هل يعقل أن تشكّل الحرب عاملاً إيجابياً في تطوّر الفن؟ قد يبدو الجواب بالسلب على هذا السؤال بديهياً، للوهلة الأولى، بما أن الحرب، حين تشتعل، تدمّر كل شيء في طريقها، وبالتالي لا توفّر نيرانها الفنانين وأعمالهم الفنية.
لكن الصحيح أيضاً هو أن الحالة الطارئة، والحرب تحديداً، لطالما شكّلت حافزاً قوياً للفنانين، ليس فقط للإنتاج بغزارة، وبالتالي لمواجهة ثقافة الموت والدمار بثقافة الحياة والخلق، بل لتطوير فنّهم وأدواته أيضاً.
الأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ الفن، لعل أكثرها قوةً هو ما حصل خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرةً. فكردّ فعل على أهوال هذه الحرب، انبثقت أبرز الحركات الطليعية الفنية في أوروبا، مثل الدادائية والسوريالية، وذهبت حركات طليعية أخرى، ظهرت قبل الحرب، في اتجاه أكثر راديكالية على مستوى الأسلوب والخطاب معاً، مثل التكعيبية والتعبيرية.
أكثر من ذلك، دفعت الحرب هؤلاء الفنانين إلى تسجيل قطيعة كاملة مع كل مدارس الفن السابقة، وبالتالي مع مفهوم الفن وغاية ممارسته. وبالتالي، لا نبالغ إن قلنا إن الفن الحديث خرج من رحم الحرب.. لكن لتشييد علاقة "ضد أوديبية" معها، تتوق إلى قتل الأم.
وهذا ما يلاحظه اليوم أي مراقب للفن السوري المعاصر الذي، وإن كان موجوداً قبل الحرب الدائرة حالياً، إلا أنه سجّل تطوّراً لافتاً في الأسلوب والتقنيات والخطاب معاً.