عوامل قد تدفع إسرائيل لقبول التسوية في لبنان

21 نوفمبر 2024
من القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية 21 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

تشير عوامل كثيرة إلى حاجة دولة الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان على لبنان، لا تقل عن حاجة الأخيرة إلى ذلك، ما قد يشير إلى تفاؤل حذر بشأن إمكانية التوصّل إلى تسوية، يضاف إلى ذلك التصريحات المتفائلة من الجانب اللبناني؛ والتقدّم الذي تحدث عنه المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين. ورغم النقاط الخلافية التي لا تزال قائمة، خاصة ما يتعلق بإصرار إسرائيل على ما تصفه بحرية العمل في لبنان، تصدياً لما قد تزعم أنه انتهاك من قبل حزب الله، فإن الضمانات الأميركية، أو نصّ يستطيع كل طرف تفسيره كما يشاء، قد يعززان فرص التسوية، التي سيكون من الصعب بعدها على أي طرف استئناف القتال.

وحتى بدون نص واضح وصريح بشأن حرية "الحركة" أو "العمل" التي تطالب بها حكومة الاحتلال، فهي تدرك أنها حققت أكثر مما توقّعت على الجبهة اللبنانية، وما يكفي ليشكّل بطاقة خروجها من الحرب. يأتي ذلك على أثر تكبيدها، وفق ما تقول، حزب الله خسائر فادحة، باغتيالها عدداً كبيراً من قياداته السياسية والعسكرية، على رأسها أمينه العام السابق حسن نصر الله، فضلاً عن تدمير جزء كبير من ترسانته العسكرية، واستهداف معاقله في لبنان، وإعادته عملياً لما بعد الليطاني، فضلاً عن ثبوت تحقيقها اختراقاً أمنياً واستخباراتياً لصفوفه، وهو ما ثبت بعمليات الاغتيال وتفجير أجهزة البيجر وغيرها.

وكل ذلك يمكّن الجيش والمستوى السياسي، وعلى رأسه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، من تسويق إنجازات لم يتوقّعها قبل العدوان على لبنان، ربما بسبب التقدير المبالغ فيه لقوة حزب الله، أو بسبب تأخر ردة فعل الحزب وعدم قراءته الصحيحة للنوايا الإسرائيلية، ما عرّضه لضربات تطلبت منه وقتاً لاستيعابها. وفي الوقت ذاته، تدرك إسرائيل أن لا مكان لاحتلالها أراضي لبنانية، وأنه مهما طال الزمان أو قصر ستضطر للانسحاب وتسوية سياسية في لبنان. وفي المقابل، كبّد حزب الله دولة الاحتلال وجيشها خسائر كبيرة، بقتله اليومي جنوداً إسرائيليين واستمرار عدد القتلى بالارتفاع، يُضاف إلى ذلك الدمار الكبير الذي لحق بالمستوطنات والبلدات القريبة من خط المواجهة، ونزوح عشرات الآلاف من سكانها. هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة، وحالة الشلل في مناطق واسعة بالشمال.

تعاني قوات الاحتلال من إرهاق لم يعد الجيش يخفيه

كما تعاني قوات الاحتلال من إرهاق لم يعد الجيش يستطيع إخفاءه، خاصة في صفوف قوات الاحتياط، وانعكاس غيابهم عن عملهم وعائلاتهم بتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وفيما يدفع هؤلاء حياتهم ووقتهم، تستمر محاولات الحكومة لإعفاء اليهود المتزمتين دينياً (الحريديم) من الخدمة العسكرية، وسط استياء قوات الاحتياط التي ازداد العبء عليها، علماً أن من الجنود من تمرد فعلاً على الامتثال للخدمة العسكرية. وتدرك إسرائيل أن عدم التوصل إلى تسوية سيتطلب منها حشد مزيد من القوات في جيش بات يجاهر بالتعب. أما التكاليف المترتبة على الحرب والذخيرة فهي حكاية أخرى.

التفرّغ لإبادة غزة ومخططات الضم في الضفة

إلى ذلك، ستتيح التسوية على جهة لبنان للاحتلال الإسرائيلي التفرّغ لمخططاته في غزة ومواصلة حرب الإبادة هناك، وحتى في الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان ومخططات الضم فيها، التي هي على رأس أجندات الحكومة الحالية. تعلم إسرائيل بعد كل هذا أن لديها فقط ما تخسره مع كل يوم تواصل فيه عدوانها على لبنان، خاصة إن تمكّن حزب الله من تعميق خسائرها على الجبهة وفي المدن والمناطق الأبعد عن الحدود التي يستهدفها بالصواريخ. هذا يقرّب احتمال تسوية الخلافات والتوصّل إلى اتفاق. 

بنود من الاتفاقية ونقاط خلافية

إن صحت بعض البنود التي نشرتها وسائل إعلام عبرية، أمس واليوم، من الاتفاق الذي تجري صياغته، ففيها حرص كبير على المصلحة الإسرائيلية، ما يسهل عدم رفضها، فيما لا يعني ذلك تضاربها مع مصالح لبنان. بموجب ما نشرته القناة 13 العبرية، أمس، وقالت إنه من بنود الاتفاق، تتفق دولة الاحتلال ولبنان على تطبيق القرارين 1701 و1559 و"هي قرارات تعني منع تعاظم قوة حزب الله في لبنان"، كما تشير البنود التي كشفت عنها القناة إلى أن "إسرائيل سيكون بإمكانها العمل ضد التهديدات الفورية من الأراضي اللبنانية، ولديها حق الدفاع عن نفسها وضمان أمنها على الحدود الشمالية"، فيما الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة إسرائيل في الدفاع عن أمنها.

ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وفقاً للبنود، ينتشر الجيش اللبناني على جميع المعابر في البلاد، البرية والبحرية، والمعابر المنظمة وغير المنظمة على حد سواء. كما يشير أحد البنود، وفقاً للقناة العبرية، إلى أن إسرائيل ولبنان ودول أخرى ستعمل على تأسيس لجنة خاصة تُدار من قبل الولايات المتحدة، والتي ستشرف على انتهاكات الاتفاق، كما تراقب اللجنة التي ستجري إقامتها "نزع السلاح من مواقع الإرهاب والبنى التحتية الإرهابية فوق الأرض وتحتها".

ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ سيتوقف حزب الله وجميع المجموعات المسلحة في لبنان عن العمل ضد إسرائيل، كما تتوقف إسرائيل من جانبها عن العمل في لبنان ضد أهداف على الأراضي اللبنانية؛ بما في ذلك أهداف مدنية وحكومية. وبحسب أحد البنود، تناشد إسرائيل ولبنان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للعمل على خلق مفاوضات غير مباشرة بين البلدين، حول الحدود البرية، تؤدي إلى تسوية دائمة ومتفق عليها. وستنطلق المفاوضات بالأساس من الخط الأزرق.

من جانبها، ذكرت القناة 11 العبرية، أمس، أن من بين النقاط الخلافية بين إسرائيل ولبنان ما يتعلق بآليات المراقبة في الاتفاق، وأن نقطة الخلاف الأساسية في هذا السياق تتعلق بهوية أعضاء الجهات المراقبة لتطبيق الاتفاق. ويقف على رأس آليات المراقبة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ولكن الخلاف هو حول هوية الدول الأخرى التي ستشارك فيها. وفي حين تفضّل إسرائيل دولاً أوروبية ذات مكانة، يفضّل لبنان على الأقل دولة عربية واحدة. ووفقاً للقناة ذاتها، أوضحت الإدارة الأميركية، في محاولة لطمأنة إسرائيل، أن المتابعة بعد تنفيذ الاتفاق لن تقتصر على متابعة شكاوى من طرف أو آخر، بل ستكون متابعة فاعلة "بشتّى الوسائل".

وبعد جولة المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، في لبنان، قال مسؤولون إسرائيليون كبار إنه "جرى إحراز بعض التقدم في مسألة حرية عمل الجيش الإسرائيلي في لبنان".

"هآرتس": تقديرات إسرائيلية حذرة بشأن التسوية

من جانبها، أفادت صحيفة هآرتس العبرية، اليوم، أن التقديرات في إسرائيل أكثر حذراً، وأن الاتصالات قد تستمر لبعض الوقت، رغم أن الاتجاه يبدو إيجابياً. ومن المرجح أن يجري في الخطوة الأولى الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، ستحاول الأطراف خلالها التوصّل إلى اتفاقات طويلة الأمد وملزمة. وتسعى إسرائيل إلى تحقيق ما هو أبعد من وقف الحرب في لبنان، وهو الفصل بين جبهتي لبنان وغزة.

ويرى المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل، أن من شأن مثل هذه الخطوة السماح للجيش الإسرائيلي بتخفيض انتشار قواته في الشمال والتركيز على أعمال إعادة الإعمار (في الشمال) والاستعدادات الأمنية للوضع الجديد هناك، بينما يتواصل القتال في الجنوب. في المقابل "تجد إسرائيل صعوبة أكثر من أي وقت مضى في التنبؤ بخطوات حزب الله المستقبلية، على خلفية التغييرات المتعددة في هرم التنظيم. وبعض المسؤولين الجدد، الذين جرى استدعاؤهم ليحلوا محل القيادات التي قُتلت، يكادون يكونون غير معروفين للمخابرات الإسرائيلية".

ولفت هارئيل إلى أنه في حال عدم التوصّل إلى اتفاق، وقررت حكومة الاحتلال إبقاء الجيش في لبنان، فسيتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستدشن هجوماً برياً آخر باتجاه الخط الثالث من البلدات اللبنانية، على حدود نهر الليطاني. وفي مثل هذه الحالة، ستكون هناك حاجة إلى تعبئة متجددة وواسعة النطاق من جنود الاحتياط، الأمر الذي سيثقل كاهل نظام الاحتياط وأفراد أسر الجنود.

في المقابل، ذكر محلل "هآرتس"، أن الانشغال الاسرائيلي الكبير في لبنان يشير إلى "رغبة الحكومة في السعي إلى إنهاء القتال هناك. وحتى اليمين المتطرف في الائتلاف لا يدعو إلى بقاء طويل الأمد في جنوب لبنان، ولا يتحدث عن إقامة مستوطنات في المنطقة. وتركّز هذه الأحزاب على ما يحدث في غزة، وتضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لفرض حكم عسكري في أجزاء من القطاع، تمهيداً لعودة المستوطنات بعد نحو عشرين عاماً من فك الارتباط".