في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1992 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، كذلك أقرت الأمم المتحدة في 30 اغسطس/ آب كل عام يوماً دولياً للتضامن مع ضحايا الإخفاء القسري.
وأنا هنا لا أريد الحديث والإسهاب في التعريف القانوني لجريمة الاخفاء القسري والبعد القانوني لها، بقدر ما أريد أن أبث هموم أهالي ضحايا هذه الجريمة البشعة وهم كثر في مصر الآن.
أنا أريد أن أوصل صرخات الأمهات وأنّات الزوجات وبكاء الأولاد وانحناء ظهر الآباء، أريد أن أخبركم عن معاناة المئات من أهالي المختفين قسرياً والذين بلغ عددهم طبقاً لآخر تقرير صادر من التنسيقية المصرية للحقوق والحريات 1250 حالة خلال الثمانية أشهر الأولى فقط من عام 2015 وهو رقم مفجع ومخيف.
عم محمد عبد السلام "ابوعبد الحميد" هكذا كان يدعى هذا الرجل البسيط في مظهره والذي كانت تظهر في قسمات وجهه كل سمات الرجل المصري البسيط، قبض على نجله عبد الحميد صاحب الـ22 عاماً، والطالب بجامعة الأزهر يوم "الفض"، مجزرتي رابعة والنهضة، ومنذ الفض وحتى الآن وعبدالحميد لا يعرف أحد مكان احتجازه.
قابلت عم محمد أبوعبد الحميد في مؤتمر منذ عام بنقابة الصحافيين عن المختفين قسرياً ولما بدا الحديث بكى وأبكى الجميع ضيوفاً وحضوراً، القاعة ضجت بالبكاء حتى الجدران تشعر وكأنها بكت لبكائه. أذكر قسمات وجهه أذكر نبرة صوته، أذكر كل كلمة قالها، وهو يتكلم تشعر وكأن هذه الأبيات من الشعر نسجت له: ولي كبد مقروحة .. من يبيعني بها كبداً ليست بذات قروح.
وكان مما قال نصاً: "ابني فين ابني لو دفنته هستريح وهحتسبة عند الله شهيد بس أنا مش عارف هو الآن عايش ولا ميت.. بيتعذب ولا سليم، سمعت عن ناس اتجننت من التعذيب وعن ناس ماتت واتدفنت تحت الأرض في السجون.. ابني فين؟
والله العظيم بعت ارضي وبعت بيتي اللي كنت ساكن فيه عشان اصرف على المحامين ومش لاقي ابني. مراتي تعبت ومش عارف أعالجها". ثم يقول وهو يجهش بالبكاء كالثكالى :"والبنات كان أخوهم الوحيد وسندهم في الدنيا بعدي، خدوا ابني مني بعد ما كبرته وصرفت عليه والثمرة بدات تكبر بس قطعوا الشجرة من جذرها، هي البلد بتعمل فينا كدة ليه".
انتهى كلامه وانتهت أيضاً أنفاس الر جل وارتقى إلى الله دون أن يجد ولده. نعم مات عم محمد ابوعبدالحميد، مات وهو يبحث عن عبدالحميد لأكثر من عامين، نعم مات وهو يرفع مظلمته إلى الله الذي لا يظلم عنده أحد.
مات عم محمد عبدالسلام ولا نملك الا أن نذكره، ونذكر بحثه عن ولده وشوقه وألمه وغصته والبحث عن عبدالحميد، عله يخرج لأمّه المريضة ولأخوته الصغار ليكون لهم السند والمعين.
"بعتذر ليك يا عم محمد أني مش عارف أوصل إحساسك المرهف وشعورك، بعتذر لكل أم وزوجة، مش قادرين كمحامين على مساعدتهم، بعتذر عن شعور العجز والضعف حيالكم لأننا ببساطة في دولة ضاع فيها القانون وغابت فيها العدالة".
مات عم أبوعبد الحميد وماتت العدالة معه في مصر.. مات ومات معه السؤال.. أين ولدي؟
(مصر)
أنا أريد أن أوصل صرخات الأمهات وأنّات الزوجات وبكاء الأولاد وانحناء ظهر الآباء، أريد أن أخبركم عن معاناة المئات من أهالي المختفين قسرياً والذين بلغ عددهم طبقاً لآخر تقرير صادر من التنسيقية المصرية للحقوق والحريات 1250 حالة خلال الثمانية أشهر الأولى فقط من عام 2015 وهو رقم مفجع ومخيف.
عم محمد عبد السلام "ابوعبد الحميد" هكذا كان يدعى هذا الرجل البسيط في مظهره والذي كانت تظهر في قسمات وجهه كل سمات الرجل المصري البسيط، قبض على نجله عبد الحميد صاحب الـ22 عاماً، والطالب بجامعة الأزهر يوم "الفض"، مجزرتي رابعة والنهضة، ومنذ الفض وحتى الآن وعبدالحميد لا يعرف أحد مكان احتجازه.
قابلت عم محمد أبوعبد الحميد في مؤتمر منذ عام بنقابة الصحافيين عن المختفين قسرياً ولما بدا الحديث بكى وأبكى الجميع ضيوفاً وحضوراً، القاعة ضجت بالبكاء حتى الجدران تشعر وكأنها بكت لبكائه. أذكر قسمات وجهه أذكر نبرة صوته، أذكر كل كلمة قالها، وهو يتكلم تشعر وكأن هذه الأبيات من الشعر نسجت له: ولي كبد مقروحة .. من يبيعني بها كبداً ليست بذات قروح.
وكان مما قال نصاً: "ابني فين ابني لو دفنته هستريح وهحتسبة عند الله شهيد بس أنا مش عارف هو الآن عايش ولا ميت.. بيتعذب ولا سليم، سمعت عن ناس اتجننت من التعذيب وعن ناس ماتت واتدفنت تحت الأرض في السجون.. ابني فين؟
والله العظيم بعت ارضي وبعت بيتي اللي كنت ساكن فيه عشان اصرف على المحامين ومش لاقي ابني. مراتي تعبت ومش عارف أعالجها". ثم يقول وهو يجهش بالبكاء كالثكالى :"والبنات كان أخوهم الوحيد وسندهم في الدنيا بعدي، خدوا ابني مني بعد ما كبرته وصرفت عليه والثمرة بدات تكبر بس قطعوا الشجرة من جذرها، هي البلد بتعمل فينا كدة ليه".
انتهى كلامه وانتهت أيضاً أنفاس الر جل وارتقى إلى الله دون أن يجد ولده. نعم مات عم محمد ابوعبدالحميد، مات وهو يبحث عن عبدالحميد لأكثر من عامين، نعم مات وهو يرفع مظلمته إلى الله الذي لا يظلم عنده أحد.
مات عم محمد عبدالسلام ولا نملك الا أن نذكره، ونذكر بحثه عن ولده وشوقه وألمه وغصته والبحث عن عبدالحميد، عله يخرج لأمّه المريضة ولأخوته الصغار ليكون لهم السند والمعين.
"بعتذر ليك يا عم محمد أني مش عارف أوصل إحساسك المرهف وشعورك، بعتذر لكل أم وزوجة، مش قادرين كمحامين على مساعدتهم، بعتذر عن شعور العجز والضعف حيالكم لأننا ببساطة في دولة ضاع فيها القانون وغابت فيها العدالة".
مات عم أبوعبد الحميد وماتت العدالة معه في مصر.. مات ومات معه السؤال.. أين ولدي؟
(مصر)