أكدت دراسات أجرتها لجان مستقلة وأخرى برلمانية، أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 38% في عموم مدن البلاد، لافتة إلى أن سكان الريف يحتلون النسبة الأكبر، حيث يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الواحد في أكبر نسبة يشهدها العراق منذ عقود.
ويعزو مراقبون ومختصون ذلك إلى الفساد الحكومي المستشري في البلاد وانخفاض أسعار النفط والحرب على الإرهاب.
ووفقا لمقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عادل خميس، في تصريحات لـ"العربي الجديد" فإن: "النسبة مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الظروف الحالية".
وأضاف أن: "أسباب جديدة أسهمت في زيادة الفقر ومنها العمليات العسكرية في بعض المحافظات التي دفعت بأهل تلك المناطق إلى النزوح لمناطق أخرى بحثاً عن الأمان ما جعلهم مستهلكين غير منتجين، وبعدد إجمالي يبلغ ثلاثة ملايين نازح ومن جميع شرائح المجتمع".
وتابع: "أغلب الأراضي الزراعية في الأنبار وصلاح الدين وأجزاء من الموصل تركت بدون زراعة ولم يستفد منها، علماً أنها أراضٍ خصبة جداً مما دفع العراق إلى زيادة الاستيراد للفواكه والخضر وأشياء أساسية أخرى كانت تنتج في معامل ومصانع العراق وبهذا زادت نسبة العاطلين من العمل بصورة كبيرة".
وأكد خميس أن: "من عوامل الفقر الجديدة تدني أسعار النفط العراقي إلى أدنى المستويات مما أثر بصورة مباشرة على الاقتصاد العراقي، إضافة إلى الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة ومنها انتشار الرشوة والمحسوبية التي حرمت الكثير من شرائح المجتمع في الحصول على وظيفة أو عمل حكومي ويتم الحصول على وظيفة بدفع رشوة أو الانضمام إلى أحزاب معينة تحمل الصبغة الطائفية وتكون مفضلة على الطوائف الأخرى".
وعلى الرغم من افتقار الحكومة إلى قاعدة بيانات أو طريقة علمية لحساب معدل الفقر بالعراق إلا أن منظمة بغداد للدراسات الاجتماعية والاقتصادية أكدت أن ما بين 38 إلى 40% باتوا ضمن خانة الفقر في العراق.
من جهته قال رئيس المنظمة، وحيد حسين عبد الله، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، إن: "نسبة الفقر بالعراق قبل الاحتلال كانت أقل من 4% لكن المؤشر استمر بالتصاعد بشكل مطرد منذ الاحتلال وبدء الموت والفساد يعيثان بالبلاد".
وبيّن أن: "العدد الحالي يتواجد بكثرة في المدن البعيدة والنائية ومن الحق أن نقول إن سكان الجنوب أكثر الشرائح فقراً على الرغم من التغيير السياسي الحاصل فإن الفساد أخذ منهم الكثير"، بحسب تعبيره.
وتابع: "هناك فوارق كبيرة بين طبقات الشعب فالبعض يصل دخلهم إلى عشرة ملايين دينار وبعض آخر من دون دخل يذكر أو شيء قليل ما يتطلب وقفة جادة من قبل الحكومة بإجراء تغيير جذري وإصلاح هذا الخلل".
اقرأ أيضاً: الفقر يدفع العراقيين لتدوير المخلفات الحربية
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد صبيح، أن: "سبب الفقر في العراق هو ضعف الجهاز الإنتاجي حيث أصبحت معظم احتياجات العراق مستوردة من الخارج ما يشير إلى عدم وجود جهاز إنتاجي داخلي، ما يؤدي إلى قلة الأيدي العاملة".
وتابع: "معظم الشباب من خريجي الكليات يتوجهون إلى الحكومة لغرض الحصول على وظائف في حين لا يستوعب جهاز الدولة هذا الكم من الخريجين كل عام ما يدفع هذه الشريحة إلى التوجه إلى القطاع الخاص الذي بدوره يعد قطاعاً خدمياً غير منتج وغير قادر على تلبية الاحتياجات المحلية، وبالتالي تحصل لدينا بطالة كبيرة تسبب زيادة الفقر".
وأكد أن: "ما زاد نسبة الفقر هو عمليات النزوح الكبيرة من المناطق الساخنة والعمليات العسكرية الدائرة في بعض المحافظات وما أصاب البنى التحتية في تلك المناطق من انتهاكات للموارد الاقتصادية من قبل الجماعات الإرهابية والمليشيات".
وفي سبيل التخلص من شبح الفقر، قال الخبير الاقتصادي، فؤاد السعدي، إنه: "على الدولة اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الاستيراد غير المنضبط ويجب تحديد الاستيراد للسلع والخدمات التي لا يمكن تصنيعها في العراق فقط"، لافتاً إلى أن العراق يمتلك القدرة على تصنيع الكثير من السلع التي يستوردها.
ومن الأمور الأخرى التي يمكن من خلالها القضاء على البطالة وتشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة هو توجيه القطاع الخاص للاستفادة منه من خلال تفعيل المصارف بفتح قروض تشجع على الإنتاج المحلي.
وأضاف السعدي: "تجب الاستفادة من الخطط الخمسية لوزارة التخطيط لأن حجم الفساد الموجود كبير جداً وعدم وجود حزم من جانب الحكومة في تنفيذ تلك الخطط من خلال تفعيل دور الرقابة على المتعاقدين مع الدولة".
وبحسب تصريحات سابقة للمختصة في شؤون النازحين، هالة سلام، فإن: "نسبة الفقر بتزايد بسبب النزوح الكبير، وخصوصاً في العراق الذي يواجه هشاشة على المستوى الاقتصادي والقدرة الضئيلة في التعامل مع الأزمات".
وأكدت أن: "غياب الدولة أو عجزها عن إيجاد الحلول عامل رئيسي لزيادة الفقر"، مشيرة إلى أن: "نسب الفقر قد تقل إذا ما استقرت الأوضاع الأمنية في تلك المناطق لأنها ستسهم في إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات العسكرية وتقلل من نسبة البطالة التي ارتفعت مؤخراً لتصل إلى 16%، فإعادة البناء للبنى التحتية للمناطق التي شهدت عمليات عسكرية ستسهم في التقليل من نسب البطالة".
اقرأ أيضاً: الفساد المالي يعرّض العراق للإفلاس