في كلمته الافتتاحية، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون التقدّم بمبادرة رامية إلى اعتماد "استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية"، داعياً لوضع آليات فعالة تتماشى مع متطلبات إعادة الإعمار، وفي مقدّمتها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولى إعادة الإعمار في الدول المتضررة من الحروب والنزاعات، ويسهم في نموها الاقتصادي المستدام وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ودعا عون كل المؤسسات والصناديق العربية إلى اجتماع يُعقد في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة وبلورة هذه الآليات. لكن الرئيس اللبناني، وهو يلقي بهذه الأمنيات، التفت عن يمينه وشماله، ونظر ملياً في القاعة ليستدرك "كنا نتمنى أن تكون القمة مناسبة لجمع كل العرب بحيث لا تكون هناك مقاعد شاغرة، وبذلنا كل الجهود لإزالة الأسباب، لكن العراقيل كانت أقوى".
يدرك الرئيس اللبناني، مثل كل الشعوب العربية، أن هذا لن يحدث مطلقاً، لأن إعمار الدول العربية الفقيرة والمتضررة، وحتى التبادل الأفقي الذي يقوم على المصالح المتبادلة أمر محكوم بنظام عربي تعيس وعلاقات لا تقوم على مبدأ المصلحة المشتركة، فضلاً عن الأخوية، وإنما تتأسس حتى اليوم على حسابات تسلطية تمارسها بعض الدول الغنية، خصوصاً الخليجية، التي لا تزال تتوهم أن الشعوب الفقيرة تابع لها، تمنّ عليها من حين لآخر ببعض الاستثمارات. وليس من مثل أقوى ولا أكثر إقناعاً من إعمار ونجدة غزّة المحاصرة، التي لم تجد لها غير قطر وتبرعات بعض الشعوب التي تتشبث إلى اليوم بالقضية.
ولا تطلب الشعوب العربية من قادتها اليوم أكثر من علاقات براغماتية تفترض أنها مجرد سوق بين غرباء، بعد أن أعيتها المطالبة بالوحدة ويئست منها مطلقاً، وبعد أن تأكد لها نهائياً أن أي منظومة عربية ستبقى معطلة ولن تتمكن من تحقيق شيء. ومع ذلك فإنها تبقى مجرد أمنيات وأوهام في أذهان أصحابها، بعد أن بلغ مستوى العلاقات السياسية العربية حد القاع، وسقط معه كل أمل في تحقيق مصالحات تسهم في بعث الأمل في الشعوب التي تراقب الأوروبيين مع أن ما يفرقهم أكثر بكثير مما يجمعهم، لكنه العقل العربي المعطّل وزعماء آخر الزمان.