كنت عصبيّة جداً، من فرط العمل. قرّرت يومها أن أعمل بنصيحة صديقة وأقصد نادياً رياضياً، لعلّي أتخلّص من التعب ومن طاقتي السلبيّة.
كان الحر شديداً هناك، والأرضيّة مغطّاة بالعرق. لم أبالِ. سألتني موظفة الاستقبال إن كنت قصدت المكان من قبل. ردّيت بالنفي. كذبت عليها. قبل نحو عام، هربت بعد مضيّ أسبوع واحد من انتسابي. سجّلت الموظّفة اسمي، وقادتني عبر الدرج إلى الأسفل... طبقتَين تحت الأرض. طلبت مني أن أبدأ بالتمارين. جلت بناظري على المكان. جدران سوداء وأرضيّة سوداء أيضاً. اللون الأسود القاتم يغطّي المكان، كنذير شؤم.
جاءت المدرّبة. كان فيها من الخفّة ما يجعلك تفكّر بأنه يصعب عليك تقليدها. ربما كان السرّ في تناسق جسدها، أو لعلّه نحافتها الزائدة. بدأت المهمة. شبكت يدَيها خلف رأسها واستندت إلى الحائط . "المهمة صعبة"، قلت في سرّي. ورحت أفكّر في الأطعمة اللذيذة التي قد أحرم منها. خلعت سترتي، وانتعلت حذائي الرياضي الذي كان أصغر من مقاس قدمي. مددت جسدي على ماكينة الرياضة، فأحسست بثقل. وشعرت لوهلة بأنني أزن أضعاف ثقل الإنسان العادي. إنها رشاقة المدربة مجدداً، وساقاها الطويلتان. لعنتهما في سرّي مجدداً وأنا أقوم ببعض الحركات الخفيفة. شعرت بأن السلحفاة قد تسبقني. راحت المدرّبة تشرح أهمية الرياضة والغذاء الصحي. كل ما كنت أفكر به في تلك اللحظة: "يا إلهي.. من أين تملك المرأة كل هذه المعلومات القيّمة. كيف أتيح لها الوقت لتجميعها". حدّثتني عن أشياء غريبة لا يبدو لي أنها موجودة أساساً في الكتب. وكانت تتوقف قليلاً بين معلومة وأخرى، خوفاً من أن أضجر.
فجأة علا صوت امرأة وصوت رجل غاضب. "خذي.. خذي. سيفيدك الضرب". صرختُ: "يا إلهي. هذا الحقير يضربها". ابتسمت المدربة. قفزت من مكاني وأنا أفكّر: "ما بال هؤلاء المجانين؟ لا أحد منهم يحرّك ساكناً. ثمّة امرأة تتعرض للتعنيف. ما العمل؟ ماذا لو جئت بنفسي إلى هذا المكان المخصص لضرب النساء وتعنيفهن؟". علت من جديد أصوات ضرب. الرجل كان لا يزال يصرخ بتلك المرأة المسكينة. لم أعد قادرة على البقاء في مكاني. التفت إلى مصدر الصوت. كانت المرأة وديعة ترتدي قفازين وخوذة، وأمامها الرجل الذي لا يمتّ إلى الطيبة والوداعة بصلة. "لا تخافي. يلعبان كيك بوكسينغ"، قالت المدربة الرشيقة. "كيك" تعني الركل أو الرفس. "بوكسينغ" تعني ملاكمة. شرحت لي المدرّبة، قبل أن أسمع ما يشبه صوت سقوط الفيلة. لقد أنهك التعب المرأة، فسقطت وقد أغمي عليها.
لم أبالِ. خلعت حذائي الرياضي الذي كان أصغر من مقاس قدمي وارتديت سترتي. غادرت النادي وأنا أفكر بقالب "كيك" بالفراولة في ثلاجتي.
اقرأ أيضاً: خيرية التي تنتظر رشدي أباظة