24 أكتوبر 2024
إسرائيل المعطوبة بصهيونيتها
تتعامل إسرائيل مع المعطيات الإقليمية والدولية على أنها الطرف المنتصر في صراع منطقة الشرق الأوسط، وتعمل من أجل تجسيد هذا الانتصار بمزيد من قمع الفلسطينيين وسلبهم أراضيهم وتوسيع المشروع الصهيوني.
على الرغم من صورة المنتصر التي تحاول إسرائيل تسويقها عن نفسها، فإنها تخفي مأزقا حقيقيا تعاني منه إسرائيل ومشروعها الذي بُني على أساس الأيديولوجيا الصهيونية. والصهيونية، بوصفها الأساس المكوِّن لدولة إسرائيل، تعاني من مأزق يتعمق كل يوم، ويظهر جلياً من خلال عدم قدرة إسرائيل على التحول إلى دولة طبيعية في المنطقة والعالم. وليست هذه الأزمة وليدة اليوم، وإنما تطبع تاريخها كله، فإسرائيل عاجزة عن حسم خياراتها المستقبلية، وغير قادرة على التحول إلى دولة طبيعية في المنطقة، وذلك من خلال صناعة السلام بالحد الأدنى، بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية الذي يمثل الأساس لهذا التحول. لذلك سعت، طوال ربع العقد المنصرم، إلى إفشال عملية المفاوضات.
منذ بدايته، شكل المشروع الصهيوني هجمة عدوانية على المنطقة، فقد اختارت الحركة الصهيونية، وبالتعاون مع بريطانيا، فلسطين لتنفيذ مشروعها ببناء وطن قومي لليهود على حساب الشعب الفلسطيني. على الرغم من أن عدد اليهود لم يصل إلى ثلث عدد السكان في فلسطين عام 1947، إلا أنهم كانوا قد حصلوا على أكثر من 56% من مساحة فلسطين، في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 1947. ومع تسارع التطورات السياسية في الأمم المتحدة التي تلت ذلك العام وما بعده، قامت المنظمة الصهيونية بتأسيس "مجلس وطني"، كان بمثابة برلمان للدولة الصهيونية القادمة، و"إدارة وطنية" كانت بمثابة حكومة للدولة المرتقبة. وتزعم ديفيد بن غوريون كلا من اللجنة التنفيذية الصهيونية واللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية والإدارة الوطنية. مع حلول عام 1948 وانتهاء الانتداب البريطاني، كانت العصابات الصهيونية جاهزةً لتنفيذ مخططاتها بطرد الفلسطينيين من خلال المذابح والاعتداءات التي قامت بها ضد السكان الفلسطينيين. وكشف المشروع الصهيوني عن نفسه بشكل نهائي، مشروعا استيطانيا اقتلاعيا إجلائيا وعنصريا. ومع حرب 1948، سيطرت القوات الصهيونية على 76 % من مساحة فلسطين التاريخية.
بقيام إسرائيل، تحقق الهدف المركزي للمنظمة الصهيونية، كما حدده مؤتمر بال في عام 1897. وقد دفع الواقع الجديد إلى ولادة اتجاه في إسرائيل، يتقدمه بن غوريون، يقول إن المنظمة الصهيونية العالمية بعد قيام إسرائيل فقدت مبرّر وجودها. وقد وقف بن غوريون بقوة ضد مركزية دور المنظمة الصهيونية العالمية، فقد أراد أن تصبح إسرائيل مركز العمل الصهيوني، وأن تقوم المنظمة الصهيونية العالمية بدور مكمل للدولة، باقتصار مهمتها على تهجير اليهود إلى فلسطين، وتقديم تعليم العبرية، وكان له ما أراد في النهاية.
وقد وضع المؤتمر الصهيوني السابع والعشرون في يونيو/ حزيران 1968 حداً لهذا الصراع على مركزية إسرائيل أو الصهيونية العالمية، ففي المؤتمرات السابقة، أطلت المفاهيم المتصارعة لدى المعسكرين بأشكال جديدة. فمن جهةٍ، أكدت المنظمة ضرورة تجديد حيويتها المفقودة منذ تأسيس الدولة، مشدّدة على أهمية استمرار يهود المنفى وازدهارهم، ليشكلوا "الدرع الواقي لإسرائيل والمعين المغذّي لها في الخارج"، ضمن هدف شامل، عنوانه "تأمين بقاء الشعب اليهودي". ومن جهة ثانية، أصرّت إسرائيل على أن القضية الأساسية ليهود العالم، وبالتالي للمنظمة الصهيونية، هي تقوية إسرائيل بالهجرة إليها، لا بتقديم الأموال إليها فحسب، وعلى أساس "مركزية إسرائيل" في كل الأمور، لأن ذلك هو الكفيل بضمان "بقاء الشعب اليهودي في العالم أجمع". حسم المؤتمر الصهيوني السابع والعشرون عام 1968 هذا الصراع على قاعدة "مركزية إسرائيل"، عندما نص برنامجه على أن "أهداف الصهيونية هي وحدة الشعب اليهودي، ومركزية أرض إسرائيل، وجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي عن طريق الهجرة من كل البقاع، وتقوية دولة إسرائيل القائمة على مُثُل الأنبياء في العدالة والسلام، والمحافظة على أصالة الشعب اليهودي بتنمية التعليم اليهودي، واللغة العبرية، وبث القيم الروحية والثقافية اليهودية".
منذ الستينات، قامت في إسرائيل وجهة نظر، تحاول إعادة النظر بالصهيونية، وبطبيعة إسرائيل، وقد عبر يوري أفنيري، مبكرا، عن وجهة النظر هذه، معتبراً أنه "مع استقلال إسرائيل ماتت الحركة الصهيونية ميتة طبيعية، وهي تحيا حياة وهمية". لقد وصلت الصهيونية إلى نهاية الشوط، باعتبارها حركة هجرة عالمية إلى إسرائيل، ويجب إعادة النظر في الأيديولوجيا الصهيونية. وقد أخذ هذا التيار المعارض لصهيونية الدولة في النمو منذ ذلك الحين، وان كان نموه بطيئاً. كما نما في التسعينات من القرن الماضي ما يسمونه في إسرائيل تيار ما بعد الصهيونية الذي يعيد النظر في الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل، ويعيد النظر في الرواية الرسمية الإسرائيلية لتاريخ الصراع، لكنه بقي تياراً هامشياً وأكاديميا.
إذا كان صحيحا أن قيام إسرائيل كان تجسيداً للمشروع الصهيوني، فإن من الصحيح أيضاً أن هذا التجسيد كان أقل من الطموح إلى حد كبير. لذلك، هناك في إسرائيل من يعتبر أن المشروع الصهيوني ما زال في حاجة إلى استكمال، كما يدعو اليمين القومي في إسرائيل، فعلى الرغم من الإنجاز المهم لها بإقامة دولة إسرائيل، إلا أن الصهيونية فشلت في تحقيق حشد اليهود في دولة إسرائيل، كما فشلت في أن تكون إسرائيل المكان الأكثر راحةً وأمناً وسعادة لليهود.
كما أن قيام دولة إسرائيل تمت تغطيته عبر الشرعية الدولية، بقرار التقسيم الصادر في 1947، وقد سمحت الظروف الدولية بذلك في حينها، ما شرَّع إقامة الدولة، لكن الواقع التوسعي الذي قام بعد 1967 لم يتم تشريعه، ولا يبدو ذلك ممكناً في الأفق، على الرغم من كل المحاولات التي تبذلها إسرائيل والولايات المتحدة. بذلك ظل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة غير مشروع، من وجهة النظر الدولية بالمعاني كافة، كما أن اليهودي الساعي إلى الهجرة من أي بلد، لم تعد إسرائيل أولوياته. والعامل الرئيسي الذي بات يشكل قلقاً لإسرائيل هو تراجع عدد اليهود في العالم.
قامت الصهيونية ارتباطاً بحل "المشكلة اليهودية" لتخليص اليهود، وإنقاذهم من معاناتهم. والآن، تحولت معاناة اليهود إلى ذكرى قاسية، فأوضاعهم في بلدان كثيرة أفضل من أوضاعهم في إسرائيل ذاتها. لقد جلبت الصهيونية الكوارث إلى المنطقة من خلال العدوانية والعنصرية، والحالة الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة أن يحيا اليهود حياة طبيعية في المنطقة، بالتخلي عن صهيونية إسرائيل، وهذا ما فشلت إسرائيل في الوصول إلى قرار بشأنه.
على الرغم من صورة المنتصر التي تحاول إسرائيل تسويقها عن نفسها، فإنها تخفي مأزقا حقيقيا تعاني منه إسرائيل ومشروعها الذي بُني على أساس الأيديولوجيا الصهيونية. والصهيونية، بوصفها الأساس المكوِّن لدولة إسرائيل، تعاني من مأزق يتعمق كل يوم، ويظهر جلياً من خلال عدم قدرة إسرائيل على التحول إلى دولة طبيعية في المنطقة والعالم. وليست هذه الأزمة وليدة اليوم، وإنما تطبع تاريخها كله، فإسرائيل عاجزة عن حسم خياراتها المستقبلية، وغير قادرة على التحول إلى دولة طبيعية في المنطقة، وذلك من خلال صناعة السلام بالحد الأدنى، بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية الذي يمثل الأساس لهذا التحول. لذلك سعت، طوال ربع العقد المنصرم، إلى إفشال عملية المفاوضات.
منذ بدايته، شكل المشروع الصهيوني هجمة عدوانية على المنطقة، فقد اختارت الحركة الصهيونية، وبالتعاون مع بريطانيا، فلسطين لتنفيذ مشروعها ببناء وطن قومي لليهود على حساب الشعب الفلسطيني. على الرغم من أن عدد اليهود لم يصل إلى ثلث عدد السكان في فلسطين عام 1947، إلا أنهم كانوا قد حصلوا على أكثر من 56% من مساحة فلسطين، في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 1947. ومع تسارع التطورات السياسية في الأمم المتحدة التي تلت ذلك العام وما بعده، قامت المنظمة الصهيونية بتأسيس "مجلس وطني"، كان بمثابة برلمان للدولة الصهيونية القادمة، و"إدارة وطنية" كانت بمثابة حكومة للدولة المرتقبة. وتزعم ديفيد بن غوريون كلا من اللجنة التنفيذية الصهيونية واللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية والإدارة الوطنية. مع حلول عام 1948 وانتهاء الانتداب البريطاني، كانت العصابات الصهيونية جاهزةً لتنفيذ مخططاتها بطرد الفلسطينيين من خلال المذابح والاعتداءات التي قامت بها ضد السكان الفلسطينيين. وكشف المشروع الصهيوني عن نفسه بشكل نهائي، مشروعا استيطانيا اقتلاعيا إجلائيا وعنصريا. ومع حرب 1948، سيطرت القوات الصهيونية على 76 % من مساحة فلسطين التاريخية.
بقيام إسرائيل، تحقق الهدف المركزي للمنظمة الصهيونية، كما حدده مؤتمر بال في عام 1897. وقد دفع الواقع الجديد إلى ولادة اتجاه في إسرائيل، يتقدمه بن غوريون، يقول إن المنظمة الصهيونية العالمية بعد قيام إسرائيل فقدت مبرّر وجودها. وقد وقف بن غوريون بقوة ضد مركزية دور المنظمة الصهيونية العالمية، فقد أراد أن تصبح إسرائيل مركز العمل الصهيوني، وأن تقوم المنظمة الصهيونية العالمية بدور مكمل للدولة، باقتصار مهمتها على تهجير اليهود إلى فلسطين، وتقديم تعليم العبرية، وكان له ما أراد في النهاية.
وقد وضع المؤتمر الصهيوني السابع والعشرون في يونيو/ حزيران 1968 حداً لهذا الصراع على مركزية إسرائيل أو الصهيونية العالمية، ففي المؤتمرات السابقة، أطلت المفاهيم المتصارعة لدى المعسكرين بأشكال جديدة. فمن جهةٍ، أكدت المنظمة ضرورة تجديد حيويتها المفقودة منذ تأسيس الدولة، مشدّدة على أهمية استمرار يهود المنفى وازدهارهم، ليشكلوا "الدرع الواقي لإسرائيل والمعين المغذّي لها في الخارج"، ضمن هدف شامل، عنوانه "تأمين بقاء الشعب اليهودي". ومن جهة ثانية، أصرّت إسرائيل على أن القضية الأساسية ليهود العالم، وبالتالي للمنظمة الصهيونية، هي تقوية إسرائيل بالهجرة إليها، لا بتقديم الأموال إليها فحسب، وعلى أساس "مركزية إسرائيل" في كل الأمور، لأن ذلك هو الكفيل بضمان "بقاء الشعب اليهودي في العالم أجمع". حسم المؤتمر الصهيوني السابع والعشرون عام 1968 هذا الصراع على قاعدة "مركزية إسرائيل"، عندما نص برنامجه على أن "أهداف الصهيونية هي وحدة الشعب اليهودي، ومركزية أرض إسرائيل، وجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي عن طريق الهجرة من كل البقاع، وتقوية دولة إسرائيل القائمة على مُثُل الأنبياء في العدالة والسلام، والمحافظة على أصالة الشعب اليهودي بتنمية التعليم اليهودي، واللغة العبرية، وبث القيم الروحية والثقافية اليهودية".
منذ الستينات، قامت في إسرائيل وجهة نظر، تحاول إعادة النظر بالصهيونية، وبطبيعة إسرائيل، وقد عبر يوري أفنيري، مبكرا، عن وجهة النظر هذه، معتبراً أنه "مع استقلال إسرائيل ماتت الحركة الصهيونية ميتة طبيعية، وهي تحيا حياة وهمية". لقد وصلت الصهيونية إلى نهاية الشوط، باعتبارها حركة هجرة عالمية إلى إسرائيل، ويجب إعادة النظر في الأيديولوجيا الصهيونية. وقد أخذ هذا التيار المعارض لصهيونية الدولة في النمو منذ ذلك الحين، وان كان نموه بطيئاً. كما نما في التسعينات من القرن الماضي ما يسمونه في إسرائيل تيار ما بعد الصهيونية الذي يعيد النظر في الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل، ويعيد النظر في الرواية الرسمية الإسرائيلية لتاريخ الصراع، لكنه بقي تياراً هامشياً وأكاديميا.
إذا كان صحيحا أن قيام إسرائيل كان تجسيداً للمشروع الصهيوني، فإن من الصحيح أيضاً أن هذا التجسيد كان أقل من الطموح إلى حد كبير. لذلك، هناك في إسرائيل من يعتبر أن المشروع الصهيوني ما زال في حاجة إلى استكمال، كما يدعو اليمين القومي في إسرائيل، فعلى الرغم من الإنجاز المهم لها بإقامة دولة إسرائيل، إلا أن الصهيونية فشلت في تحقيق حشد اليهود في دولة إسرائيل، كما فشلت في أن تكون إسرائيل المكان الأكثر راحةً وأمناً وسعادة لليهود.
كما أن قيام دولة إسرائيل تمت تغطيته عبر الشرعية الدولية، بقرار التقسيم الصادر في 1947، وقد سمحت الظروف الدولية بذلك في حينها، ما شرَّع إقامة الدولة، لكن الواقع التوسعي الذي قام بعد 1967 لم يتم تشريعه، ولا يبدو ذلك ممكناً في الأفق، على الرغم من كل المحاولات التي تبذلها إسرائيل والولايات المتحدة. بذلك ظل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة غير مشروع، من وجهة النظر الدولية بالمعاني كافة، كما أن اليهودي الساعي إلى الهجرة من أي بلد، لم تعد إسرائيل أولوياته. والعامل الرئيسي الذي بات يشكل قلقاً لإسرائيل هو تراجع عدد اليهود في العالم.
قامت الصهيونية ارتباطاً بحل "المشكلة اليهودية" لتخليص اليهود، وإنقاذهم من معاناتهم. والآن، تحولت معاناة اليهود إلى ذكرى قاسية، فأوضاعهم في بلدان كثيرة أفضل من أوضاعهم في إسرائيل ذاتها. لقد جلبت الصهيونية الكوارث إلى المنطقة من خلال العدوانية والعنصرية، والحالة الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة أن يحيا اليهود حياة طبيعية في المنطقة، بالتخلي عن صهيونية إسرائيل، وهذا ما فشلت إسرائيل في الوصول إلى قرار بشأنه.