04 أكتوبر 2024
إرهاب البيروقراطية وبيروقراطية الإرهاب
لا أحد يُنكر أن مصر دولة تواجه خطر الإرهاب، ولا أحد يُنكر أن هناك إرهاباً أسود، يهاجم الدولة والمجتمع، بغرض الهدم أو بغرض فرض وجهة نظر واحدةٍ، ونظام حكم باسم الدين، بدعوى إقامة دولة الخلافة وتطبيق شرع الله، وكل هذه الشعارات التي تجذب قطاعاً كبيراً من الشباب المقهور الذي يعيش حالةً من الاغتراب.
وكما أن هناك إرهاب جماعات، وهو الذي تمارسه الجماعات الجهادية ضد الدولة "الكافرة" من وجهة نظرهم، هناك أيضاً نوع آخر من الإرهاب، وهو الفردي الذي يمارسه فرد أو عدة أفراد بشكل مستقل، مثل "الذئاب المنفردة"، نوعاً من الانتقام من السلطة التي مارست ضده نوعاً من أنواع التعذيب أو التنكيل أو الحبس ظلماً أو بسبب تعرّض أحدٍ من ذويه، أو أقربائه، أو أصدقائه، لهذا الظلم، وقد يكون الانتقام من المجتمع كله، لأنه، من وجهة نظره، مجتمع متواطئ بمباركة الظلم والتنكيل أو بالصمت.
وقد لا تعترف أجهزة السلطة الأمنية بظواهر الإرهاب الفردي أو الانتقامي، فلا بد من إلصاق أي شيء بالمؤامرة، فكل ما يحدث هو مؤامرات من الكون كله ضد الرئيس المنقذ، فالرئيس لديهم هو الدولة، والدولة هي الرئيس، ولا عزاء للدستور، ولا لمبدأ الفصل بين السلطات، وعلى من لا يقتنع بالمؤامرة أن يقنع نفسه بالمؤامرة، فهي المبرّر الأسهل لتفسير الفشل والإخفاقات والتجاوزات والانتهاكات والإجراءات الاستثنائية.
والإرهاب، بشكل عام، فعل إجرامي خسيس، مهما كان المبرّر والدافع، يكون هناك دائماً ضحايا أبرياء وأطفال، وكذلك تدمير للممتلكات العامة والخاصة وظلم للآخرين. ولكن، لماذا لا يدرك من في السلطة العلاقة الطردية بين إرهاب الدولة وزيادة الإرهاب الفردي والإرهاب الانتقامي.
وإرهاب الدولة لا يعني فقط الدول التي تمارس الإرهاب ضد الآخرين، مثل إسرائيل التي تمارس أبشع أنواع الإرهاب ضد الفلسطينيين، وتزعم العكس، بل من الممكن أن تمارس السلطة الإرهاب ضد مواطنيها، كما يحدث عندنا، وفي معظم دول أفريقيا والشرق الأوسط، فالأنظمة السلطوية التي تسيطر على الحياة السياسية والإعلام والاقتصاد والتعليم والثقافة هي التي تستخدم الإرهاب ضد أي صوتٍ مخالفٍ أو مغرد خارج السرب، فالإرهاب ليس فقط تفجيراً جباناً، أو قتل الإرهابيين للأبرياء من الجنود أو المدنيين، بل هناك إرهاب السلطة مثل وقف البرامج وترحيل المذيعين الذين يحاولون قول الحقيقة، وهذ الإرهاب يكون بالقانون، وليس ضده كما الحال في إرهاب الجماعات الأصولية.
هناك إرهاب السلطة الذي يستخدم سيف القانون، أو صنم القانون، تحت شعار دولة القانون، وفيها يتم حبس الأصوات المعارضة أو التهديد بالحبس باسم القانون، وفيها يتم السماح لمظاهرات تأييد الحاكم. ولكن، يتم حبس من يفكّر في الخروج للاعتراض، قبل أن يشرع في التفكير.
إرهاب الدولة أو إرهاب السلطة هو فرض قوانين واتفاقيات وقرارات، بدون أخذ رأي الشعب
المفترض أنه مصدر السلطات، وهي التي تطارد المواطن ليل نهار، بإنجازات السيد الرئيس ومعجزاته وتوجيهاته.
إرهاب الدولة أو السلطة هو تقييد حرية التجمع والتنظيم باسم القانون، واللجوء إلى الأساليب القديمة للسيطرة عن طريق الاحتواء الوظيفي والحصار والسيطرة بالقانون على الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، فقوانين الحياة السياسية التي صيغت من أجل الحصار والسيطرة، منذ عشرات السنين، لا تزال سارية. ولذلك، نرى أحزابا كرتونية مدجّنة ونقابات ضعيفة لا تدافع عن حقوق أعضائها ومجتمع مدني موالٍ، يتعامل بعلاقة التبعية، وليس التكامل والتشاركية.
إرهاب الأفراد أحياناً يكون رد فعل على إرهاب السلطة وظلمها، وهو ما لا يعترف به من هو في السلطة. ولكن، هناك قصص عديدة معمّى عليها عن شبابٍ انضموا لجماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، رداً على هدم بيته بالقوة في رفح أو تهجير أسرته لأسبابٍ أمنيةٍ، أو مقتل أحد ذويه بالخطأ في إحدى الحملات الأمنية.
وهناك قصص عديدة مسكوت عنها، معمّى عليها عن شبابٍ اتجهوا إلى الفكر المتطرّف، وحاولوا المشاركة في عملياتٍ مسلحةٍ ضد السلطة، بسبب حبس أبٍ ظلماً، وتعذيب الأب في السجون، لكن كهنة البيروقراطية وعبدة الورق لا يعترفون بذلك. الضابط المسؤول عن كتابة محضر التحريات يزيد من التفاصيل الخيالية، ولا يهتم كثيراً بتأثير الحبس احتياطياً ظلماً فترات مفتوحة على نفسية المحبوس وأسرته وأولاده، وكذلك لا يهتم وكيل النيابة، ولا القاضي الذي يحكم بظاهر الأوراق، وبدون تحقيق جاد، بالآثار التي سوف تنتج عن هذا الحبس أو هذا الحكم بعد خمسة عشر أو عشرين عاماً.
وليس لدى الموظفين تخيّل، ولا محاولة لدراسة نتائج الظلم والإقصاء وإغلاق المجال العام بعد عشرين عاماً، لكن المجال الوحيد الذي ربما تجد فيه بعض التخطيط والإبداع الشيطاني هو كيفية تشويه المعارضة، وكيفية اختلاق الأكاذيب والأساطير وقصص المؤامرات، وما تسمى حروب الجيل الرابع، وكيفية تفصيل القوانين من أجل السيطرة على كل شيء، ومحاصرة كل شيء باسم دولة القانون التي تستيقظ فقط ضد كل من له رأي مخالف، وتنام في سباتٍ عميقٍ أمام الفاسد والمزوّر والمتعدّي على أراضي الدولة، والمرتكب جرائم التعذيب.
كيف للضابط الموظف أن يتخيّل ويفكّر في النتائج النفسية والاجتماعية بعد عشرين عاماً، الأهم هو الورق والأوامر والتعليمات، ورضى الرؤساء، وهو ما نراه كذلك في التعليم والمرور والصحة والاقتصاد والبحث العلمي، إنها إجراءات وورق ولوائح معقدة وقوانين متشعبة، يتم تطبيقها أحياناً وكسرها كثيراً، لكن النتيجة ما نلمسه في حالنا في الواقع في الأمن والتعليم والصحة والمرور والإسكان والصناعة والتجارة.
إنه إرهاب البيروقراطية وبيروقراطية الإرهاب.
وكما أن هناك إرهاب جماعات، وهو الذي تمارسه الجماعات الجهادية ضد الدولة "الكافرة" من وجهة نظرهم، هناك أيضاً نوع آخر من الإرهاب، وهو الفردي الذي يمارسه فرد أو عدة أفراد بشكل مستقل، مثل "الذئاب المنفردة"، نوعاً من الانتقام من السلطة التي مارست ضده نوعاً من أنواع التعذيب أو التنكيل أو الحبس ظلماً أو بسبب تعرّض أحدٍ من ذويه، أو أقربائه، أو أصدقائه، لهذا الظلم، وقد يكون الانتقام من المجتمع كله، لأنه، من وجهة نظره، مجتمع متواطئ بمباركة الظلم والتنكيل أو بالصمت.
وقد لا تعترف أجهزة السلطة الأمنية بظواهر الإرهاب الفردي أو الانتقامي، فلا بد من إلصاق أي شيء بالمؤامرة، فكل ما يحدث هو مؤامرات من الكون كله ضد الرئيس المنقذ، فالرئيس لديهم هو الدولة، والدولة هي الرئيس، ولا عزاء للدستور، ولا لمبدأ الفصل بين السلطات، وعلى من لا يقتنع بالمؤامرة أن يقنع نفسه بالمؤامرة، فهي المبرّر الأسهل لتفسير الفشل والإخفاقات والتجاوزات والانتهاكات والإجراءات الاستثنائية.
والإرهاب، بشكل عام، فعل إجرامي خسيس، مهما كان المبرّر والدافع، يكون هناك دائماً ضحايا أبرياء وأطفال، وكذلك تدمير للممتلكات العامة والخاصة وظلم للآخرين. ولكن، لماذا لا يدرك من في السلطة العلاقة الطردية بين إرهاب الدولة وزيادة الإرهاب الفردي والإرهاب الانتقامي.
وإرهاب الدولة لا يعني فقط الدول التي تمارس الإرهاب ضد الآخرين، مثل إسرائيل التي تمارس أبشع أنواع الإرهاب ضد الفلسطينيين، وتزعم العكس، بل من الممكن أن تمارس السلطة الإرهاب ضد مواطنيها، كما يحدث عندنا، وفي معظم دول أفريقيا والشرق الأوسط، فالأنظمة السلطوية التي تسيطر على الحياة السياسية والإعلام والاقتصاد والتعليم والثقافة هي التي تستخدم الإرهاب ضد أي صوتٍ مخالفٍ أو مغرد خارج السرب، فالإرهاب ليس فقط تفجيراً جباناً، أو قتل الإرهابيين للأبرياء من الجنود أو المدنيين، بل هناك إرهاب السلطة مثل وقف البرامج وترحيل المذيعين الذين يحاولون قول الحقيقة، وهذ الإرهاب يكون بالقانون، وليس ضده كما الحال في إرهاب الجماعات الأصولية.
هناك إرهاب السلطة الذي يستخدم سيف القانون، أو صنم القانون، تحت شعار دولة القانون، وفيها يتم حبس الأصوات المعارضة أو التهديد بالحبس باسم القانون، وفيها يتم السماح لمظاهرات تأييد الحاكم. ولكن، يتم حبس من يفكّر في الخروج للاعتراض، قبل أن يشرع في التفكير.
إرهاب الدولة أو إرهاب السلطة هو فرض قوانين واتفاقيات وقرارات، بدون أخذ رأي الشعب
إرهاب الدولة أو السلطة هو تقييد حرية التجمع والتنظيم باسم القانون، واللجوء إلى الأساليب القديمة للسيطرة عن طريق الاحتواء الوظيفي والحصار والسيطرة بالقانون على الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، فقوانين الحياة السياسية التي صيغت من أجل الحصار والسيطرة، منذ عشرات السنين، لا تزال سارية. ولذلك، نرى أحزابا كرتونية مدجّنة ونقابات ضعيفة لا تدافع عن حقوق أعضائها ومجتمع مدني موالٍ، يتعامل بعلاقة التبعية، وليس التكامل والتشاركية.
إرهاب الأفراد أحياناً يكون رد فعل على إرهاب السلطة وظلمها، وهو ما لا يعترف به من هو في السلطة. ولكن، هناك قصص عديدة معمّى عليها عن شبابٍ انضموا لجماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، رداً على هدم بيته بالقوة في رفح أو تهجير أسرته لأسبابٍ أمنيةٍ، أو مقتل أحد ذويه بالخطأ في إحدى الحملات الأمنية.
وهناك قصص عديدة مسكوت عنها، معمّى عليها عن شبابٍ اتجهوا إلى الفكر المتطرّف، وحاولوا المشاركة في عملياتٍ مسلحةٍ ضد السلطة، بسبب حبس أبٍ ظلماً، وتعذيب الأب في السجون، لكن كهنة البيروقراطية وعبدة الورق لا يعترفون بذلك. الضابط المسؤول عن كتابة محضر التحريات يزيد من التفاصيل الخيالية، ولا يهتم كثيراً بتأثير الحبس احتياطياً ظلماً فترات مفتوحة على نفسية المحبوس وأسرته وأولاده، وكذلك لا يهتم وكيل النيابة، ولا القاضي الذي يحكم بظاهر الأوراق، وبدون تحقيق جاد، بالآثار التي سوف تنتج عن هذا الحبس أو هذا الحكم بعد خمسة عشر أو عشرين عاماً.
وليس لدى الموظفين تخيّل، ولا محاولة لدراسة نتائج الظلم والإقصاء وإغلاق المجال العام بعد عشرين عاماً، لكن المجال الوحيد الذي ربما تجد فيه بعض التخطيط والإبداع الشيطاني هو كيفية تشويه المعارضة، وكيفية اختلاق الأكاذيب والأساطير وقصص المؤامرات، وما تسمى حروب الجيل الرابع، وكيفية تفصيل القوانين من أجل السيطرة على كل شيء، ومحاصرة كل شيء باسم دولة القانون التي تستيقظ فقط ضد كل من له رأي مخالف، وتنام في سباتٍ عميقٍ أمام الفاسد والمزوّر والمتعدّي على أراضي الدولة، والمرتكب جرائم التعذيب.
كيف للضابط الموظف أن يتخيّل ويفكّر في النتائج النفسية والاجتماعية بعد عشرين عاماً، الأهم هو الورق والأوامر والتعليمات، ورضى الرؤساء، وهو ما نراه كذلك في التعليم والمرور والصحة والاقتصاد والبحث العلمي، إنها إجراءات وورق ولوائح معقدة وقوانين متشعبة، يتم تطبيقها أحياناً وكسرها كثيراً، لكن النتيجة ما نلمسه في حالنا في الواقع في الأمن والتعليم والصحة والمرور والإسكان والصناعة والتجارة.
إنه إرهاب البيروقراطية وبيروقراطية الإرهاب.