يحيي الفلسطينيون الذكرى التاسعة والستين للنكبة في ظل ظروف تتضاءل فيها مساحة ما تبقى من أرض ومقومات حياة بين أيدي الفلسطينيين، في حين يتزايد عدد اللاجئين منهم، مع هدم الاحتلال الإسرائيلي كل منزل أو منشأة جديدة بشكل شبه يومي. لكن وعلى الرغم من كل الصعوبات، يواصل الفلسطينيون انتفاضتهم ضد الاحتلال بأشكال مختلفة، أبرز محطاتها اليوم تتمثل بالمعركة المفتوحة لمئات الأسرى المضربين عن الطعام في المعتقلات الإسرائيلية.
صحيح أن هذا التدهور الذي يشمل كل الأصعدة، وطنياً وعربياً، يواجه بتحرك سياسي رسمي يتظاهر بإحراز تقدم على الصعيد القانوني والدبلوماسي ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الفلسطيني لا يلمس من هذا التحرك إلا مزيداً من الخسائر على الأرض، مع مخاوف متزايدة من تسوية إقليمية محتملة يتردد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيقوم برعايتها.
وفي الوقت الذي تعلو فيه الأصوات والشعارات المؤيدة للأسرى بالتزامن مع إحياء ذكرى النكبة، يتجمع العشرات من أهالي الأسرى على أبواب مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية، ويهتفون "يا أبو عمار طل وشوف... باعوا الأسرى بالألوف". ويصر الأمن على عدم السماح لهم بدخول المقاطعة التي حاول الأهالي أكثر من مرة لقاء الرئيس محمود عباس (أبو مازن) للطلب منه بأن يتحرك لإنقاذ الأسرى الذين يموتون ببطء حسب ذويهم، لكن دون جدوى.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب، لـ"العربي الجديد" إن "ما ينقص الفعاليات لإحياء يوم النكبة، هو أن تأخذ طابع ترسيخ التراث وليس المرور عبر مسيرة أو تظاهرة، إذ لم تعد هذه الأشكال من الفعاليات مجدية بقدر جدوى إعادة إحياء التراث الفلسطيني وتصوير النكبة بأبعادها المختلفة، وأن تظهر المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني خلال سنوات النكبة"، وفق تعبيره. وأضاف أنه "يجب ألا تقتصر الفعاليات على يوم واحد فقط، بل أيضاً يجب أن تتنوع الفعاليات وتشمل شرائح مختلفة من المجتمع، والتركيز على الأجيال الشابة، من أجل تعريف تلك الأجيال بالنكبة وعدم نسيان تلك المعاناة". ولفت إلى أن فعاليات النكبة الحالية أصبحت تقليدية، لذا يجب البحث عن أدوات إحياء لذكرى النكبة أكثر وأوسع، وقادرة على التأثير في الأجيال الجديدة، وربما قد يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإبراز النكبة وما حل بالشعب الفلسطيني، بحسب قوله.
وتأتي ذكرى النكبة الـ69 هذا العام، مع اشتداد شراسة الهجمة الاستيطانية، وتأكيد إسرائيلي للفلسطينيين والعرب والعالم أن "الاستيطان خط أحمر" لن يتم التنازل عنه، لأنه يشكل قلب المشروع الصهيوني. وأدى استمرار الاستيطان إلى انهيار المفاوضات أكثر من مرة، كان آخرها عام 2014. ولم تؤد ضمانات وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، إلى أي نتيجة أمام التعنت الإسرائيلي وإصرار دولة الاحتلال على استمرار الاستيطان.
ولفت تقرير صادر عن "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، صدر عشية الذكرى الـ69 للنكبة، إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على ويستغل أكثر من 85 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية والبالغة حوالى 27.000 كيلومتر مربع. ولم يتبق للفلسطينيين سوى حوالى 15 بالمائة فقط من مساحة الأراضي، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48 بالمائة من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية". وتابع التقرير أن "الاحتلال الإسرائيلي أقام منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة بعرض يزيد عن 1.500 متر، على طول الحدود الشرقية للقطاع. وبهذا يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على حوالى 24 بالمائة من مساحة القطاع البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، كما يسيطر الاحتلال على أكثر من 90 بالمائة من مساحة غور الأردن والذي يشكل ما نسبته 29 بالمائة من إجمالي مساحة الضفة الغربية"، وفق التقرير نفسه. وأضاف التقرير أن "الاحتلال يسيطر على معظم مصادر المياه الموجودة ويحرم الفلسطينيين من حقهم في الوصول إلى مصادر المياه وفي الحصول على مصادر بديلة، إذ يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 85 بالمائة من المياه المتدفقة من الأحواض الجوفية، مما يجبر الفلسطينيين على شراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية".
ولعل من أبرز ما يواجهه اللاجئون حالياً هو ضعف العلاقة التي تربطهم بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" وهي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين منذ أن تأسست عام 1964. وبدأت تعلو أصوات لكفاءات وشخصيات وطنية في الشتات، تقوم بتنظيم مؤتمرات ضخمة للاجئين كما حدث في تركيا في فبراير/شباط الماضي، وتدعو أولاً إلى إعادة هيكلة "منظمة التحرير". وكان رد المنظمة عليها بعدم الاعتراف بالمؤتمرات أو الأجسام المنبثقة عنها. ويشكو الفلسطينيون في الشتات من ضعف العلاقة مع المنظمة والقيادة الفلسطينية التي انكفأت على نفسها في أراضي السلطة الفلسطينية وضعفت أواصرها مع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات. ولعل أقرب هذه الانتقادات قد طاولت الرئيس عباس في زيارته الأخيرة للعاصمة اللبنانية بيروت قبل أشهر، إذ التقى بالفنانين، ولم يزر المخيمات التي تعاني من وضع أمني واقتصادي صعب.
وفي هذا الصدد، قال رئيس "المؤتمر الشعبي الفلسطيني" (الذي عقد في تركيا)، أنيس فوزي القاسم، لـ"العربي الجديد": "سنستمر في عقد هذه المؤتمرات، وسيكون هناك مؤتمر مهم في إحدى العواصم الأوروبية في خلال الأشهر القليلة المقبلة سيشارك فيه المئات من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات"، وفق تعبيره.
وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على تعثر المفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، إذ أكد الرئيس عباس أكثر من مرة، على ألا عودة للمفاوضات دون سقف زمني واضح، والاتفاق على الحدود واعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود 1967، إلا أن هناك الكثير من المؤشرات التي تظهر أن إدارة ترامب ستحرك مياه المفاوضات الراكدة مع خشية بأن هذا التحرك سيكون على حساب قضية اللاجئين الفلسطينيين بالدرجة الأولى، ولمصلحة الاستيطان ثانياً.
وترى القيادية في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، خالدة جرار، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن "كل الحراك في الأسابيع الماضية، سواء التحركات الفلسطينية المصرية الأردنية، أو ما تسرب عن تسوية كان يعدها وزير الخارجية الأميركية الأسبق، جون كيري، لا نستطيع أن نفهم منها سوى شيء واحد هو أنها مساع حقيقية لإنهاء الصراع عبر شطب حق العودة". وأكدت جرار أن "الرئيس أبو مازن لم يطلع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على أية مستجدات حول زيارته إلى الولايات المتحدة، أو زيارة ترامب المرتقبة للأراضي الفلسطينية، ولا نعلم ماذا جرى في لقاءات واشنطن، وماذا بحث الرئيس وقبله الوفد الفلسطيني الاستطلاعي في واشنطن، وقبل ذلك ماذا دار بين الرئيس الفلسطيني والمبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، في مارس/آذار الماضي"، وفق قولها.
وأكد عضو اللجنة التفنيذية لـ"منظمة التحرير"، أحمد مجدلاني، لـ"العربي الجديد" أن "ترامب سيزور الأراضي الفلسطينية في 23 من الشهر الحالي، وسيزور تحديداً مدينة السلام بيت لحم، بناءً على دعوة الرئيس محمود عباس". وقال "إذا كانت هناك دعوة من الرئيس ترامب للقاء بين الرئيس أبو مازن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإن أبو مازن على استعداد لتلبيتها"، وفق تأكيد مجدلاني. وأضاف أنه "سبق للرئيس أبو مازن أن لبّى دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء نتنياهو، لكن الأخير رفض، وهذا مفهوم لأن نتنياهو يقود حكومة متطرفة ستنهار حال لقائه بأبو مازن، وهو يرفض أي عملية سلام ويخشى على ائتلافه الحكومي". وخلص مجدلاني إلى أن "زيارة ترامب لها أهمية رمزية وسياسية" لكنه استبعد أن "تؤدي الزيارة إلى أية اتفاقيات سياسية".