوها، وهم الآن من يحملون هذه الذكريات في نبضهم، ويصرون على أن يتركوا المخيم وأن يعودوا إلى بيتهم الأصلي الذي غادره أجدادهم مرغمين قبل 69 عاماً، وسكن فيه مستعمر لفظته بلاد العالم، واستوطن أرضاً ليست أرضه.