شكّل انتخاب الأمينة العامة لـ"الحزب المسيحي الديمقراطي" أنغريت كرامب – كارينباور، رئيسة للحزب، خلفاً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أهم حدث سياسي محلّي لهذا العام في ألمانيا، عاد بثلاث فوائد على ميركل وحزبها وائتلافها الحكومي.
بقاء ميركل في منصبها
اعتُبر انتخاب كارينباور دافع اطمئنان واستقرار لألمانيا، مع فتحه الباب أمام ميركل للبقاء في منصبها كمستشارة للبلاد حتى عام 2021. وتُعد ميركل "عرابة" لتقدّم كارينباور إلى الصفوف الأمامية لقيادة حزبها في برلين، بعدما تخلّت الأخيرة عن منصب رئاسة حكومة ولاية زارلاند، لتواكب المستشارة كأمينة عامة للحزب، ما اعتبر في حينها تحضيراً لخلافتها في قيادته.
وكانت ميركل قد قررت التخلّي عن زعامة "المسيحي الديمقراطي" بعد 18 عاماً من قيادته، عاشت خلالها كثيراً من النجاحات والخيبات الداخلية، واستطاعت بخبرتها وصبرها أن تمنح لنفسها حضوراً، ولحزبها توسعاً، على المستويين الداخلي والخارجي. ولئن تخلّت ميركل (64 عاماً) عن رئاسة حزبها، بعد انتخابات إقليمية محبطة للغاية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فهي متمسكة جداً بإنهاء ولايتها الرابعة والأخيرة على رأس المستشارية التي تنتهي في عام 2021.
ويعود الفضل في وصول كرامب-كارينباور إلى رأس الهرم إلى المحاذير التي أُطلقت خلال المؤتمرات الإقليمية الثمانية، التي خاضها المرشحون الثلاثة لرئاسة الحزب، على مدى الأسابيع الماضية، قبل المؤتمر العام، والتي تم التسليم فيها بضرورة عدم إحداث شرخ عمودي في صفوف الحزب.
وجاءت هذه المحاذير بعد تقدّم المرشح لرئاسة الحزب فريدريش ميرتز، والذي لا تربطه علاقة جيدة بالمستشارة، في ظل اختلاف الرؤى والأفكار بينهما، حتى إنّه جرى الحديث عن أنّ ميرتز يخوض عملية رد اعتبار ضد ميركل، رغم نفيه ذلك.
وذكرت وسائل إعلام ألمانية، وفق ما أوردت "فرانس برس"، أنّ الخطة التي أعدّتها ميركل تحققت، حتى لو أنّ كارينباور التي تعتمد عموماً خط المستشارة الوسطي، حصلت على المنصب بفارق 35 صوتاً فقط في مواجهة ميرتز خصم ميركل الذي أراد تغيير سياسة الحزب باتجاه أكثر نحو اليمين.
تجنّب تداعيات على الائتلاف الحكومي
لو مُنيت ميركل بخسارة جديدة، أمس الجمعة، لكان يمكن الحديث عن "تعرية سياسية حزبية" للمستشارة صاحبة لقب "المرأة الحديدية"، والتفكير في منحى سلبي مغاير للتعاطي السياسي الحزبي داخل "المسيحي الديمقراطي"، بعد الانتكاسة التي لقيتها ميركل، إثر خسارة المقرّب منها فولكر كاودر، وفوز المرشح "المغمور" الخبير الاقتصادي رالف برينكهاوس، برئاسة كتلة الحزب داخل البرلمان.
وعدم فوز كارينباور، لو حصل، لكان ترك تداعيات "خطيرة" على حزب ميركل، في ظل الحديث عن انقسامات داخله، وبروز تيارات مناوئة ذات مخططات مستقبلية، والتي إذا ما نجحت كان من المرجّح أن تدفع بميركل نحو الاستقالة من منصبها كمستشارة، ما يدخل الحزب والبلاد في نفق مظلم، لا سيما في ظل عدم وجود شخصية مؤهلة حالياً لخلافتها.
كما أنّ الأحزاب الأخرى الشريكة في الائتلاف الحكومي لميركل تجد صعوبة في التعاطي مع حنكة المستشارة، التي تحاول كسر شريكها الأكبر في الائتلاف: "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، مع ما يعانيه من تراجع، أمام تقدّم اليمين الشعبوي وحزب "الخضر"، وتحاول باستمرار استيعاب شريكها الأصغر في الائتلاف: "الحزب الاجتماعي المسيحي" برئاسة وزير الداخلية هورست زيهوفر.
مع العلم أنّ الأمين العام لـ"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" لارس كلينغبايل، قال، اليوم السبت، لمجموعة "فونكه" الإعلامية، إنّ "اتفاق الائتلاف الحكومي سيبقى سارياً، مع انتخاب الزعيمة الجديدة للحزب المسيحي الديمقراطي، ومراقبة تطور علاقة شركاء التحالف من حيث المضمون"، في حين هنّأ ماركوس سودر، المرشح الأوفر حظاً لخلافة زيهوفر في رئاسة "الحزب الاجتماعي المسيحي" في يناير/ كانون الثاني المقبل، كرامب-كارينباور على انتخابها، قائلاً في تغريدة على "تويتر" إنّه يتطلّع إلى "تعاون مستقبلي" معها، بينما قال ألكسندر غاولاند، رئيس حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، في تصريح صحافي، إنّ انتخاب كارينباور لرئاسة "الحزب المسيحي الديمقراطي" هو "امتداد لميركل لكن بأسلوب مختلف"، معتبراً أنّ "النتيجة لم تكن مفاجئة".
في موازاة ذلك، فإنّ أي انتكاسة داخل "المسيحي الديمقراطي" كانت ستترك ترددات في أرجاء أوروبا، لما لألمانيا من تأثير وحضور على الصعيدين السياسي والاقتصادي، في ظل ما يعيشه الاتحاد الأوروبي من أزمات؛ بينها اتفاق "بريكست" لخروج بريطانيا من الاتحاد، والعلاقة المتأزمة مع أميركا دونالد ترامب، إضافة إلى تمدّد الأحزاب الشعبوبية ووصولها إلى الحكم في العديد من دوله، وأهمها إيطاليا، إحدى الدول الرئيسية المؤسسة للتكتل.
تجنّب انقسامات داخلية في الحزب
في المقابل، لم يخفِ محللون، بينهم السياسي بيرنهارد فوغل، أنّ نتائج انتخابات رئاسة "المسيحي الديمقراطي"، أفضت إلى استنتاجات كثيرة؛ منها أنّ الحزب نأى بنفسه عن الانقسامات الداخلية، مع وصول المرشحة المفضلة لميركل إلى زعامته، معتبرين أنّه بات مطلوباً ألا تقود الزعيمة الجديدة الحزب بنفس طريقة ميركل، وأن تستفيد من حضورها الوسطي لإعادة دمج الجناح المحافظ المحبط من ميركل، مع ذاك المؤيد لها.
وأشار هؤلاء إلى أنّ فارق الـ35 صوتاً الذي منح كارينباور رئاسة الحزب للعامين المقبلين، يُعد فارقاً بسيطاً، لكنّه برهن عن وجود معسكر قوي معادٍ لطروحات ميركل، مع عدم إغفال الدعم العلني الذي تلقّاه ميرتز من رئيس البوندستاغ (البرلمان) المحنك فولفغانغ شويبله. حتى إنّه قيل إنّ هناك شخصين يريدان الانتقام من ميركل هما ميرتز وشويبله، لا سيما أنّها كانت السبب في إزاحتمها سابقاً من مراكز حساسة داخل الحزب.
ولا شك في أنّ محاربة سياسة ميركل ستتواصل في المستقبل، وقد تجذب حزبها أكثر نحو اليمين، وبالتالي بات مطلوباً منها الآن، وفق محللين، إعادة استقطاب الناخبين الذين تخلّوا عن دعم حزبها لصالح الحزب اليميني الشعبوي "البديل لأجل المانيا" أو حزب "الخضر"، وإطلاق سياسة أكثر تشدداً في ملف اللجوء والهجرة، والذي يُعد أحد أهم أسباب الانقسامات داخل حزبها.
ردود فعل المعارضة
ورُصدت ردود فعل لأحزاب المعارضة على انتخاب كارينباور لرئاسة "الحزب المسيحي الديمقراطي"، إذ دعت زعيمة كتلة حزب "اليسار" في البوندستاغ سارة فاغنكنشت، "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، إلى الانسحاب من الائتلاف الحكومي، لكونه غير قادر على إحداث تحول اجتماعي عبر شراكته مع "المسيحي الديمقراطي"، رغم اعتبارها في الوقت عينه أنّ كارينباور أفضل من ميرتز.
من جانبه، قال زعيم "الحزب الليبرالي الحر" كريستيان ليندنر، إنّه "على الرغم من أنّ أغلبية المشاركين في المؤتمر العام للحزب المسيحي الديمقراطي كانت تؤيد استراتيجية مختلفة، إنّما اختارت في النهاية الاستمرارية"، مضيفاً، في تغريدة على "تويتر"، "نتطلع إلى التعاون المثمر والمنافسة العادلة".
وكان لافتاً التعليق التهكمي الذي كتبه عضو حزب "الخضر" يورغن تريتين، واصفاً انتخاب كارينباور لرئاسة "الحزب المسيحي الديمقراطي" بأنّه "درس جديد" لشويبله وميرتز، محذراً إياهما بالقول "لا تعبثا مع ميركل!".
وقامت كارينباور بخطوة أولى، يوم السبت، نحو مناصري توجيه سياسة الحزب نحو المحافظين، عبر تعيين أحد ممثليهم، زعيم منظمة شباب "المسيحي الديموقراطي" بول زييمياك، في منصب المسؤول الثاني في "المسيحي الديموقراطي".
وسبق أن شددت موقفها بشكل جزئي من سياسة الهجرة، بهدف التميّز عن ميركل، حتى إنّها دعت إلى ترحيل السوريين المتهمين بارتكاب جرائم. وهذه طريقة يعتمدها الحزب لمحاولة استعادة جزء من الناخبين الذين يصوّتون لليمين المتطرف، منذ وصول أكثر من مليون لاجئ إلى البلاد في 2015 و2016.