أوباما رئيس بلا "سياسة"
لثلاثة أيام متواصلة، استضافت الإدارة الأميركية في واشنطن قمة حاشدة تحت عنوان "قمة البيت الأبيض لمواجهة التطرف العنيف". شارك فيها 60 دولة ومنظمة دولية وإقليمية. ثم خرجت ببيان هزيل، يدعو إلى تضافر المجتمع الدولي، في مواجهة عنف المتطرفين. وعلى الرغم من أن التحضير لتلك القمة بدأ قبل أسابيع، منذ حدوث واقعة "شارلي إيبدو" في باريس، إلا أن القمة لم تضف جديداً على صعيد آليات ووسائل وأشكال تفعيل التعاون الدولي، لمواجهة العنف والتطرف. باختصار، بدت القمة تظاهرة دعائية يقودها أوباما، مشابهة للمسيرة التي قادها فرانسوا هولاند، إثر اعتداءات "شارلي إيبدو".
في لقطة موازية، توصلت الإدارة الأميركية، أخيراً، إلى اتفاق مع تركيا، لتدريب عناصر من المعارضة السورية، بعد عامين من طرح أنقرة الفكرة. فيما تستمر عمليات القصف الجوي التي تقوم بها واشنطن، ودول أخرى، ضد مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية والعراق. انتظاراً لأن تنتهي تلك العناصر التي سيتم تدريبها من قتال قوات الأسد. وبمقتضى ذلك الاتفاق الأميركي التركي، سيتم تدريب حوالي خمسة آلاف مقاتل على مدى ثلاث سنوات. وما من جديد بعد في مسألة تسليح تلك القوات، وحدود التطور في نوعية السلاح الذي ستتمكن من الحصول عليه واستخدامه، سواء ضد الأسد أو ضد "داعش". وفي نقطة ثالثة من المشهد نفسه، تقول المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تعليقاً على القصف المصري منطقة درنة في ليبيا، إن "أي تدخل ليس هو التوجه الصحيح"، غير أن ذلك "يختلف تماماً عن شعور أي دولة بتهديدات لأمنها القومي".
تجسد تلك الزوايا الثلاث للسلوك الأميركي تجاه المشهد الراهن في المنطقة حالة "مراوحة المكان" التي تتبعها إدارة أوباما تجاه التطورات الإقليمية في المنطقة باطراد، منذ بداية فترته الرئاسية الثانية قبل عامين. إذ لا يحتاج الأمر إلى خبير في الشؤون العسكرية، لمعرفة أن تدريب، بل وتسليح 1500 مقاتل سنوياً، لن يطيح نظام بشار الأسد، بقدر ما سيحافظ لقواته المسلحة على لياقتها وجهوزيتها. بالضبط، كما كان واضحاً من اللحظة الأولى في حرب داعش، أن القصف الجوي، وحده، لا يكفي للقضاء على مليشيا مسلحة، تسيطر على مدن ومناطق سكنية، وأخرى صحراوية، وثالثة جبلية حضرية. هكذا كانت كل مواقف واشنطن في مختلف قضايا المنطقة، فترددت في إبرام اتفاق نووي مع إيران، خشية رد فعل الكونغرس وإسرائيل. وعلى الرغم من العلم المسبق بالتغيير المفصلي الذي شهدته مصر في 3 يوليو 2013، ترددت إدارة أوباما في إعلان موقفها منه. وأخذ سلوكها تجاه القاهرة يتأرجح بين معاقبتها على ما جرى ومعاملتها كأن شيئاً لم يكن. ثم جاءت التطورات الميدانية في اليمن وليبيا، لتؤكد أن أوباما يتعامل مع قضايا المنطقة بالقطعة، ويتحرك دائماً كرد فعل، بعد ضغوط وانتقادات داخلية، أو خارجية، ثم يبرر قراراته بأنها تلبية لمطالب أو استجابة لتحديات. ما لا يدركه أوباما أن تلك السلبية ليست سوى دعوة صريحة لكل الفاعلين في المنطقة (دولاً كبيرة أو صغيرة، جماعات أو مليشيات) لكي تتحرك كل منها من أجل مصالحها التي تراها، بالطريقة والوسيلة التي تراها. مع قليل من التحسب لرد الفعل الأميركي. وبمرور الوقت، سيزداد الفاعلون الإقليميون جرأة، وربما تجاهلاً لتلك "البطة العرجاء"، حسبما يوصف الرئيس الأميركي في عامه الأخير. فقد دخل أوباما مرحلة العرج فعلياً، بمواقفه الأقرب إلى "اللاموقف" وسياسة "اللاسياسة" التي بدأها مبكراً، ويؤكد، يوماً بعد يوم، أنه متمسك بها، حتى نهاية أعوامه الأربعة الأخيرة.