إجراءات ترامب تجاه هونغ كونغ: تسليم أميركي بمنح المدينة للصين

واشنطن

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
31 مايو 2020
A84D4804-7F63-4256-B4C9-95E013FF0099
+ الخط -
خلاصة ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمره الصحافي أول من أمس الجمعة، أن وضع الحكم الذاتي الذي تمتعت به هونغ كونغ منذ 1997 قد وصل إلى نهايته، وأن واشنطن ليست قادرة ولا راغبة في منع هذا التحوّل. قانون الأمن القومي الذي صدّق البرلمان الصيني على تطبيقه في هونغ كونغ أخيراً، هو بداية لإنهاء معادلة "دولة واحدة بنظامين" (تضمن درجة عالية من الحكم الذاتي لإدارة هونغ كونغ المستعمرة البريطانية السابقة). أما الإجراءات التي توعد بها ترامب، رداً على خطوة بكين، فلا تقدم ولا تؤخر، واتُّخذت من باب الحفاظ على شيء من ماء الوجه لا أكثر. بل هي غطاء لتسليم ضمني بهذا المستجد، وبقدرة بكين على ترجمته على أرض الواقع. فعندما يقول ترامب في بيانه الصحافي المقتضب والضبابي: "آمل أن تترك هونغ كونغ تأثيرها بالصين وليس العكس"، يعني أن التحاق هونغ كونغ بالصين صار بمثابة تحصيل حاصل.

وأعلن ترامب في مؤتمر صحافي الجمعة، أنّ الولايات المتحدة ستبدأ عملية إلغاء الإعفاءات التجارية الممنوحة لهونغ كونغ، واصفاً التحرّك الصيني الأخير في هذه المدينة بأنّه "مأساة" للعالم. وقال ترامب: "هونغ كونغ لم تعد تحظى بحكم ذاتي بشكل كافٍ لتبرير المعاملة الخاصة التي كنا نمنحها لها منذ إعادتها" إلى الصين. وأضاف: "بالتالي، أطلب من إدارتي إطلاق عملية إنهاء الإعفاءات التي تُتيح لهونغ كونغ أن تحظى بمعاملة مختلفة وخاصة". وتابع ترامب قائلاً إنّ "تحرك الحكومة الصينية ضد هونغ كونغ هو الأخير في سلسلة إجراءات تُخفّف من الوضع الذي تحظى به المدينة منذ فترة طويلة. إنها مأساة لسكان هونغ كونغ وشعب الصين، وبالطبع لشعوب العالم أيضاً".

وأعلن الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة علّقت دخول صينيين يشكلون "خطراً" محتملاً على الأمن إلى أراضيها. وقال: "نُعلّق اليوم دخول بعض رعايا الصين الذين نعتبر أنهم يشكلون خطراً محتملاً على الأمن".

في المقابل، حذر السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، جانغ جون، خلال جلسة غير رسمية عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولي الجمعة، من أنّ أي "محاولة لاستخدام هونغ كونغ من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للصين، مصيرها الفشل". وحضّ الدبلوماسي، خلال هذه الجلسة التي انعقدت بطلب من واشنطن ولندن، "الولايات المتحدة وبريطانيا على وقف توجيه اتهامات لا أساس لها ضد الصين"، وفق ما جاء في بيان للبعثة الدبلوماسية الصينية.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعدت الأجواء للقرارات التي أعلنها ترامب، فيما رأت تحليلات كثيرة أنها لا تصل إلى المستوى المطلوب للضغط على الصين. فوزير الخارجية مايك بومبيو، أصدر بياناً يوم الأربعاء وصف فيه خطوة بكين بأنها "تخالف تعهداتها الملزمة قانوناً والواردة في الإعلان الصيني البريطاني المشترك المسجل في الأمم المتحدة الذي ينص على مبدأ دولة واحدة بنظامين". تذكير بومبيو خلا من لغة التحذير والإنذار. وفي اليوم نفسه، عقد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأقصى، ديفيد ستيلويل، لقاءً عبر الهاتف مع الصحافة اتسم أيضاً بمثل هذه اللغة، فاكتفى بالتحدث فيه عن "التآكل المتسارع في وضع هونغ كونغ"، وأن الصين التي يحكمها "نظام فردي" تغتنم الآن فرصة وباء كورونا لتمرير أجندتها من منطلق أن "القوة تصنع الحق". لكنه حرص على النأي عن لغة التوعد بثمن يزيد على "تنفيذ قانون حقوق الإنسان والديمقراطية" الذي ينص على "فرض عقوبات ومنع تأشيرات الدخول عن بعض الأشخاص"، إضافة إلى "وقف العمل بسياسة منح هونغ كونغ امتيازات خاصة في التعامل معها".

خطوات كررها ترامب في مؤتمره الصحافي الجمعة من دون التوسع في التفاصيل، ما عدا التوعد "بعقوبات موجعة ومؤثرة"، لكن من غير أن يأتي على سيرة الاتفاق التجاري الذي يبدو أنه قد حُيِّد. وقد انعكس ذلك على ما بدا في تعاملات البورصة الأميركية، إذ لم يتجاوز هبوطها 17 نقطة بعد حديث الرئيس، مع العلم أنّ حركتها تتأثر عادة بموضوع العلاقات التجارية مع بكين.

بهذا السقف لموقف إدارة ترامب، يبدو أن الردود الأميركية والدولية باقية في حدود الاستنكار. فليس من المتوقع أن يغامر حتى حلفاء أميركا بتخريب العلاقات مع الصين التي باتت تمسك بحصة وازنة من الإنتاج العالمي العام ومن أسواقه. وبالتالي، فالعقوبات تبقى رمزية، وليس من المتوقع أن يشارك فيها الحلفاء الذين أطاح ترامب العلاقة معهم. ويعكس ذلك موقف الاتحاد الأوروبي الأخير الذي انتقد الصين بشأن توجهاتها حيال هونغ كونغ، ولكن بلا خطط لخطوات تنفيذية. إذ قال وزير خارجية الاتحاد، جوزيف بوريل، أول من أمس الجمعة: "نعرب عن قلقنا العميق للخطوات التي اتخذتها الصين"، وذلك بعد رئاسته اجتماعاً بالفيديو لوزراء الخارجية، مضيفاً: "تهدد الخطوة الصينية بتقويض مبدأ دولة واحد بنظامين، والدرجة العالية من الحكم الذاتي لهونغ كونغ". وتابع: "علاقاتنا بالصين مبنية على الاحترام والثقة المتبادلين. أرغب في تأكيد ذلك، إلا أنّ هذا القرار يثير شكوكاً وتساؤلات بشأن ذلك".

وبين سطور هذه التبريرات المختلفة، يتبدّى أن واشنطن، وكذلك عواصم أوروبية، سلّمت بنهاية الوضع الخاص الذي تمتعت به هونغ كونغ منذ أواخر القرن الماضي، والذي راهن الغرب على تمدد عدواه إلى الداخل الصيني، وصولاً إلى بكين.

لكن جدار بكين بدا أنه غير جدار برلين، والصين صارت تتحكم بالمبادرة، وإن المحدودة في محيطها الإقليمي. بل صار باعها طويلاً في مجالات التجارة الدولية والصناعات الأساسية بفعل العولمة وزحف الشركات الأميركية تحديداً المتخصصة بالتصنيع على أراضيها، مما "جعلنا مرتهنين لها في بعض المجالات مثل تصنيع الأدوية"، بحسب ما يقول باتريك بيوكانن، وهو أحد أركان المحافظين من أصحاب التوجه الانعزالي الذي يرفع ترامب شعاره.

وهذا اتجاه يحذر فريق كبير من أركان المؤسسة من التمادي في الرهان عليه في زمن "يواجه فيه العالم مشكلات وتحديات كونية يلزمها التعاون الدولي، مثل الأوبئة وتغير المناخ"، كما يحذر رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس. لكن كيفما انتهت إليه الأمور، يبقى أن الصين كسبت جولة جيوسياسية بإنهاء وضع "دولة واحدة بنظامين" في هونغ كونغ، وكسرت الاتفاق دون ثمن وازن.

ولكن ماذا يمكن أن يعني فقدان "الوضع الخاص" الذي تتمتع به هونغ كونغ من قبل الولايات المتحدة؟ في الفترة التي سبقت إعادة بريطانيا هونغ كونغ إلى الصين في عام 1997، أُبرمت صفقة "دولة واحدة بنظامين" للسماح للمدينة بالحفاظ على بعض الحريات والاستقلالية لمدة 50 عاماً. وشملت تلك الحريات اقتصاد السوق الحرة، والقضاء المستقل، وحرية التعبير والاستقلال التشريعي. نتيجة لذلك، أعلنت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن قوانين سمحت لها بمعاملة هونغ كونغ ككيان تجاري منفصل عن البرّ الصيني الرئيسي والمقيد اقتصادياً. وسمح هذا الترتيب لهونغ كونغ بالازدهار كمركز مالي عالمي، على قدم المساواة مع لندن ونيويورك.

قد يتغير الوضع اليوم مع عزم واشنطن على إلغاء الوضع الخاص لهونغ كونغ، لكن إلى أي درجة؟ يقول خبير القانون الدولي في جامعة هوفسترا الأميركية، جوليان كو، إن الرئيس ترامب يتمتع "بمرونة كبيرة"، مضيفاً وفق ما تنقل عنه صحيفة "الغارديان" البريطانية: "أتوقع منه أن يتخذ بعض الخطوات الرئيسية التي تظهر للصين أنه جاد، ولكن ليس إلى حدّ تغيير قانون أميركي كامل ينطبق على هونغ كونغ".

من جهتها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إنّ "المشكلة هي أنّ أي إجراءات أو عقوبات، ستطاول بشكل رئيسي الأبرياء في هونغ كونغ، لا الجناة في بكين".

وبينما ستثير الخطوات الأميركية أيّاً كان مستواها، مزيداً من التوتر في العلاقات الأميركية الصينية، إلا أنّه بحسب إيفان ميديروس، وهو مستشار بارز سابق في البيت الأبيض لشؤون آسيا في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فإن "هذا لا يساعد هونغ كونغ، والأهم من ذلك لن يردع بكين في المستقبل"، بحسب ما تنقل عنه صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية.

لكن إيسوار براساد، وهو مسؤول كبير سابق في صندوق النقد الدولي، قال إنّ المزج بين الإجراء الصيني بشأن فرض قانون الأمن القومي، والاستجابة الأميركية بإلغاء الوضع الخاص، يعني أن بقاء هونغ كونغ كمركز مالي على المدى الطويل "يتعرض الآن لتهديد خطير".

ويمكن أن يطاول أي إلغاء للمعاملة التفضيلية لهونغ كونغ من قبل أميركا حركة السفر. ولذلك آثار مهمة على الشركات، لأن الأشخاص يمكنهم السفر حالياً بين الولايات المتحدة وهونغ كونغ في إطار برنامج الإعفاء من التأشيرات.

وتقول المفاوضة التجارية الأميركية السابقة، ويندي كاتلر، لـ"فاينانشال تايمز" إنه "عند اختيار كيفية تنفيذ إجراءات محددة، ستحتاج الإدارة إلى التفكير في عدد من الاعتبارات، بما في ذلك التأثير بمواطني هونغ كونغ والشركات الأميركية، إلى جانب الإجراءات المضادة المحتملة من قبل الصين".

من جهته، يرى دانييل راسل، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية في عهد إدارة أوباما، أنّ الإجراءات التي أعلنها ترامب "غامضة إلى حد ما"، مضيفاً أنه لم يتضح بعد مدى سرعة تنفيذها على نطاق واسع. وينتقد راسل الصين على توجهاتها في هونغ كونغ، لكنه يلوم كذلك الإدارة الأميركية الحالية على نهجها. ويقول لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، إنّ "فشل السياسة الأميركية يتمثل في أن الحكومة الصينية لم تعد قلقة بشأن ما تعتقده وتراه واشنطن، ولا تخشى أن تتمكن إدارة ترامب من الحصول على رد دولي موحد على إجراءات بكين".

وإذا تابع ترامب تهديده بإلغاء جميع أنواع المعاملة الخاصة لهونغ كونغ، فستكون هناك آثار شديدة على المواطنين والشركات الأميركية العاملة هناك أيضاً. إذ يعيش ما يقدر بنحو 85  ألف مواطن أميركي في هونغ كونغ، ويعمل الكثير منهم في أكثر من 1300 شركة أميركية في تلك المنطقة، وفقاً لتقرير وزارة الخارجية لعام 2019.

ذات صلة

الصورة
ماركو روبيو خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا 4 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

مع اختيار الرئيس الأميركى المنتخب دونالد ترامب، الأربعاء، ماركو روبيو لشغل منصب وزير الخارجية في إدارته المقبلة، تتوجه الأنظار إلى سياسة النائب المحافظ
الصورة
دونالد ترامب ومحمود عباس بالبيت الأبيض في واشنطن 3 مايو 2017 (Getty)

سياسة

أكد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيعمل على إنهاء الحرب وأبدى استعداده للعمل من أجل السلام
الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
هاريس تتحدث أمام تجمع النتخابي في واشنطن / 29 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

حذرت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في خطاب أمام تجمع انتخابي حضره أكثر من 70 ألفاً في واشنطن من مخاطر فترة رئاسية ثانية لمنافسها الجمهوري دونالد ترامب.
المساهمون