ألمانيا تقايض المغرب العربي: عودة المهاجرين مقابل الدعم والتعاون

04 مارس 2016
تحاول ألمانيا الحد من تدفق اللاجئين (شين غالوب/Getty)
+ الخط -
لا توفر ألمانيا أي وسيلة ترى أنها ممكنة لمحاولة وضع حدّ لأزمة اللجوء التي تتفاقم، بما في ذلك إضافة دول المغرب العربي إلى قائمة الدول الآمنة (أي لا يحتاج مواطنوها للحماية)، وذلك بعدما تضاعفت أعداد المهاجرين من هذه الدول باتجاه أوروبا خلال الأشهر الأخيرة، مدّعين أنهم مواطنون سوريون فرّوا من الحرب في بلادهم. 

تواصل ألمانيا مع دول المغرب العربي المعنية توّج بزيارة وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزير إلى كل من المغرب، والجزائر، وتونس، أخيراً، لوضع هذا الملف بكافة تعقيداته وتفاصيله أمام المسؤولين الرسميين. ومن بين أهداف الزيارة أيضاً إيجاد صيغة توافقية تتعهد بموجبها هذه الدول باستعادة مواطنيها المرفوضة طلبات لجوئهم، والتعاون على مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

ويرى مراقبون أنّ المشكلة لا تكمن في بعض آلاف اللاجئين الذين سيرحّلون على حسابهم، إنما حجر الزاوية في موضوع المهاجرين من دول المغرب العربي يبقى في ضبط الحدود التي تربط تلك الدول بأوروبا، باعتبار أنّ الشباب المهاجرين يجدون في الدول الأوروبية الملاذ الآمن بغية تأمين مستقبل أفضل لهم. وهي القضية الأساس للحد من تدفق الأعداد من تلك البلدان التي يسكنها حوالي مائة مليون شخص، ناهيك عن بلدان جنوب الساحل والصحراء الأفريقية. والمطلوب هنا، من الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا، بحسب هؤلاء المراقبين، البحث عن حلّ استراتيجي لا عن حلّ مؤقت.

وفي الوقت الذي أبدت فيه معظم الدول استعدادها للتنسيق في هذا المجال، تعهّدت برلين بتقديم المزيد من الدعم لمشاريع حيوية عدة، ومنها الصناعية والزراعية بغية تحسين الوضع الاجتماعي، وتأمين الوظائف والدخل الجيد للشباب. كما تم تفعيل العمل بعدد من الاتفاقيات الموقعة سابقاً، علماً أنه كان قد سبق لوزير التعاون الاقتصادي الألماني، غيرد مولر، أن زار هذه الدول، وناقش إقامة مشاريع للطاقة في المغرب وتحسين فرص العمل في تونس، وزيادة فرص التنمية الاقتصادية في الجزائر. ويأتي ذلك انطلاقاً من قناعة ألمانية أنّ من شأن هذه المشاريع أن تساهم في تشبّث المواطن المغاربي في وطنه. كما تطالب برلين بالتعامل بصدقية أكبر مع هذه الملفات بهدف تحقيق بعض الإنجازات، وتشغيل أكبر عدد ممكن من المواطنين للحدّ من نسبة البطالة، خصوصاً أنّ شعوب تلك البلدان فتيّة.

وتعوّل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على هذه الإجراءات للتخفيف من عبء اللاجئين، وبالتالي للحدّ من الضغط عنها بعدما عمد بعض المسؤولين الألمان المؤيدين لها، إضافة إلى الأحزاب اليمينية إلى انتقاد سياسة اللجوء التي تنتهجها.

اقرأ أيضاً: أزمة اللاجئين تتفاقم أوروبياً ودعوات لحلول مشتركة

وإضافة إلى المساعدة الاقتصادية، يدور الحديث عن مقايضة بين ألمانيا والدول المغاربية، حملها وزير الداخلية الألماني في جعبته، تتضمن العديد من المقترحات التي لم تتضح جميعها. لكن الأكيد أن وزير الداخلية الألمانية تلقّى مطالب هذه الدول، ومنها تعويل المغرب على مساندة ألمانيا لها في ملفّها أمام المحكمة الأوروبية التي أصدرت في ديسمبر/كانون الأول 2015 قراراً يقضي بتجميد العمل ببعض بنود الاتفاقية الزراعية الموقّعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي على خلفية تصدير المغرب لبعض المنتجات الزراعية والثروة السمكية من منطقة الصحراء.

ويؤكد بعض المحللين أن الدول المغاربية تملك أوراقاً للضغط على أوروبا، ومنها ما يتعلق بالتنسيق في مكافحة الإرهاب والذي أثبتت هذه الدول أنها تمسك مفاصل أساسية منه على المستوى الأمني. وفي السياق، يبرز دور المغرب التي زوّدت فرنسا بمعلومات استخبارية بعد اعتداءات باريس الأخيرة. ويقوم المغرب بالتنسيق الأمني مع دول أخرى، مثل الولايات المتحدة والدنمارك، ولديها الكثير من الإمكانات، والدليل أن مخابراتها تمكّنت من كشف العديد من الخلايا الإرهابية. كما تشارك المغرب المعلومات مع عدد من الدول الأوروبية لتفكيك عدد من الخلايا على أراضيها، إضافة إلى ملف المهاجرين من جنوب أفريقيا، خصوصاً أن الجزء الأكبر من هؤلاء يصبّ في ألمانيا.

ومن المكاسب المتوقعة بين الأطراف تحريك الاتفاقات المجمّدة منذ سنوات والتي تخضع حالياً لدراسة دقيقة، فضلاً عمّا نتج من زيارة وزير الداخلية الألماني من تعهّد ألماني بتقديم المعدات والتقنيات اللازمة للمساعدة في تحديد هويات المواطنين المغاربة عن طريق بصمة الأصبع، والتي تعهّد المغرب إعادة النظر بتلك الطلبات خلال 45 يوماً، وتونس خلال عشرة أيام. ويأتي ذلك، بعدما بات معلوماً أنّ الأكثرية من المهاجرين يقومون بإتلاف أوراقهم الثبوتية، وهي إحدى أهم المشاكل التي تعترض ألمانيا لتسريع عمليات الترحيل إلى دولهم، نتيجة تشكيك هذه الدول بجنسية اللاجئين غير المزوّدين بأوراق ثبوتية.

وبيّنت السلطات الألمانية، أخيراً، أنّ 77 في المئة من الوافدين إليها لا يملكون جوازات سفر صالحة. كما أن لديها بعض العوائق اللوجستية والتنظيمية، ومنها أنّ بعض المدن لم تكمل بعد عملية أخذ بصمات اللاجئين من تلك الدول والتي تعتزم ترحيلهم. في المقابل، سيتم الركون إلى قاعدة بيانات معتمدة في دولهم وتحمل البصمة. كما تمّ تقديم الدعم التكنولوجي للجزائر للتعرف على مواطنيها، وخصوصاً أنّ المكننة ووسائل التقنيات الحديثة غير متوفرة، وذلك بهدف تسريع العمل على استصدار وثائق سفر بديلة لهم. وتشير الأرقام إلى أنه لم يتم في العام الماضي الاعتراف سوى بطلبات 1 في المئة من طالبي اللجوء من الجزائر، و2,3 في المئة من المغرب، و0,2 في المئة من تونس.

بالإضافة إلى كل ذلك، يتم الإعداد لمذكرات تفاهم بين الدول المغاربية وألمانيا، لكن هناك بعض النقاط العالقة ومنها ما يتعلق بحقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً ألمانيا: مئة "خلية نائمة"... والأمن الإلكتروني بالمرصاد

المساهمون