ورأى المحلّل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أنّ من يقارن بين تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه، وبين التقديرات المهنية لرؤساء الأجهزة الأمنية في إسرائيل، يخرج بانطباع مفاده أن كل مجموعة من المجموعتين أعلاه (السياسية والأمنية)، تعمل وتنشط في واقعٍ بديلٍ، لا تربطه أي علاقة أو صلة في الواقع الذي تنشط فيه المجموعة الثانية.
وبحسب هرئيل، فإنّه في الوقت الذي يحمّل فيه نتنياهو ووزراء حكومته، الرئيس عباس المسؤولية الرئيسية عن اندلاع موجة الأحداث في القدس المحتلة، فإنّ كبار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يعتبرون عباس مصدراً للأمل في منع امتداد المواجهات إلى باقي أنحاء الأراضي المحتلة.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلّل العسكري، أنّ تصريحات وزير الاقتصاد الإسرائيلي، وزعيم البيت اليهودي نفتالي بينت، التي وصف فيها عباس بأنّه أحد كبار الإرهابيين، تناقض كلياً تقديرات رئيس الشاباك، يورام كوهين، التي أكّد فيها أنّ عباس لا يشجّع الإرهاب لا علناً ولا سراً، وهي التقديرات التي أربكت نتنياهو على نحو خاص، فحاول الهروب منها، محاولاً تفسير أقوال رئيس "الشاباك" بالقول، إنّ ذلك لا يعني أنّ من يتلقى خطابات عباس لا يفسرها على أنّها دعوة للتحرك.
ولفت هرئيل إلى أنّ وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ياعلون، حاول هو الآخر تقزيم أهمية تصريحات رئيس "الشاباك"، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، غداة عملية الكنيس اليهودي، مدّعياً أنّ تصريحات كوهين أخرجت من سياقها بدوافع سياسية وحزبية.
وقال ياعلون في تعقيبه على تلك التصريحات، أنّ "أبو مازن يخاف من الإرهاب، لأنه يخشى أن يسقط نظامه"، معتبراً أنّ عباس لا يحرّك الإرهاب، إلا أنّه يحرّض على العنف في القدس".
ورداً على محاولات ياعلون أعلاه التخفيف من أثر تصريحات رئيس الشاباك، أشار هرئيل إلى أنّ قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أقلّ انتقاداً لمحمود عباس، وأنّهم متّفقون في هذه الأيام على رفض الخطوات العقابية الجارفة والجماعية ضد الفلسطينيين في القدس وفي الضفة الغربية.
وأضاف أنّ القادة الأمنيين يعارضون إدخال قوات الجيش إلى الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة، ومتّفقون على وجود تصاعد وازدياد منسوب البعد الديني في كل ما يحدث، سواء في المسجد الأقصى ومحيطه، أم في البصمات التي تذكّر بفظائع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ووفقاً لما أورده هرئيل، فإنّ قادة الأجهزة الأمنية يعتبرون عباس، عاملاً كابحاً للأحداث وليس محرّضاً على العنف، كما أن أجهزة الأمن التابعة له لا تزال تشارك بشكل فعال في تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية.
وأضاف "على الرغم من أنّ الرئيس محمود عباس أصدر استنكاراً خفيف اللهجة لعملية الكنيس في القدس، إلا أنّه لا يمكن بحسب قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تجاهل حقيقة كون تصريحاته هذه، جاءت في نفس اليوم الذي وقف فيه البرلمان الأدرني، دقيقة حداد على أرواح منفذَي العملية، وليس على أرواح قتلى العملية".
وبحسب المحلّل العسكري، فإنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ترى أنّ المحافظة على دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية وقدرتها على مواصلة عملها الحالي، مرهون بالوضع الاقتصادي، وبقدرة أذرع الأمن الإسرائيلية على منع تجدد أعمال "الإرهاب" المنظّم، بالإضافة إلى منع العمليات الفردية. كما تعتبر أنّ وضع الذارع العسكرية لحركة "حماس"، لا يزال سيئاً للغاية، وهي تتلقى باستمرار ضربات متواصلة على شكل حملات اعتقال، تقوم بها إسرائيل والسلطة الفلسطينية معاً.
وعلى الرغم من الأوضاع التي تمرّ بها "حماس"، فبحسب الأجهزة الإسرائيلية، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة، أنّها لن تندلع انتفاضة واسعة النطاق، سواء بفعل الخلفية الدينية، أو نتيجة للتدهور السياسي.
وفي هذا السياق أيضاً، اعتبر أنّه طبقاً للتقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإنّ عباس لا يزال مصرّاً على موقفه بالتوجّه إلى مجلس الأمن الدولي، سعياً للحصول على مكانة دولة عضو في الأمم المتحدة، إذ من المتوقّع أن تناقش الجامعة العربية هذا الموضع نهاية الأسبوع الحالي، كما أنّه من شأن الأردن أن يقدّم اقتراحاً رسمياً بهذا الخصوص.
وينهي هرئيل بالقول، أنّه على ضوء ما ذكر أعلاه، فإنّ قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يحاولون عملياً منح المستوى السياسي الإسرائيلي، مهلة زمنية قبل الانفجار الذي يتوقعون حدوثه خلال العام المقبل، ويعتبر هرئيل ذلك تشخيصاً مغايرأً كلياً لطوفان التصريحات السياسية الصادرة عن السياسيين، والتي يبدو أنّها موجّهة بالأساس للجمهور المحلي في اليمين الإسرائيلي استعداداً للانتخابات المقبلة، أكثر مما هي موجّهة للشريك الفلسطيني.