رفع بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، كما كان متوقعاً، سعر الفائدة على الدولار بمقدار 0.25%، إلى نطاق بين 1.25 و1.50%، وأبقى مسؤولو البنك على توقعاتهم برفع الفائدة لثلاث مرات أخرى خلال العام القادم 2018. كما رفعوا توقعاتهم للنمو الاقتصادي في عام 2018، لتصل في المتوسط إلى 2.5%، بدلاً من 2.10% التي توقعها البنك قبل فترة.
ويعد هذا هو الرفع الثالث للفائدة خلال العام الجاري 2017، بحسب توقعات الفيدرالي الأميركي في يونيو/حزيران الماضي، ومن المتوقع تنفيذ مثلها في 2018 و2019.
وعقب رفع الفائدة الأميركية، سارعت معظم البنوك المركزية الخليجية إلى زيادة سعر الفائدة بنسبة ربع في المائة، ونفذت 4 بنوك مركزية في دول مجلس التعاون الخليجي رفعا فوريا على أسعار الفائدة، في أعقاب قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) رفع سعر الفائدة الأساسي.
ورفعت البنوك المركزية في كل من قطر والسعودية والإمارات والبحرين الفائدة، فيما قرر المركزي الكويتي إبقاءها بدون تغيير، وتحذو معظم البنوك المركزية الخليجية وغيرها من بنوك العالم، في العادة، حذو البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تغيير أسعار الفائدة، وذلك بسبب الربط بين الدولار وعملاتها، ولا سيما في الخليج.
وقررت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي) من 125 نقطة أساس إلى 150 نقطة أساس. ويمثل معدل الريبو العكسي سعر الفائدة الذي تحصل عليه المؤسسات المالية مقابل إيداع أموالها لدى مؤسسة النقد العربي السعودي. وتربط السعودية، وهي أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، سعر عملتها (الريال) عند 3.75 للدولار.
وقرر البنك المركزي القطري، اليوم الخميس، رفع أسعار الفائدة، في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة الأساسي، وتثبت قطر سعر الدولار عند نحو 3.64 ريالات. وقال "المركزي القطري"، في بيان مقتضب، نشر على موقعه الإلكتروني، إنه "بناء على المعطيات الاقتصادية المحلية والدولية، قرر المصرف تعديل سعر إعادة شراء أوراق الدين العام "ريبو" من 2.25% إلى 2.50%.
وفي خطوة مماثلة، قال مصرف الإمارات المركزي إنه قرر رفع سعر الفائدة على شهادات الإيداع بواقع 25 نقطة أساس، وفق بيان صحافي. وشهادات الإيداع التي يصدرها المصرف المركزي الإماراتي للبنوك العاملة في الدولة، تمثل أداة السياسة النقدية التي يتم من خلالها نقل آثار تغيير أسعار الفائدة إلى النظام المصرفي الإماراتي، وتثبت الإمارات سعر عملتها (الدرهم) عند 3.6725 للدولار منذ 1997.
وقال مصرف البحرين المركزي إنه رفع أسعار الفائدة الأساسية بواقع 25 نقطة أساس، بعد قرار البنك المركزي الأميركي، ورفع المركزي البحريني سعر الفائدة على الودائع لمدة أسبوع إلى 1.75% من 1.50%، كما رفع الفائدة على الودائع لليلة واحدة إلى 1.50% من 1.25%، وعلى الودائع لمدة شهر إلى 2.40% من 2.15%.
في سياق مخالف، قرر البنك المركزي الكويتي إبقاء سعر الفائدة الرئيسي بلا تغيير، بعد قرار الفيدرالي الأميركي، وقال البنك، في بيان: في إطار المتابعة اليقظة لتطورات الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمصرفية واتجاهاتها المتوقعة، قررنا الإبقاء على سعر الخصم بدون تغيير عن مستواه الحالي البالغ 2.75% لترسيخ الأجواء المعززة لدعامات تعافي النمو الاقتصادي. وحافظت خمس من دول مجلس التعاون الخليجي على ربط عملاتها بالدولار الأميركي لعقود، فيما ظلت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها بسلة من العملات.
وعقب قرار البنك المركزي الأميركي، قالت رئيس البنك ورئيس لجنة السوق المفتوحة في البنك، جانيت يلين، أمس، فى آخر مؤتمر صحافي مقرر لها قبل انتهاء ولايتها، في أوائل شباط/فبراير من العام القادم، إن "هذا التغيير يوضح أن اللجنة تتوقع أن تبقى سوق العمل قوية، مع خلق فرص عمل دائمة ورفع الأجور". وأشارت يلين إلى أن خليفتها جيروم باول، شارك في التوافق على استراتيجية رفع معدل الفائدة التدريجي خلال الفترة القادمة.
وفي نفس المؤتمر الصحافي، أعلن البنك المركزي الأميركي تسريع عملية تقليص ميزانيته اعتباراً من يناير/كانون الثاني القادم، لتكون بمقدار 20 مليار دولار شهرياً بدلاً من 10 مليارات دولار، كما كان الحال منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أعلن البنك خطة تقليص ميزانيته.
وخفض مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي معدل الفائدة الخاص به إلى ما يقرب من الصفر خلال الأزمة المالية في 2008، وأبقوا عليه عند هذا المستوى لمدة سبع سنوات، قبل رفعه بنسبة ربع نقطة مئوية، في كانون الأول/ديسمبر 2015، فيما اتضح بعدها أنه بداية لسلسلة من الزيادات الصغيرة، حيث قام البنك بالرفع ثلاثة أرباع أخرى خلال عام 2017. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضا في تقليص محفظة سنداته وأصوله الأخرى البالغ قيمتها 4.5 تريليونات دولار، والتي تم شراء معظمها كجزء من تدابير استثنائية بعد الأزمة لدعم الاقتصاد.
الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في مجموعة أليانز، وصاحب الكثير من الكتابات في السياسة النقدية والبنوك المركزية، علق على قرار البنك الفيدرالي برفع الفائدة بمقدار ربع بالمائة، خلال حسابه على تويتر، قائلاً: "على الرغم من التشكك الذي ساد معظم فترات العام، فقد أنهى البنك الفيدرالي الارتفاعات التي أشار إليها، من دون إرباك السوق أو تعطيل النمو".
ويحاول البنك المركزي الأميركي، منذ فترة، الموازنة بين التعامل مع الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم، ممثلاً في ارتفاع معدلات النمو التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، وانخفاض معدلات البطالة، والارتفاع الكبير في قيمة أغلب الأصول المالية، وما يتطلبه ذلك من رفع لمعدلات الفائدة من ناحية، مع استمرار انخفاض معدل التضخم في البلاد، وما يفرضه ذلك من تروٍ قبل الإقدام على رفع معدلات الفائدة.
وقال اقتصاديون إن التوقعات الأخيرة للبنك الفيدرالي، بالإضافة إلى تعليقات يلين، أمس الأربعاء، تظهر أن المسؤولين يعتقدون أن النمو لن يؤدي إلى مستويات مرتفعة من التضخم كما كان متوقعاً في السابق.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة نومورا للأوراق المالية، لويس الكسندر: "إذا ارتفع التضخم فعلياً، فيتعين عليهم التحرك بسرعة أكبر لرفع معدلات الفائدة".
وانخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات بقدر ضئيل، ليصل إلى 2.3475%، بعد إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي، وعادة ما يرتفع العائد مع رفع معدلات الفائدة، لكن لأن الأمر كان متوقعاً بدرجة كبيرة، فلم يحدث التأثير المتوقع.
وقال إريك غرين، كبير مديري المحافظ ومدير الأبحاث في بين كابيتال مانجمنت: "كان من المؤكد أن يفعل بنك الاحتياط الفيدرالي ما فعله". وأضاف "لم يكن هناك أي جديد، فكل شيء كان قد أثر بالفعل في الأسواق".
وواصل مؤشر داو جونز الصناعي تحقيقه مستويات تاريخية، وبلغ 24.666 نقطة، بعد قرار رفع الفائدة، ثم تراجع قليلاً، ليغلق تعاملات الأربعاء على مستوى 25.585.43، مرتفعاً بمقدار 0.33% عن الإغلاق السابق.
ولم يكن ارتفاع أسهم المؤشر نتيجة لرفع الفائدة على الدولار، فالطبيعي أن رفع معدلات الفائدة يؤدي إلى سحب كميات أكبر من الأموال من سوق الأسهم إلى البنوك، وهو ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم. وما كان ارتفاع أسعار الأسهم، أمس، إلا لتزامن قرار الرفع مع ورود أنباء عن التوصل إلى اتفاق شبه كامل بين مجلسي النواب والشيوخ على مشروع قانون الإصلاح الضريبي الأميركي، الذي يعده الكثيرون داعماً لنمو الاقتصاد الأميركي، ورافعاً لأسعار الأسهم.