إحياء اتفاق الصخيرات.. هل يكون حلاً للأزمة الليبية؟

28 يوليو 2020
قادة طرابلس يرفضون حفتر وداعميه كشركاء في أي حل سياسي (فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال معطيات واقع الملف الليبي تؤكد استبعاد انتهاء التصعيد العسكري على تخوم سرت – الجفرة إلى مواجهات عسكرية جديدة في ليبيا، فيما عاد الحديث نشطاً عن الحل السياسي من دون أن يطرأ أي تغير في مواقف قادة الأطراف الليبية، باستثناء غياب تدريجي للواء المتقاعد خليفة حفتر من المشهد.

وفيما تحتضن العاصمة المغربية مشاورات منفصلة بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، لم تتأكد حتى الآن إمكانية عقد لقاء مباشر بينهما، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري قال ، خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أنه بحث مع رئيس مجلس المستشارين المغربي، حكيم بنشماش، إمكانية تعديل اتفاق الصخيرات بما يتوافق مع المرحلة الحالية.

من جانبه، أثنى رئيس البرلمان المغربي، الحبيب المالكي، على مبادرة عقيلة صالح السياسية القائمة على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من ثلاثة أعضاء جدد ممثلين لأقاليم ليبيا الثلاثة بإشراف أممي، معبراً ، خلال مؤتمر صحافي جمعه بصالح أمس الاثنين، أنها "لا تتناقض مع اتفاق الصخيرات"، لكن مصادر ليبية في طرابلس أكدت لــ"العربي الجديد" إصرار قادة طرابلس، بمن فيهم المشري، على رفض حفتر وداعميه كشركاء في أي حل سياسي، مشيرةً إلى أن العقبات التي تواجه عقيلة صالح كممثل سياسي بديل عن حفتر قد تحد من دوره السياسي.

وفي الوقت الذي لا تزال العديد من الدول المعنية بليبيا تشدد على ضرورة الدفع بالحل الليبي وفق مخرجات قمة برلين المنعقدة في يناير/كانون الثاني الماضي، يتجه المغرب إلى إحياء اتفاق الصخيرات بعد مرور خمس سنوات على توقيعه من قبل الأطراف الليبية، لكن الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، يرى في شكل اختلاف المصالح الدولية والإقليمية في ليبيا عائقاً كبيراً أمام أي محاولة للحل السياسي، مؤكداً أن الحل ليس سياسياً ولا عسكرياً، بل توافق المتدخلين في الملف الليبي على مصالحهم.

وتابع "الحل ليس بيد الليبيين، ولو كان بيدهم لما تخلى داعمو حفتر الليبيين بسهولة عنه، ولما رضوا له بهذه النهاية بعد أن أصبح لا يخدم مصالح داعميه، الإقليميين أو الدوليين"، مشيراً إلى أن محاولة الرجوع بالملف الليبي إلى مرحلة ما قبل خروج حفتر وقواته من بنغازي عبر إحياء اتفاق الصخيرات، لا تشير إلى أي شيء سوى إنهاء محاولة أخرى من المتدخلين للاتفاق على مصالحهم.

ويصف الجواشي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، المستجدات ما بعد الصخيرات بأنها خطيرة جداً، وخصوصا على معسكر شرق ليبيا، إذ يخسر حفتر تدريجياً، وربما يواجه عقوبات دولية، لافتاً إلى أن من يدفع حالياً الأطراف الليبية والمغرب على حد سواء لإحياء اتفاق الصخيرات كأنه يريد الرجوع بالحالة الليبية الى عام 2015.

وأضاف الجواشي أنه "من دون شك، لا يرى الفاعلون الإقليميون والدوليون المخاطر الداخلية وإمكانية أن تهدد أثارها أي توافق سياسي ليبي، لكنهم يبحثون عن صيغة للتوافق على مصالحهم بعد أن فشلت برلين ومخرجاتها في تحصين مصالحهم"، لكن الباحث السياسي الليبي مصطفى البرق، في المقابل، لا يرى أي فائدة لاتفاق الصخيرات سواء على صعيد مصالح المتدخلين في ليبيا أو على الصعيد السياسي، مشيراً إلى أن الواقع تغير بشكل كبير ولا يمكن تعديل الاتفاق فضلاً عن تطويره أصلاً.

الجواشي: لا يرى الفاعلون الإقليميون والدوليون المخاطر الداخلية وإمكانية أن تهدد أثارها أي توافق سياسي ليبي، لكنهم يبحثون عن صيغة للتوافق على مصالحهم

 

ويوضح البرق في حديثه لـ"العربي الجديد" أن المتغيرات عديدة، منها الوجود التركي إلى جانب حكومة الوفاق، والتوغل الروسي والقوات المصرية التي تقف على حافة الحدود الليبية، وتأثيرات الأزمة الليبية على الخارج حتى بدت المحرك الأول لإحياء التوترات في شرق المتوسط وحول الحدود المائية بين الدول، مؤكداً أن "سيناريو إحياء الصخيرات ليكون أساساً للحل السياسي بات مستحيلا".

وعن أسباب وجدوى التحرك المغربي، رجح البرق  أنه مناورة سياسية كغيرها من المناورات السابقة، قد يكون الموقف المغربي مقابلا للنشاط الجزائري، أو أن القاهرة وداعمي حفتر السابقين يدفعون الملف الليبي بقوة نحو الحل السياسي بعد خسارة رهانهم على حفتر والعسكر، مشيراً إلى أن مبادرة عقيلة صالح المتوافقة مع إعلان القاهرة لقيت ثناء مغربياً رسمياً في تصريحات المالكي.

ويتحدث البرق عن عدة عقبات أمام صالح ليكون ممثلاً للبرلمان ولطرف سياسي ضمن الصراع القائم، من بينها انتقال الجزء الأكبر من أعضاء البرلمان لعقد جلسات قي طرابلس وغياب شبه كلي للقسم الآخر عن جلسات طبرق، بالإضافة لعدم وجود توافق في بقايا معسكر حفتر حول صالح ليكون ممثلاً سياسياً له، مشدداً على  أن الحل لم يعد بيد الليبيين ليتوافقوا على تعديل الصخيرات، بقدر ما هو قائم على ضرورة تفاهمات الدول حول مصالحهم في هذه البلاد.

وتساءل "أي حل يمكن أن ينتجه المشري وصالح؟"، مشيراً إلى أن تركيا وروسيا لم تتوصلا إلى توافقات بعد، وأن هناك قلقا أميركيا كبيرا من التوغل الروسي، وأن القاهرة تقف بقواتها على الحدود الليبية للتدخل في أي لحظة، علاوة على  الصراعات في كواليس العواصم الكبرى والصدامات وأبرزها الفرنسي والتركي. 

ويذهب البرق بعيداً في توصيف واقع الأطراف الليبية، مشيراً إلى أنها تعيش حالة تفكك وخلافات، موضحاً أن "حكومة الوفاق تعيش خلافات بسبب رغبة السراج في فرض تشكيلة حكومية جديدة يرفض شكلها وزير الداخلية فتحي باشاغا، وطيف كبير من قادة المجموعات المسلحة من جانب، كما أن هناك خلافات بين السراج والمشري، فالتعديلات على الاتفاق السياسي، إذا أقرها الأخير، تعني موافقته على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق".

البرق: حكومة الوفاق تعيش خلافات بسبب رغبة السراج في فرض تشكيلة حكومية جديدة يرفض شكلها وزير الداخلية فتحي باشاغا

ويضيف "من جانب آخر، فمعسكر شرق ليبيا يعيش على حافة الفوضى، فليس صحيحاً أن اختفاء حفتر التدريجي سيمكن من إفراز قيادات بديلة وقادرة"، لافتاً إلى أن إدارة وسيطرة حفتر على شرق ليبيا تركت أثاراً كبيرة، بما فيها الخلافات المستمرة داخل صفوف القبائل الليبية، مما يرجح حدوث فوضى واسعة. 

ويستعد مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، لجلسة استماع مغلقة للجنة العقوبات وفريق الخبراء وبحضور ليبيا والدول المعنية، بحسب تصريحات مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، الذي اعتبر الجلسة فرصة أخرى لكشف الدول التي تورطت في العدوان وخرقت القرارات الأممية". 

وتأتي هذه الجلسة تزامناً مع تقارير إعلامية تحدثت عن عزم واشنطن فرض عقوبات على حفتر بسبب علاقته المستمرة مع الروس، وهي عوامل "قد تسرع من حدوث حالة فوضى بسبب سياسات داعمي حفتر الخاطئة برهانهم الخاسر عليه، فهم من يعاني حالياً آثار حالة الفراغ في شرق البلاد بعد اضطرارهم للتخلي عنه"، بحسب البرق.​