28 ديسمبر 2021
إسرائيل بين المقاطعة وأزمة الائتلاف الحكومي
تشير تحليلات ومقالات إسرائيلية عديدة إلى مزيد من تدهور وضع إسرائيل الدولي، عقب اشتداد واتساع المزيد من الأطواق حولها، على خلفية محاولات نزع الشرعية عنها، في حين يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وائتلافه الضيق، إشكالات عديدة من شأنها الدفع إلى تفكك الائتلاف، والخشية من التوجه إلى انتخابات مبكرة جدا، نظرا لأن حكومته ليست قادرة على مواجهة ما أطلق عليه بعضهم "كارثة سياسية/اقتصادية".
وبحسب يوسي فيرطر في صحيفة "هآرتس"، الخامس من يونيو/حزيران الجاري، يتضح أن هناك إجماعا بين اللاعبين السياسيين، من الائتلاف والمعارضة، على أن وضع إسرائيل الدولي يتدهور من سيئ إلى أسوأ وبسرعة. ففي أوائل الشهر الجاري، منع إقصاء إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في اللحظة الأخيرة، علاوة على تحقيق حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل، انتصاراً نوعياً، عندما قرر المجلس التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة بريطانيا الانضمام إلى الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل.
وفي اجتماع طارئ، رأت الحكومة الإسرائيلية في قرار الاتحاد الذي يمثّل أكثر من 7 ملايين طالب وطالبة في كل الجامعات البريطانية، وتوسّع حركة المقاطعة العالمية، خطراً حقيقياً يتهدد شرعية وجود إسرائيل، ولفت فيرطر إلى المقابلة التي أجرتها القناة الإسرائيلية الثانية مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حيث وصفه بأنه "غرس السيف الدبلوماسي وأداره". وكتب أن تهديد أوباما أنه لن يستخدم حق النقض، بشكل تلقائي، يعني "استباحة دم إسرائيل في الساحة الدولية".
وبالنتيجة، وعلى خلفية هذا كله، ليس مصادفة أن يسارع نتنياهو إلى إصدار تعليماته للوزراء ونوابهم بعدم الرد على أوباما. ونقل عن مقربين منه قولهم إنه لم يرغب بإثارة "مواجهة لا حاجة لها" مع الأميركيين. ويضيف أن الطوق يشتد على إسرائيل، في حين أن حكومة اليمين التي تشكلت قبل أسابيع غير قادرة على مواجهة ما بات يبدو "كارثة سياسية اقتصادية".
وكان تقرير سري أعدته وزارة المالية الإسرائيلية قد أوضح الأضرار المحتملة لحملات المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي قد تصل، في أشد الحالات، إلى إلغاء المعاهدات الاقتصادية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. ونشرت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية أبرز النقاط التي جاءت في التقرير، بعد أن ألزمت محكمة إسرائيلية وزارة المالية بنشره، في أعقاب التماس تقدمت به حركة "حرية المعلومات". وجرى وصف التقرير وتسميته "سيناريو الرعب" جراء حملات المقاطعة، وهو سيناريو يتمثل، حسب الصحيفة، في "تراجع الصادرات الإسرائيلية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية بشكل حاد، ما يؤدي إلى عجز في ميزان المدفوعات، واضطرار إسرائيل إلى فحص إمكانية تحديد سعر صرف الشيكل، واستخدام الاحتياطي من العملات الأجنبية في بنك إسرائيل".
إضافة إلى المقاطعة ومحاولات نزع الشرعية عن كيانه، هناك متاعب تواجه نتنياهو، وتؤرقه في تموضعه داخل الحكومة، ما بات يراه في كتلة "كولانو" برئاسة وزير المالية، موشي كحلون، الحلقة الضعيفة في الائتلاف، خصوصاً وأن "البيت اليهودي" و"الحريديين" لن يسقطوا حكومة يمين، في حين أن كحلون، وعلى الرغم من أصوله الليكودية، فهو وزير مالية ولديه مسؤولياته. وكان قد صرح في جلسة مغلقة لكتلته، أخيراً، أن "من الصعب، بل من المستحيل، مواصلة العمل في ائتلاف كهذا مع 61 عضو كنيست". وبحسب فيرطر، وصلت هذه التصريحات التي لم تنشر في وسائل الإعلام، إلى مكتب نتنياهو، وفي أعقاب ذلك، بدأ يتردد الهمس حول سيناريو حكومة وحدة، ورسائل من المعسكر الصهيوني وإليه.
في المقابل، لا ينفي نتنياهو، وفي محادثات خاصة، سيناريو إجراء انتخابات مبكرة جداً، وبالتالي، هو يسعى إلى ترتيب "بوليصة تأمين سياسي" لنفسه. ولذلك، حاول، في محادثات أجراها مع كحلون، إقناعه بأن يحذو حذو أفيغدور ليبرمان، عشية انتخابات 2013، ودمج كتلته مع كتلة الليكود في قائمة مشتركة، تخوض الانتخابات المقبلة، وتحصل على 40 عضو كنيست. كما يعمل نتنياهو على تأجيل المصادقة على ميزانية 2015 – 2016 في الكنيست إلى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني، في محاولة منه لإطالة أمد حكومته.
من جهة أخرى، ما يعزى، بل ما قد يساهم في فتح الطريق أمام "حكومة وحدة"، تلك الحملات المتزايدة من المقاطعة التي بلغت أوجها، أخيراً، بإعلان شركة التأمين العملاقة في النرويج (KLP) أنها قررت سحب استثماراتها من شركتين دوليتين كبيرتين لتصنيع مواد بناء، بسبب نشاطهما في الضفة الغربية المحتلة. وأوضحت الشركة النرويجية أن شركتي "هايدلبرغ سيميت" و"سيميكس" تشغلان، بواسطة شركات إسرائيلية تابعة لهما، كسّارات في الضفة الغربية، وتستغلان بذلك موارد طبيعية في مناطق محتلة، بصورةٍ تخالف معاهدة جنيف. وذكرت، في بيان لها، أن في حوزتها أسهماً في الشركتين المذكورتين، بقيمة خمسة ملايين دولار، وأنها باعت هذه الأسهم، وأنهت استثماراتها في الشركتين في مطلع يونيو/حزيران الجاري. فيما يشار إلى أن الشركة النرويجية تؤمن مستخدمي السلطات المحلية في النرويج، ويبلغ حجم رأسمالها 35 مليار دولار.
ولفتت "هآرتس" إلى أن قرار الشركة النرويجية نوع غير مألوف من مقاطعة أنشطة إسرائيلية في الأراضي المحتلة، إذ ليس قرارها مقاطعة منتجات المستوطنات، ولا الشركات التي تصنعها، وإنما مقاطعة شركات دولية، لديها علاقات اقتصادية مع شركات إسرائيلية تنشط في الأراضي المحتلة، الأمر الذي قد يحرك مجدداً احتمالات توجه نتنياهو إلى توسيع صفوف حكومته، وضم حزب "المعسكر الصهيوني" المعارض، برئاسة يتسحاق هرتسوغ، لمواجهة الحملة.
وفي هذا السياق، ذكرت "هآرتس" أنه تم تبادل رسائل بين هرتسوغ ونتنياهو عبر وسطاء، لفحص إمكانات تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، على أن يكون موضوع المقاطعة ومكافحتها الورقة التي يدخل منها هرتسوغ للحكومة، تحت شعار "المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل". ويأمل نتنياهو، في حال تحوّل هذا الخيار إلى "خيار واقعي"، إلى استغلال العلاقات الحسنة لقادة "المعسكر الصهيوني"، وفي مقدمتهم هرتسوغ وتسيبي ليفني، للتأثير على زعماء الدول الأوروبية للتحرك ضد حركة المقاطعة، في المرحلة الأولى، وبذل جهود لوقف المبادرة الفرنسية في المرحلة التالية.
من هذا المدخل نفسه، تسعى إسرائيل إلى إقناع فرنسا بعدم طرح مبادرة وزير خارجيتها، لوران فابيوس، على الأمم المتحدة، لاستصدار قرارٍ بتحديد جدول زمني للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى 18 شهراً، يتم بعدها الاعتراف بدولة فلسطين. كما يسعى نتنياهو، في ظل التوتر في العلاقات بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الاستفادة من "التأثير الإيجابي" لـ "المعسكر الصهيوني" على إدارة أوباما.
لهذا، يساوي خطاب الحكومة الإسرائيلية، في وضعها الحالي، بين "خطر" انتشار حركة المقاطعة وأخطار أخرى مثل البرنامج النووي الإيراني، أو أخطار الوضع الكفاحي الفلسطيني، وتوجهات السلطة نحو المؤسسات الدولية، ما دعا نتنياهو إلى توجيه نداء عاجل بضرورة التصدي لحركة المقاطعة عبر حملة مضادة، وهو نداء لاقى تجاوباً من قطب أندية القمار، الأميركي شيلدون أديلسون، أحد أكبر داعمي إسرائيل، والذي دعا كبار الأثرياء الموالين لإسرائيل، إلى اجتماع في لاس فيغاس، بهدف وضع استراتيجية لمواجهة نفوذ حركة المقاطعة والحركات المماثلة في الجامعات الأميركية. وربما هذا، أيضاً، ما استدعى الاستعانة مجدداً بخبرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بعد استقالته من الرباعية الدولية، حيث تم الإعلان عن تعيينه رئيساً لـما يسمى "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة"، وهي جماعة ضغط تدعو إلى سنّ قوانين تُشدد العقوبات على ما يُسمى "اللاسامية"، بما في ذلك إنكار "المحرقة".
من هنا أهمية فهم مغزى "رسالة المقاطعة"، ما دعا نتنياهو إلى توجيه انتقادات لحملات المقاطعة الدولية ضد إسرائيل، حين قال: "نحن في خضم حملة عالمية منظمة لنزع الشرعية عن إسرائيل"، معتبراً أنّه "يجب محاربة نزع الشرعية، إنها لا تتعلق بسياسات إسرائيلية معينة، وإنما بحقنا في الوجود هنا شعباً حراً، حقنا في الدفاع عن أنفسنا، وحقنا في تقرير مستقبلنا".
وعلى خطى نتنياهو، اعتبر وزير الأمن، موشيه يعالون، أن الاستراتيجية الإيرانية لبسط هيمنة إيران على منطقة الشرق الأوسط، مصحوبةً بالسعي إلى الوصول إلى مكانة دولة "حافة نووية"، يشكل إلى جانب المساعي الفلسطينية لنزع الشرعية عن إسرائيل، وحملات المقاطعة التي أسماها "حملات شيطنة إسرائيل"، التحديين الأساسيين للأمن القومي الإسرائيلي في السنوات المقبلة.
وخلال "مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية"، تطرق يعالون إلى ما أسماه "نزع الشرعية عن إسرائيل"، معتبراً أنه "وإن كان يتفهم انضمام دول عربية وإسلامية، كـ (تركيا) وتيارات تابعة للإخوان المسلمين، وللقوميين العرب خارج وداخل إسرائيل، كما تجلى في مشاركة النائبة حنين زعبي، في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، عام 2010، إلا أنّه لا يرى سبباً في انخراط أطرافٍ، بحسب زعمه، يفترض فيها أنها تملك ما أسماها (قيماً مشتركة) مع إسرائيل، وتواجه الأخطار نفسها"، قاصداً بذلك، بحسب تعبيره، أطرافاً أوروبية، كمؤسسات دولية وجامعات، عازياً ذلك إلى "السذاجة السياسية والانجرار وراء شعارات حقوق الإنسان من جهة، ووجود عناصر لاسامية بين هذه الجهات"، على حد وصفه.
هكذا بين الوضع الحكومي الهش وحركة المقاطعة المتنامية دوليا، الساعية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل وكيانها، يبدو نتنياهو في وضع غير مريح، وهو يواجه العديد من مسببات سقوطه، أو ربما إسقاطه، من على حد السكين، وهو التوصيف الأكثر دقة لمواقع حكومة ائتلاف الـ 61 نائبا، المشلولة عمليا، والتي قد تواجه مناكفات حزبية عديدة داخل الكنيست ومن خارجه، الأمر الذي قد يدفعه إلى تقديم إغراءات وتقدمات غير مبدئية عديدة، من أجل الحفاظ على حكومته، وفي أحسن الأحوال أو أسوأها، الاتجاه صوب "حكومة وحدة" غير متحدة سوى في الشكل.. ليس إلا.
وفي اجتماع طارئ، رأت الحكومة الإسرائيلية في قرار الاتحاد الذي يمثّل أكثر من 7 ملايين طالب وطالبة في كل الجامعات البريطانية، وتوسّع حركة المقاطعة العالمية، خطراً حقيقياً يتهدد شرعية وجود إسرائيل، ولفت فيرطر إلى المقابلة التي أجرتها القناة الإسرائيلية الثانية مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حيث وصفه بأنه "غرس السيف الدبلوماسي وأداره". وكتب أن تهديد أوباما أنه لن يستخدم حق النقض، بشكل تلقائي، يعني "استباحة دم إسرائيل في الساحة الدولية".
وبالنتيجة، وعلى خلفية هذا كله، ليس مصادفة أن يسارع نتنياهو إلى إصدار تعليماته للوزراء ونوابهم بعدم الرد على أوباما. ونقل عن مقربين منه قولهم إنه لم يرغب بإثارة "مواجهة لا حاجة لها" مع الأميركيين. ويضيف أن الطوق يشتد على إسرائيل، في حين أن حكومة اليمين التي تشكلت قبل أسابيع غير قادرة على مواجهة ما بات يبدو "كارثة سياسية اقتصادية".
وكان تقرير سري أعدته وزارة المالية الإسرائيلية قد أوضح الأضرار المحتملة لحملات المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي قد تصل، في أشد الحالات، إلى إلغاء المعاهدات الاقتصادية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. ونشرت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية أبرز النقاط التي جاءت في التقرير، بعد أن ألزمت محكمة إسرائيلية وزارة المالية بنشره، في أعقاب التماس تقدمت به حركة "حرية المعلومات". وجرى وصف التقرير وتسميته "سيناريو الرعب" جراء حملات المقاطعة، وهو سيناريو يتمثل، حسب الصحيفة، في "تراجع الصادرات الإسرائيلية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية بشكل حاد، ما يؤدي إلى عجز في ميزان المدفوعات، واضطرار إسرائيل إلى فحص إمكانية تحديد سعر صرف الشيكل، واستخدام الاحتياطي من العملات الأجنبية في بنك إسرائيل".
إضافة إلى المقاطعة ومحاولات نزع الشرعية عن كيانه، هناك متاعب تواجه نتنياهو، وتؤرقه في تموضعه داخل الحكومة، ما بات يراه في كتلة "كولانو" برئاسة وزير المالية، موشي كحلون، الحلقة الضعيفة في الائتلاف، خصوصاً وأن "البيت اليهودي" و"الحريديين" لن يسقطوا حكومة يمين، في حين أن كحلون، وعلى الرغم من أصوله الليكودية، فهو وزير مالية ولديه مسؤولياته. وكان قد صرح في جلسة مغلقة لكتلته، أخيراً، أن "من الصعب، بل من المستحيل، مواصلة العمل في ائتلاف كهذا مع 61 عضو كنيست". وبحسب فيرطر، وصلت هذه التصريحات التي لم تنشر في وسائل الإعلام، إلى مكتب نتنياهو، وفي أعقاب ذلك، بدأ يتردد الهمس حول سيناريو حكومة وحدة، ورسائل من المعسكر الصهيوني وإليه.
في المقابل، لا ينفي نتنياهو، وفي محادثات خاصة، سيناريو إجراء انتخابات مبكرة جداً، وبالتالي، هو يسعى إلى ترتيب "بوليصة تأمين سياسي" لنفسه. ولذلك، حاول، في محادثات أجراها مع كحلون، إقناعه بأن يحذو حذو أفيغدور ليبرمان، عشية انتخابات 2013، ودمج كتلته مع كتلة الليكود في قائمة مشتركة، تخوض الانتخابات المقبلة، وتحصل على 40 عضو كنيست. كما يعمل نتنياهو على تأجيل المصادقة على ميزانية 2015 – 2016 في الكنيست إلى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني، في محاولة منه لإطالة أمد حكومته.
من جهة أخرى، ما يعزى، بل ما قد يساهم في فتح الطريق أمام "حكومة وحدة"، تلك الحملات المتزايدة من المقاطعة التي بلغت أوجها، أخيراً، بإعلان شركة التأمين العملاقة في النرويج (KLP) أنها قررت سحب استثماراتها من شركتين دوليتين كبيرتين لتصنيع مواد بناء، بسبب نشاطهما في الضفة الغربية المحتلة. وأوضحت الشركة النرويجية أن شركتي "هايدلبرغ سيميت" و"سيميكس" تشغلان، بواسطة شركات إسرائيلية تابعة لهما، كسّارات في الضفة الغربية، وتستغلان بذلك موارد طبيعية في مناطق محتلة، بصورةٍ تخالف معاهدة جنيف. وذكرت، في بيان لها، أن في حوزتها أسهماً في الشركتين المذكورتين، بقيمة خمسة ملايين دولار، وأنها باعت هذه الأسهم، وأنهت استثماراتها في الشركتين في مطلع يونيو/حزيران الجاري. فيما يشار إلى أن الشركة النرويجية تؤمن مستخدمي السلطات المحلية في النرويج، ويبلغ حجم رأسمالها 35 مليار دولار.
ولفتت "هآرتس" إلى أن قرار الشركة النرويجية نوع غير مألوف من مقاطعة أنشطة إسرائيلية في الأراضي المحتلة، إذ ليس قرارها مقاطعة منتجات المستوطنات، ولا الشركات التي تصنعها، وإنما مقاطعة شركات دولية، لديها علاقات اقتصادية مع شركات إسرائيلية تنشط في الأراضي المحتلة، الأمر الذي قد يحرك مجدداً احتمالات توجه نتنياهو إلى توسيع صفوف حكومته، وضم حزب "المعسكر الصهيوني" المعارض، برئاسة يتسحاق هرتسوغ، لمواجهة الحملة.
وفي هذا السياق، ذكرت "هآرتس" أنه تم تبادل رسائل بين هرتسوغ ونتنياهو عبر وسطاء، لفحص إمكانات تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، على أن يكون موضوع المقاطعة ومكافحتها الورقة التي يدخل منها هرتسوغ للحكومة، تحت شعار "المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل". ويأمل نتنياهو، في حال تحوّل هذا الخيار إلى "خيار واقعي"، إلى استغلال العلاقات الحسنة لقادة "المعسكر الصهيوني"، وفي مقدمتهم هرتسوغ وتسيبي ليفني، للتأثير على زعماء الدول الأوروبية للتحرك ضد حركة المقاطعة، في المرحلة الأولى، وبذل جهود لوقف المبادرة الفرنسية في المرحلة التالية.
من هذا المدخل نفسه، تسعى إسرائيل إلى إقناع فرنسا بعدم طرح مبادرة وزير خارجيتها، لوران فابيوس، على الأمم المتحدة، لاستصدار قرارٍ بتحديد جدول زمني للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى 18 شهراً، يتم بعدها الاعتراف بدولة فلسطين. كما يسعى نتنياهو، في ظل التوتر في العلاقات بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الاستفادة من "التأثير الإيجابي" لـ "المعسكر الصهيوني" على إدارة أوباما.
لهذا، يساوي خطاب الحكومة الإسرائيلية، في وضعها الحالي، بين "خطر" انتشار حركة المقاطعة وأخطار أخرى مثل البرنامج النووي الإيراني، أو أخطار الوضع الكفاحي الفلسطيني، وتوجهات السلطة نحو المؤسسات الدولية، ما دعا نتنياهو إلى توجيه نداء عاجل بضرورة التصدي لحركة المقاطعة عبر حملة مضادة، وهو نداء لاقى تجاوباً من قطب أندية القمار، الأميركي شيلدون أديلسون، أحد أكبر داعمي إسرائيل، والذي دعا كبار الأثرياء الموالين لإسرائيل، إلى اجتماع في لاس فيغاس، بهدف وضع استراتيجية لمواجهة نفوذ حركة المقاطعة والحركات المماثلة في الجامعات الأميركية. وربما هذا، أيضاً، ما استدعى الاستعانة مجدداً بخبرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بعد استقالته من الرباعية الدولية، حيث تم الإعلان عن تعيينه رئيساً لـما يسمى "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة"، وهي جماعة ضغط تدعو إلى سنّ قوانين تُشدد العقوبات على ما يُسمى "اللاسامية"، بما في ذلك إنكار "المحرقة".
من هنا أهمية فهم مغزى "رسالة المقاطعة"، ما دعا نتنياهو إلى توجيه انتقادات لحملات المقاطعة الدولية ضد إسرائيل، حين قال: "نحن في خضم حملة عالمية منظمة لنزع الشرعية عن إسرائيل"، معتبراً أنّه "يجب محاربة نزع الشرعية، إنها لا تتعلق بسياسات إسرائيلية معينة، وإنما بحقنا في الوجود هنا شعباً حراً، حقنا في الدفاع عن أنفسنا، وحقنا في تقرير مستقبلنا".
وعلى خطى نتنياهو، اعتبر وزير الأمن، موشيه يعالون، أن الاستراتيجية الإيرانية لبسط هيمنة إيران على منطقة الشرق الأوسط، مصحوبةً بالسعي إلى الوصول إلى مكانة دولة "حافة نووية"، يشكل إلى جانب المساعي الفلسطينية لنزع الشرعية عن إسرائيل، وحملات المقاطعة التي أسماها "حملات شيطنة إسرائيل"، التحديين الأساسيين للأمن القومي الإسرائيلي في السنوات المقبلة.
وخلال "مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية"، تطرق يعالون إلى ما أسماه "نزع الشرعية عن إسرائيل"، معتبراً أنه "وإن كان يتفهم انضمام دول عربية وإسلامية، كـ (تركيا) وتيارات تابعة للإخوان المسلمين، وللقوميين العرب خارج وداخل إسرائيل، كما تجلى في مشاركة النائبة حنين زعبي، في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، عام 2010، إلا أنّه لا يرى سبباً في انخراط أطرافٍ، بحسب زعمه، يفترض فيها أنها تملك ما أسماها (قيماً مشتركة) مع إسرائيل، وتواجه الأخطار نفسها"، قاصداً بذلك، بحسب تعبيره، أطرافاً أوروبية، كمؤسسات دولية وجامعات، عازياً ذلك إلى "السذاجة السياسية والانجرار وراء شعارات حقوق الإنسان من جهة، ووجود عناصر لاسامية بين هذه الجهات"، على حد وصفه.
هكذا بين الوضع الحكومي الهش وحركة المقاطعة المتنامية دوليا، الساعية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل وكيانها، يبدو نتنياهو في وضع غير مريح، وهو يواجه العديد من مسببات سقوطه، أو ربما إسقاطه، من على حد السكين، وهو التوصيف الأكثر دقة لمواقع حكومة ائتلاف الـ 61 نائبا، المشلولة عمليا، والتي قد تواجه مناكفات حزبية عديدة داخل الكنيست ومن خارجه، الأمر الذي قد يدفعه إلى تقديم إغراءات وتقدمات غير مبدئية عديدة، من أجل الحفاظ على حكومته، وفي أحسن الأحوال أو أسوأها، الاتجاه صوب "حكومة وحدة" غير متحدة سوى في الشكل.. ليس إلا.