13 فبراير 2022
أميركا من القوة الناعمة إلى العسكرة
يصرّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على عسكرة إدارته، ليس فقط من خلال ولعه بتعيين جنرالات في مناصب مدنية كثيرة مؤثرة، ولكن أيضا من خلال نهجه وطريقة تعاطيه مع القضايا الداخلية والخارجية. والعسكرة هنا لا تعني فقط بعدد المناصب التي يهيمن عليها جنرالات سابقون ورؤساء في هيئات الاستخبارات المختلفة، ولكن في أسلوب إدارة الملفات السياسية، خصوصا خارج الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، يعطي تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأميركي خلفاً للجنرال هربرت مكماستر الذي تمت إقالته قبل أسبوع ملمحاً جديداً للعسكرة التي يرسخها ترامب في إدارته، فسجل بولتون سيئ، سواء باعتباره أحد صقور المحافظين الجدد الذين يؤمنون بالقطبية الأحادية والهيمنة الأميركية، أو تصريحاته حين كان سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في الفترة الثانية لجورج دبليو بوش، والتي أظهر فيها احتقاراً شديداً للمنظمة الأممية، ناهيك عن تصريحاته العدائية تجاه كوريا الشمالية وإيران، فيعكس تعيين هذا الرجل في البيت الأبيض المزاج العسكري الذي يحكم رؤية ترامب وتصوراته عن السياسة وكيفية ممارستها.
الأكثر من ذلك أن تعيين بولتون جاء بعد أيام قليلة من إطاحة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو، رئيس المخابرات المركزية الأميركية، خلفاً له. كما أن ثمة أحاديث كثيرة عن احتمالات إقالة ترامب وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، واستبداله بجنرال آخر أكثر تعصباً يتواءم مع أفكاره وتصوراته السياسية. ويبدو أن ولع ترامب بالقوة الخشنة يدفعه دوماً إلى الميل ناحية اليمين السياسي، في اختياراته أعضاء إدارته. وهو يعتقد بسذاجة أنه كلما زادت العسكرة زادت هيبة أميركا واحترامها في العالم. وهو تصور تقليدي
ومحافظ جداً للعلاقات الدولية، ينطلق من اعتبار القوة العسكرية وحدها العنصر الحاسم في حماية الأمن القومي، وذلك من دون اعتبار لبقية أشكال القوة، خصوصا ما سماها جوزيف ناي "القوة الناعمة"، والتي تتمثل في قوة الثقافة والإعلام والاقتصاد.
وحقيقة الأمر، كان وصول ترامب نفسه إلى الرئاسة بمثابة أول مسمار يتم دقّه في نعش نموذج "القوة الناعمة" الأميركي، ليس فقط كونه يمثل الوجه القبيح لأميركا، المنغلقة على ذاتها، والتي ترفض المهاجرين، وإنما أيضا لأنه شخص لا يؤمن أصلاً بهذه القوة، بل يراها تهديداً للأمن القومي الأميركي ولمصالح بلاده. ويمثل تعيين بومبيو وبولتون وغيرهما ممن يحملون الرؤية نفسها دليلاً جديداً على تآكل القوة الناعمة الأميركية وتدهور رأسمالها الرمزي في العالم. وهما لا يعبآن كثيراً، شأنهما في ذلك شأن ترامب، بماذا يقول الآخرون عنهم. فالمهم بالنسبة إليهم هو حماية المصالح الأميركية من خلال منظور ضيق، لا يتناسب مع الصورة التي حاولت أميركا تصديرها عن نفسها خلال العقود الماضية، بلدا منفتحا ومتعددا وملهما للآخرين.
ولن يتورّع أمثال بولتون وبومبيو عن تغذية نزعة "العسكرة" لدى ترامب، وهما اللذان يشاركانه تصوراته نفسها عن أميركا وصورتها وموقعها في العالم. فعلى سبيل المثال، يتخذ الرجلان موقفاً صارماً من كوريا الشمالية، وربما يدفعان باتجاه شن حرب عليها، إذا ما فشل اللقاء التاريخي المزمع عقده بين ترامب وكيم جونغ أون في مايو/ أيار المقبل. فلكلا الرجلين، خصوصا بولتون، تصريحات معروفة عن ضرورة شن حرب وقائية ضد كوريا الشمالية. ففي مقال في صحيفة وول ستريت جورنال، في فبراير/ شباط الماضي، كتب بولتون "بالنظر إلى الفجوات في المعلومات الاستخباراتية الأميركية بشأن كوريا الشمالية، لا يجب الانتظار حتى الدقيقة الأخيرة". كما أن كليهما يحملان التوجه نفسه إزاء إيران، حيث يعتبران الاتفاق النووي معها من أسوأ السياسات التي اتبعها الرئيس السابق، باراك أوباما، وهو أمر يؤيدهما فيه ترامب الذي يخطط للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في الشهور القليلة المقبلة، والذي قد يكون تمهيداً لعمل عسكري ضدها.
ولعل ما يجمع الرجلين أيضا هو مواقفهما من الإسلام والمسلمين، وهنا لا يختلفان كثيراً عن ترامب، وعن مستشاره للأمن القومي الأسبق، مايكل فلين، الذي كان يعتبر الإسلام "سرطانا" يجب التخلص منه. وهنا تصريحات مختلفة، خاصة لبومبيو، تشير إلى معاداة المسلمين واتهامهم بتشجيع الإرهاب. وهو أمر سوف يكون له تداعيات وانعكاسات على السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا تجاه المنطقة العربية. وربما لن ننتظر طويلاً حتى نرى تجليات عسكرة إدارة ترامب في منطقتنا، وتبدو الشهور المقبلة حبلى بالأحداث الملتهبة.
الأكثر من ذلك أن تعيين بولتون جاء بعد أيام قليلة من إطاحة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو، رئيس المخابرات المركزية الأميركية، خلفاً له. كما أن ثمة أحاديث كثيرة عن احتمالات إقالة ترامب وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، واستبداله بجنرال آخر أكثر تعصباً يتواءم مع أفكاره وتصوراته السياسية. ويبدو أن ولع ترامب بالقوة الخشنة يدفعه دوماً إلى الميل ناحية اليمين السياسي، في اختياراته أعضاء إدارته. وهو يعتقد بسذاجة أنه كلما زادت العسكرة زادت هيبة أميركا واحترامها في العالم. وهو تصور تقليدي
وحقيقة الأمر، كان وصول ترامب نفسه إلى الرئاسة بمثابة أول مسمار يتم دقّه في نعش نموذج "القوة الناعمة" الأميركي، ليس فقط كونه يمثل الوجه القبيح لأميركا، المنغلقة على ذاتها، والتي ترفض المهاجرين، وإنما أيضا لأنه شخص لا يؤمن أصلاً بهذه القوة، بل يراها تهديداً للأمن القومي الأميركي ولمصالح بلاده. ويمثل تعيين بومبيو وبولتون وغيرهما ممن يحملون الرؤية نفسها دليلاً جديداً على تآكل القوة الناعمة الأميركية وتدهور رأسمالها الرمزي في العالم. وهما لا يعبآن كثيراً، شأنهما في ذلك شأن ترامب، بماذا يقول الآخرون عنهم. فالمهم بالنسبة إليهم هو حماية المصالح الأميركية من خلال منظور ضيق، لا يتناسب مع الصورة التي حاولت أميركا تصديرها عن نفسها خلال العقود الماضية، بلدا منفتحا ومتعددا وملهما للآخرين.
ولن يتورّع أمثال بولتون وبومبيو عن تغذية نزعة "العسكرة" لدى ترامب، وهما اللذان يشاركانه تصوراته نفسها عن أميركا وصورتها وموقعها في العالم. فعلى سبيل المثال، يتخذ الرجلان موقفاً صارماً من كوريا الشمالية، وربما يدفعان باتجاه شن حرب عليها، إذا ما فشل اللقاء التاريخي المزمع عقده بين ترامب وكيم جونغ أون في مايو/ أيار المقبل. فلكلا الرجلين، خصوصا بولتون، تصريحات معروفة عن ضرورة شن حرب وقائية ضد كوريا الشمالية. ففي مقال في صحيفة وول ستريت جورنال، في فبراير/ شباط الماضي، كتب بولتون "بالنظر إلى الفجوات في المعلومات الاستخباراتية الأميركية بشأن كوريا الشمالية، لا يجب الانتظار حتى الدقيقة الأخيرة". كما أن كليهما يحملان التوجه نفسه إزاء إيران، حيث يعتبران الاتفاق النووي معها من أسوأ السياسات التي اتبعها الرئيس السابق، باراك أوباما، وهو أمر يؤيدهما فيه ترامب الذي يخطط للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في الشهور القليلة المقبلة، والذي قد يكون تمهيداً لعمل عسكري ضدها.
ولعل ما يجمع الرجلين أيضا هو مواقفهما من الإسلام والمسلمين، وهنا لا يختلفان كثيراً عن ترامب، وعن مستشاره للأمن القومي الأسبق، مايكل فلين، الذي كان يعتبر الإسلام "سرطانا" يجب التخلص منه. وهنا تصريحات مختلفة، خاصة لبومبيو، تشير إلى معاداة المسلمين واتهامهم بتشجيع الإرهاب. وهو أمر سوف يكون له تداعيات وانعكاسات على السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا تجاه المنطقة العربية. وربما لن ننتظر طويلاً حتى نرى تجليات عسكرة إدارة ترامب في منطقتنا، وتبدو الشهور المقبلة حبلى بالأحداث الملتهبة.