في كتابه "مؤتمر الحيوان" الموجّه للأطفال، يهجو إريش كستنر البشرية على طريقته، إذ تتحد حيوانات العالم لإجبار البشر على نزع السلاح وصنع السلام، وتمّ تحويل العمل إلى فيلم رسوم متحركة، وظلّ علامة بارزة في أدب ما بعد الحرب العالمية الثانية.
جمع الكاتب الألماني (1899 - 1974) بين الشعر والمسرح والكتابة للسينما وللطفل، ومارس أقصى درجات النقد الاجتماعي والسياسي ضمن آرائه المعادية لعسكرة الدول وتنافسها على التسلّح، كما كان ضدّ التحاق بلاده بعضوية "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، وضدّ سياسات الولايات المتحدة خاصة في فيتنام.
بترجمة سمير جريس، صدرت حديثاً عن "دار ممدوح عدوان"، و"دار سرد للنشر" النسخة العربية من مسرحيته "مدرسة المستبدين"، والتي "صوّر فيها كيف يتحوّل كثير من الناس أثناء فترات الطغيان إلى أدوات طيّعة وماكينات ودمى متحرّكة تعمل في خدمة النظام السائد، آلات لا تعرف شيئاً اسمه الرفض أو العصيان"، بحسب مقدمة المترجم.
"العصيان مرض يؤدي في بلادنا إلى الموت.. مرض آخذ في الاندثار"، هكذا يكتب كستنر في المسرحية، ما يعيد الأذهان إلى مرحلة النازية التي دفعت معظم الكتّاب والفنّانين الألمان إلى الهجرة القسرية وممارسة الكتابة والإبداع من منافيهم، لكن صاحب "القلب فوق الخصر" قرّر البقاء في برلين وسرد الأحداث كما يراها ويعايشها، وقد استجوبه "الغستابو" أكثر من مرّة وتمّ طرده من اتحاد الكتاب، كما أُحرقت كتبه بسبب موافقه الحادّة ضد دكتاتتورية النازيين.
صدرت الطبعة الأولى من المسرحية عام 1957، وهي تضيء على بنية السلطات المستبّدة التي لا يمثّلها حقيقة شخص الدكتاتور، إنما عقل مدبّر خفي يدير منظومة من الخوف وإرهاب الناس من فوضى مطلقة تنتظرهم إذا ما فكرّوا التحرّر من خوفهم.
في "مدرسة المستبدّين"، يقدّم المؤلّف عمله بالقول "إن رؤية الكلاب المدرّبة، التي تقفز على قدميها الخلفيتين لابسة ملابس الدمى، أمر يثير الاشئمزاز، أمّا الإنسان المدرّب على التخلّي عن كرامته وضميره، الإنسان الممسوخ المرتدي قناع إنسان، فإن رؤيته من أبشع المناظر".
ويروي العمل كيف يخالف رئيس البلاد أثناء خطبة له، تعليمات المحيطين به من كبار النظام، تنصّ على ألّا يأتي بأي فعل أو قول غير ما خططّوه له، وعلى إثر ذلك يبدأون العمل لإنهاء مهمته، ووضع شبيه جديد مكانه من الاثني عشر شبيهاً الذين يدرّبونهم على كلّ شيء يخصّ الرئيس الحقيقي، ولكن ثمة من يخطط لانقلاب على هذا الوضع، فماذا سيكون مصيره؟