في "مهرجان إسطنبول السينمائي"، فاز "حكاية شقيقات ثلاث" بجوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل نسائي. ثلاث شقيقات يكافحن لتغيير مصائرهن. هنا، حوار "العربي الجديد" مع المخرج أمين آلبر حول فيلمه وتجربته السينمائية.
أجواء تشيخوف تشيع في فيلمك الجميل هذا. هل استوحيته من قصّة "الشقيقات الثلاث"؟
أجواء تشيخوف تشيع في فيلمك الجميل هذا. هل استوحيته من قصّة "الشقيقات الثلاث"؟
أحد مصادر إلهامي هو تشيخوف، لكن ليس عبر هذه القصة تحديدًا، بل قصصه عامة. هناك مصادر أخرى، منها كتابات التركي يشار كمال. بطلات الفيلم الثلاث، فتيات "بسلمة"، وهو تعبير تركي لا يُترجَم، يعني أولئك الفتيات الفقيرات اللواتي تتبناهنّ عائلات، ثمّ يعملن خادمات عندها. إنهنّ نصف خادمات نصف بنات للعائلات. هذا تقليد متّبع في تركيا منذ زمن طويل. العائلات الغنية تعتبره عملاً خيريًا لإنقاذ الفتيات من العوز.
نشأتُ في بلدة في الأناضول، هذا "التبنّي" دارجٌ فيها. أعوام عديدة عشت هذا، مع وجود فتاة كأولئك الفتيات في المنزل العائلي. فكّرت دائمًا في إنجاز فيلم عنهنّ، وعندما حان الوقت أنجزته. إنه مناسبة للتفكير بقضية اللامساواة واللاعدالة في المجتمع.
الفيلم حكاية تمتزج فيها قصّة واقعية مع أجواء أسطورية. كيف خطر في بالك هذا المزج؟
من البداية، كانت فكرتي كامنة في تصوير الفيلم بأسلوب واقعي. شيئًا فشيئًا، وجدت أنه أقرب إلى حكاية أسطورية، لا سيما مع وجود عناصر عدة تنتمي إلى هذا النوع، وتتدخّل في مسيرة الشخصيات. مثلاً، شخصية فيصل، الذي يخاف من الجنّ، وتأثير هذا على سلوكه. كذلك تفكير الفتيات في وجود "جنّة" خلف الجبال العالية، فيحلمن بالوصول إليها. بسبب هذا كلّه، فكّرت أنه يمكن الدفع باتّجاه الحكاية الأسطورية.
يبدو الفيلم كلاسيكيًا وواقعيًا، تضفي عليه العناصر المذكورة أعلاه، كما علاقته بالزمان والمكان، بُعدًا آخر، خياليًا. إنه خارج الزمان. كيف اخترت المكان، ليلائم هذا البعد؟
بالنسبة إلى الزمان، هذا مقصود، إذْ لا يمكنه أن يكون في عصرنا الحالي. مثلاً، لا توجد قرى لا يُمكن الوصول إليها اليوم. لهذا اخترت أولاً أن تكون الفترة الزمنية في ثمانينيات القرن الـ20 أو تسعينياته، وليس الآن.
ثم قرّرت ألا أحدّد الزمان، لأن المكان ثابت، والوقت لا يمرّ في هذه البقعة. أردت التأكيد على هذه الناحية، فباستثناء وجود السيارات والكهرباء، لا يمكن تحديد زمن الأحداث حقًّا. أما المكان، ففضّلته معزولاً في الجبال، لأن مفهوم العزلة شديد الأهمية في الفيلم. أردته أن يكون جميلاً، مع كونه سجنًا للفتيات الثلاث. زرت أماكن عدة بحثًا عن مواقع تصوير ملائمة، لكن القرى تغيّرت كثيرًا في تركيا، وتحدّثت بطريقة بشعة. كم كنتُ سعيدًا حين عثرت على هذه القرية. لم تتحوّل حقًّا، لأن معظم سكّانها يهجرونها في الشتاء، ويأتي إليها قسمٌ منهم في الصيف فقط. كنتُ على وشك اليأس من عدم وجود ما أبحث عنه، إلى أن وقعتُ على مكان كهذا، مخيف وجميل وزراعي، وجحيم في الوقت نفسه بالنسبة إلى الفتيات المقيمات فيه، وجنّة لزائر قادم من المدينة.
اقــرأ أيضاً
مزجت أيضًا بين المأساة والملهاة. هناك طرافة في الشخصيات والسرد. هل تقصّدتها لتخفّف من حدّة الأحداث وقسوة المكان؟
الطرافة جاءت تلقائيًا. عامة، الفلاحون طريفون جدًا في حالاتهم كلّها. حتّى في خلافاتهم. غير أنّي اعتمدتها أحيانًا للتخفيف من قسوة الطبيعة وحدّة القصة، كما قلتِ. فيصل مثلاً، الشخصية الأكثر ظرفًا وطرافة، مع أنه هامشي ومُهان من الجميع. هو يُعكّر صفو كلّ مكان يحلّ فيه، إنْ بكلماته أو بأفعاله. لا نعرف إنْ كان غبيًا حقًا أم ذكيًا. ما يُصعِّب حياته هو زواجه من الجميلة ريحان. هنا تكمن مأساته. إنّه أيضًا شخصية تراجيدية.
كيف تقدِّم نفسك إلى قارئ عربي؟
وُلدت في مدينة صغيرة في جنوب الأناضول. درست في أنقرة وإسطنبول. لم أدرس السينما بل الاقتصاد. حصلت على دكتوراه في التاريخ التركي المعاصر. في الوقت نفسه، كنتُ منتسبًا إلى "النادي السينمائي" في الجامعة، منذ أن بلغت 18 عامًا، فقرّرت العمل في السينما.
لماذا درست إذًا تخصّصًا آخر؟
(مُبتسمًا) لو درستُ السينما، هنا كما هو الحال في المناطق كلّها في الشرق الأوسط، سيقتلني والداي. بما أنّي كنتُ طالبًا مجتهدًا وناجحًا، أراد لي أهلي الدراسة الأخرى. شغفي الدائم كان السينما. كنتُ أكتب السيناريو والنقد، وظلّ حلمي أن أصنع فيلمًا، إلى أن جاءتني الفرصة بعد حصولي على الدكتوراه. طلبتُ دعمًا من وزارة الثقافة لتحقيق "الأرض، ما وراء الهضاب"، عام 2011. عرف الفيلم نجاحًا جماهيريًا (ثم مُستدركًا وضاحكًا)، ليس الجمهور العادي بالطبع، بل هواة فنّ وتجارب. ثم عرض فيلمي الثاني "نوبة" عام 2015، في "مهرجان البندقية"، ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
"نوبة" فيه اقتراب من أحوال سياسية وأمنية. اتّخذتَ منحى مغايرًا في "حكاية شقيقات ثلاث".
ظنّ بعضهم أن الفيلم متعلّقٌ بالوضع السياسي. لكنها صدفة. إنه عن وضع عام. حسنٌ أني استطعت تحقيقه آنذاك، لأني لو أردت اليوم إنجاز فيلم سياسي في تركيا، فسيكون الأمر صعبًا جدًا.
كيف ترى السينما التركية حاليًا؟ هل هناك موجة جديدة فيها، مع تعدّد الأفلام غير التجارية؟
نعم، في معنى ما. هناك عدد كبير من المخرجين الجدد اليوم. لكن، إذا كان المقصود وجود أسلوب عام لهؤلاء، فلا أظنّ ذلك. هناك أساليب متعدّدة ومختلفة. هناك غنىً. هذا مؤكّد. كل عام، يظهر مخرجون جدد.
وكيف يتعامل الجمهور التركي مع هذه السينما؟
هناك جمهور، لكنه قليل نسبيًا بالنسبة إلى هذا النوع من الأفلام. مثلاً، شاهد فيلمي الأول 30 ألف مُشاهد، أما الثاني فشاهده 25 ألفًا فقط. أرقام تُعتبر جيّدة للسينما في تركيا، إذ إن أفلامًا كثيرة لا يتجاوز عدد مشاهديها 10 آلاف فقط. أقصد أفلام فنّ وتجربة. المهرجانات أفضل دعاية لهذه السينما. تمنحها الفرصة لجذب جمهور أكبر. الاستثناء الوحيد بينها هو أفلام نوري بيلغي جيلان، فهو مشهور جدًا، ويستقطب جمهورًا كبيرًا، يتجاوز عدده غالبًا 200 ألف شخص.
اقــرأ أيضاً
وهل له تأثير عليك وعلى السينمائيين الجدد؟
أحبّ سينماه جدًا. إنه مصدر وحي لكثيرين من الجيل الجديد، وله تأثير عليهم، لكنّهم لا يقلّدونه، أو لعلّهم فعلوا هذا في بداياتهم فقط. يُمكن القول إنّ للمخرجين الشباب أسلوبًا مختلفًا وخاصًا، مع وجود تأثير بيلغي جيلان عليهم. هناك أسماء أخرى عديدة في السينما التركية لها، هي أيضًا، أثر كبير على جيلنا، أمثال يلماز غوني وزكي ديمركيبوز وريحا ايردم.
هل أنت مطّلع على السينما العربية؟
للأسف، لا فرصة لي غير المهرجانات لمشاهدة أفلام عربية، أحيانًا. هنا، معظم المعروض مأخوذ من السينما التركية المحلية، الكوميدية منها بشكل خاص. أحيانًا، تُعرض أفلام إيرانية، فهي استثناء.
نشأتُ في بلدة في الأناضول، هذا "التبنّي" دارجٌ فيها. أعوام عديدة عشت هذا، مع وجود فتاة كأولئك الفتيات في المنزل العائلي. فكّرت دائمًا في إنجاز فيلم عنهنّ، وعندما حان الوقت أنجزته. إنه مناسبة للتفكير بقضية اللامساواة واللاعدالة في المجتمع.
الفيلم حكاية تمتزج فيها قصّة واقعية مع أجواء أسطورية. كيف خطر في بالك هذا المزج؟
من البداية، كانت فكرتي كامنة في تصوير الفيلم بأسلوب واقعي. شيئًا فشيئًا، وجدت أنه أقرب إلى حكاية أسطورية، لا سيما مع وجود عناصر عدة تنتمي إلى هذا النوع، وتتدخّل في مسيرة الشخصيات. مثلاً، شخصية فيصل، الذي يخاف من الجنّ، وتأثير هذا على سلوكه. كذلك تفكير الفتيات في وجود "جنّة" خلف الجبال العالية، فيحلمن بالوصول إليها. بسبب هذا كلّه، فكّرت أنه يمكن الدفع باتّجاه الحكاية الأسطورية.
يبدو الفيلم كلاسيكيًا وواقعيًا، تضفي عليه العناصر المذكورة أعلاه، كما علاقته بالزمان والمكان، بُعدًا آخر، خياليًا. إنه خارج الزمان. كيف اخترت المكان، ليلائم هذا البعد؟
بالنسبة إلى الزمان، هذا مقصود، إذْ لا يمكنه أن يكون في عصرنا الحالي. مثلاً، لا توجد قرى لا يُمكن الوصول إليها اليوم. لهذا اخترت أولاً أن تكون الفترة الزمنية في ثمانينيات القرن الـ20 أو تسعينياته، وليس الآن.
ثم قرّرت ألا أحدّد الزمان، لأن المكان ثابت، والوقت لا يمرّ في هذه البقعة. أردت التأكيد على هذه الناحية، فباستثناء وجود السيارات والكهرباء، لا يمكن تحديد زمن الأحداث حقًّا. أما المكان، ففضّلته معزولاً في الجبال، لأن مفهوم العزلة شديد الأهمية في الفيلم. أردته أن يكون جميلاً، مع كونه سجنًا للفتيات الثلاث. زرت أماكن عدة بحثًا عن مواقع تصوير ملائمة، لكن القرى تغيّرت كثيرًا في تركيا، وتحدّثت بطريقة بشعة. كم كنتُ سعيدًا حين عثرت على هذه القرية. لم تتحوّل حقًّا، لأن معظم سكّانها يهجرونها في الشتاء، ويأتي إليها قسمٌ منهم في الصيف فقط. كنتُ على وشك اليأس من عدم وجود ما أبحث عنه، إلى أن وقعتُ على مكان كهذا، مخيف وجميل وزراعي، وجحيم في الوقت نفسه بالنسبة إلى الفتيات المقيمات فيه، وجنّة لزائر قادم من المدينة.
مزجت أيضًا بين المأساة والملهاة. هناك طرافة في الشخصيات والسرد. هل تقصّدتها لتخفّف من حدّة الأحداث وقسوة المكان؟
الطرافة جاءت تلقائيًا. عامة، الفلاحون طريفون جدًا في حالاتهم كلّها. حتّى في خلافاتهم. غير أنّي اعتمدتها أحيانًا للتخفيف من قسوة الطبيعة وحدّة القصة، كما قلتِ. فيصل مثلاً، الشخصية الأكثر ظرفًا وطرافة، مع أنه هامشي ومُهان من الجميع. هو يُعكّر صفو كلّ مكان يحلّ فيه، إنْ بكلماته أو بأفعاله. لا نعرف إنْ كان غبيًا حقًا أم ذكيًا. ما يُصعِّب حياته هو زواجه من الجميلة ريحان. هنا تكمن مأساته. إنّه أيضًا شخصية تراجيدية.
كيف تقدِّم نفسك إلى قارئ عربي؟
وُلدت في مدينة صغيرة في جنوب الأناضول. درست في أنقرة وإسطنبول. لم أدرس السينما بل الاقتصاد. حصلت على دكتوراه في التاريخ التركي المعاصر. في الوقت نفسه، كنتُ منتسبًا إلى "النادي السينمائي" في الجامعة، منذ أن بلغت 18 عامًا، فقرّرت العمل في السينما.
لماذا درست إذًا تخصّصًا آخر؟
(مُبتسمًا) لو درستُ السينما، هنا كما هو الحال في المناطق كلّها في الشرق الأوسط، سيقتلني والداي. بما أنّي كنتُ طالبًا مجتهدًا وناجحًا، أراد لي أهلي الدراسة الأخرى. شغفي الدائم كان السينما. كنتُ أكتب السيناريو والنقد، وظلّ حلمي أن أصنع فيلمًا، إلى أن جاءتني الفرصة بعد حصولي على الدكتوراه. طلبتُ دعمًا من وزارة الثقافة لتحقيق "الأرض، ما وراء الهضاب"، عام 2011. عرف الفيلم نجاحًا جماهيريًا (ثم مُستدركًا وضاحكًا)، ليس الجمهور العادي بالطبع، بل هواة فنّ وتجارب. ثم عرض فيلمي الثاني "نوبة" عام 2015، في "مهرجان البندقية"، ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
"نوبة" فيه اقتراب من أحوال سياسية وأمنية. اتّخذتَ منحى مغايرًا في "حكاية شقيقات ثلاث".
ظنّ بعضهم أن الفيلم متعلّقٌ بالوضع السياسي. لكنها صدفة. إنه عن وضع عام. حسنٌ أني استطعت تحقيقه آنذاك، لأني لو أردت اليوم إنجاز فيلم سياسي في تركيا، فسيكون الأمر صعبًا جدًا.
كيف ترى السينما التركية حاليًا؟ هل هناك موجة جديدة فيها، مع تعدّد الأفلام غير التجارية؟
نعم، في معنى ما. هناك عدد كبير من المخرجين الجدد اليوم. لكن، إذا كان المقصود وجود أسلوب عام لهؤلاء، فلا أظنّ ذلك. هناك أساليب متعدّدة ومختلفة. هناك غنىً. هذا مؤكّد. كل عام، يظهر مخرجون جدد.
وكيف يتعامل الجمهور التركي مع هذه السينما؟
هناك جمهور، لكنه قليل نسبيًا بالنسبة إلى هذا النوع من الأفلام. مثلاً، شاهد فيلمي الأول 30 ألف مُشاهد، أما الثاني فشاهده 25 ألفًا فقط. أرقام تُعتبر جيّدة للسينما في تركيا، إذ إن أفلامًا كثيرة لا يتجاوز عدد مشاهديها 10 آلاف فقط. أقصد أفلام فنّ وتجربة. المهرجانات أفضل دعاية لهذه السينما. تمنحها الفرصة لجذب جمهور أكبر. الاستثناء الوحيد بينها هو أفلام نوري بيلغي جيلان، فهو مشهور جدًا، ويستقطب جمهورًا كبيرًا، يتجاوز عدده غالبًا 200 ألف شخص.
وهل له تأثير عليك وعلى السينمائيين الجدد؟
أحبّ سينماه جدًا. إنه مصدر وحي لكثيرين من الجيل الجديد، وله تأثير عليهم، لكنّهم لا يقلّدونه، أو لعلّهم فعلوا هذا في بداياتهم فقط. يُمكن القول إنّ للمخرجين الشباب أسلوبًا مختلفًا وخاصًا، مع وجود تأثير بيلغي جيلان عليهم. هناك أسماء أخرى عديدة في السينما التركية لها، هي أيضًا، أثر كبير على جيلنا، أمثال يلماز غوني وزكي ديمركيبوز وريحا ايردم.
هل أنت مطّلع على السينما العربية؟
للأسف، لا فرصة لي غير المهرجانات لمشاهدة أفلام عربية، أحيانًا. هنا، معظم المعروض مأخوذ من السينما التركية المحلية، الكوميدية منها بشكل خاص. أحيانًا، تُعرض أفلام إيرانية، فهي استثناء.