إسرائيل تحبط "طبخة" طهران في الجولان

23 يناير 2015

تشييع مقاتلي حزب الله الذين قضوا في القنيطرة (20يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
يبدو أنه لم يعد من الصعب تحديد، أو تسمية، تلك "الحرب الخفية" التي تشنها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان، كما في سورية، ففي هذه الحرب ضد ما يسمى محور "المقاومة والممانعة"، تقف فيها سورية النظام، في ظل حربها الداخلية، شبه محايدة، في انتظار أن تحدد هي مواعيد الردود التي يمكن أن تقوم بها ضد إسرائيل، وضرباتها وغاراتها الجوية ضد أهداف سورية في سورية، وضد أهداف خاصة بحزب الله في الأراضي السورية، أو في مناطق حدودية بين سورية ولبنان، من قبيل ضرب أسلحة وصواريخ يجري نقلها من سورية إلى لبنان، وربما العكس أيضا، في ظل حاجة القوات السورية، وقوات الحزب إلى مزيد من الأسلحة، وما يقال عن تحريك صواريخ الفاتح الاستراتيجية الدقيقة.
تجلت الحرب الخفية التي باتت أكثر من معلنة، أخيراً، بأنها حرب تحذيرية، كما أطلق عليها في بعض الإعلام الإسرائيلي، كونها تجري في مواجهة "إشراف إيراني" على بناء قواعد لمنظومات أسلحة استراتيجية أكثر دقة، توجد في سورية، في حوزة النظام كما في حوزة مقاتلي حزب الله، وهذا ما كشفت عنه مصادر إستخباراتية لموقع "ديبكا فايلز" الإسرائيلي، ذكرت أنّ الموكب الذي كان يضمّ قياديين إيرانيين ومسؤولين بارزين من حزب الله في القنيطرة كان يقوم بعملية كشف ميداني على موقع للحزب، بهدف نشر صواريخ في الجهة السورية من الجولان. لذلك، هدفت إسرائيل من الغارة، إيصال رسالة تحذيرية لكل من إيران ودمشق وحزب الله بأنّ الجولان خارج الحدود، وخصوصًا القنيطرة. ونقل الموقع عن مصادره العسكرية أن قياديين من حزب الله حضروا إلى القنيطرة في يونيو/حزيران 2014، وحينها حذرت إسرائيل الحزب بضرورة أن يسحب عناصره من الجولان، وإلا سيتم استهدافهم، وبالفعل، انسحب هؤلاء بعد وقت قصير.
ولكن، فيما بعد، شهد الوضع تطورات ميدانية، حين عزز الجيش السوري امتلاكه صواريخ أرض - أرض في القنيطرة، إضافةً إلى صواريخ "فاتح 110" الإيرانية. وقبل فترة وجيزة من نشر الأسلحة في العاشر من يناير/كانون ثاني الجاري، زار رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري، العماد علي عبدالله أيوب، الموقع، يرافقه ضباط من الحرس الثوري الإيراني بملابس مدنية، وقدموا استشارات استراتيجية للقيادة السورية لمختلف الجبهات، وبعد هذه الزيارة استُقدمت صواريخ إلى المكان. وبعد أيام، أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، أنّ المقاومة تملك صورايخ مشابهة لفاتح منذ العام 2006، ويمكن أن تصل إلى أي هدف داخل إسرائيل.
ويضيف "ديبكا": "يبدو أنّ نصرالله كان يشير إلى أنّ موقع الصواريخ التي يملكها الحزب داخل الجولان تحسّن، فباتت تمتلك دقة وسهولة أكبر في إطلاقها على إسرائيل. وما لم يقله نصرالله هو الخطة التي طبخت في طهران لربط عناصر حزب الله بقاعدة بطاريات الصواريخ، وإطلاق الصواريخ لأول مرة من الأراضي السورية"، خاتمًا: "هذه هي الخطة التي هدفت المروحية الإسرائيلية إلى قصفها".
وعقب الإعلان عن الغارة، والتي أسفرت عن مقتل قيادات في حزب الله، منهم جهاد عماد مغنية، والذي كان يعد أحد أبرز العقول المدبرة للحزب؛ ذكر التلفزيون الإسرائيلي أن جهاد مغنية "من أبرز القادة الشبان في حزب الله، ومن المقربين للأمين العام نصر الله، وتمتع بعلاقات طيبة إلى حد كبير مع إيران، وتحديداً الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي سيجعل من وفاته جرس إنذار حاد يدوي في الحزب، خصوصاً وأنه كان مسؤولاً رفيعاً عن الارتباط الأمني مع إيران، وهي مهمة لا يتم تكليفها إلا لكبار الخبراء وأصحاب الثقة داخل منظومة الحزب الأمنية". وحسب المخابرات الإسرائيلية، فإن مغنية كان مسؤولاً عن تشغيل بضع شبكات مرتبطة بالحرب السورية في منطقة الجولان، ما يعني أن موته يثبت عدم صدق نصر الله أن قواته لم ولن تعمل في منطقة الجولان. ولفتت صحف إسرائيلية إلى أن اغتيال مغنية أثبت وجود "عملاء" لإسرائيل في سورية، أو داخل حزب الله نفسه، إذ تأتي دقة العملية وتوقيتها وقتل إسرائيل عملاء لحزب الله، بعد دخولهم منطقة القنيطرة بدقائق، لتؤكد هذه المعلومة. وكان الحزب اعترف بالقبض على أحد العملاء في صفوفه، وهو الذي ذكر الحزب أنه كان أحد أبرز أعضاء المنظومة الأمنية، ما يؤكد أن ثمة خللاً أمنياً في صفوف الحزب، تبدى مع هذه العملية.
تقديرات إسرائيلية
ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية، مساء الأحد الماضي، أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن حزب الله سيرد على عملية الاغتيال التي قضى فيها جهاد مغنية، نجل الشهيد عماد مغنية، وخمسة من عناصر الحزب، وقد رفع الجيش الإسرائيلي درجة التأهب في منطقة الشمال. وأوردت القناة الإسرائيلية العاشرة أن القيادي أبو علي طبطبائي، مسؤول القوة الهجومية في حزب الله هو هدف الغارة الاسرائيلية على القنيطرة السورية، حيث كان يفترض أن يكون قائد الحرب المقبلة على إسرائيل.
وكانت المعلومات في الجانب اللبناني، قد أفادت عن مقتل القيادي الإيراني، أبو علي الطبطبائي في الغارة، إلى جانب جهاد عماد مغنية، والحاج محمد عيسى، وهو من قرية عربصاليم في قضاء النبيطة، ومهدي الموسوي، وعلي فؤاد، وحسين حسن، وحسين حسن حسن، وحسين إسماعيل الأشهب.

وقد صرح رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، أن الجيش جاهز للرد على أي هجوم يمكن أن ينفذه حزب الله أو غيره، وعلى شتى الجبهات. وأوضح أنه "مطمئن من قدرة الجيش على الوقوف أمام التحديات، آنية أو على المدى البعيد". وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هناك توقعات بأن رد حزب الله على الغارة قد يتراوح بين زرع ألغام لاستهداف دوريات للجيش الإسرائيلي عند الحدود، وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في العالم، أو إطلاق صواريخ باتجاه الشمال، غير أن المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، كتب أن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ما زالت تقول إن حزب الله لن يبادر إلى تصعيد مع إسرائيل، على الأقل، بسبب انشغاله في الحرب في سورية. ولم يستبعد هارئيل، وكذلك المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أن يرتبط توقيت الغارة بالانتخابات العامة في إسرائيل، وتراجع شعبية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحزب الليكود الذي يتزعمه. وكتب فيشمان أن الجهة التي قررت تنفيذ الغارة "قدرت أن مصلحة حزب الله هو الرد بصورة معتدلة. ربما هو على حق وربما لا. فالاستخبارات ليست بين العلوم الدقيقة".
وكتب تسفي بارئيل في "هآرتس" أن الاغتيال المحكم الذي نُفذ، يوم الأحد الماضي، ضد قيادة حزب الله العاملة في سورية؛ يعتبر أساساً هجوماً تحذيرياً، وأشار إلى الأهمية الخاصة لجهاد عماد مغنية وأبو علي طبطبائي الذي وصفه لأنه خليفة مغنية الأب قائداً للقوة الخاصة التي أسسها هو والقوة العاملة في سورية تحديداً، وقد حقق نجاحات في الحدود السورية اللبنانية. وذكر أن مغنية الابن يشغل منصب نائب القائد، ومسؤوليته التنفيذية ثانوية، فيما عمل طبطبائي بالتنسيق والتعاون مع قائد قوات القدس الإيرانية، قاسم سليماني، المسؤول من بين أمور كثيرة أخرى عن تنسيق القتال ضد داعش في العراق، وعن تنسيق المنظومة الدفاعية والهجومية في جنوب لبنان مع حزب الله. ولا يضعف اغتيال طبطبائي بنية الوحدات أو منظومة نشاطاتها العسكرية في سورية ولبنان؛ إذ طبطبائي هناك يأتي بعد مغنية، وبهذا سيتم تعيين قائد جديد لهذه الوحدات.
دفاعات إسرائيلية على الحدود مع الجولان (أ.ف.ب)
2- الدفاعات الإسرائيلية على الحدود مع الجولان (فرانس برس)ومن شأن الهجوم التحذيري (كما أسماه برئيل)، والذي لم يتضح بعد مكسبه التنفيذي؛ أن يدشن تدحرج كرة ثلج الردود والردود المضادة، لكن حسن نصر الله الذي تحدث، قبل ثلاثة أيام من الغارة، عن منظومة صاروخية حديثة ومتطورة يمتلكها، يعاني، الآن، من معضلة سياسية صعبة؛ فتنظيمه يجري، هذه الأيام، حواراً تفاهمياً مع خصومه السياسيين من تيار المستقبل، الذي يرأسه سعد الحريري، بهدف التوصل الى اتفاق على تعيين رئيس جديد في لبنان. وقبل ذلك، كان السيد حسن نصر الله، قد صرح مرات، أن الهجوم الإسرائيلي على سورية هجوم على لبنان، ولا يجب المرور عليه بهدوء. ولكن، في ساعة الاختبار، يحتاج هذا القول إلى تنسيق مع إيران، الداعمة الكبرى لنشاطات حزب الله في داخل لبنان وخارجه، إلا أنه وبالنسبة لإيران التي تدخل في مفاوضات معمقة مع الغرب حول ملفها النووي، وفي السياق حول دورها الإقليمي، هناك الآن جبهتان مشتعلتان: في العراق وسورية، وبذلك، فإن الحرب الخاصة بحزب الله وإسرائيل ليست على رأس سلم أولوياتها.
عملياً؛ تعيش الجبهة الشمالية وضعاً متفجراً جداً منذ بداية العام 2014، عندما هدد حزب الله بأنه سيرد بعمليات على الهجوم ضد قافلة كانت تحمل السلاح على الأراضي اللبنانية، وقد نفذ تهديده، فقد نفذ الحزب في العام المنصرم عدة عمليات من جبهة هضبة الجولان، ومن الحدود اللبنانية، أيضاً، فقبل أيام، هدد نصر الله بأن تنظيمه يمتلك أسلحة تستطيع الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل. فما هي الخيارات التي يمتلكها حزب الله، الآن، في ظل تشابكات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية؟
في كل الأحوال، يمكن القول إن الغارة الإسرائيلية، في 18 يناير/كانون ثاني الحالي، جاءت لتوضح أن قواعد اللعبة التي سادت في العام المنصرم، وحولت هضبة الجولان إلى ساحة عمليات؛ لم تعد سارية. وعلى الرغم ذلك، قد يرد حزب الله بعمليات على طول الحدود، وربما أكثر من ذلك إطلاق صواريخ أو عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. لكن، من الصعب تحديد ما إذا كان لموعد الانتخابات القريبة أي أثر على قرار الهجوم في الجولان، لكن المؤكد أن الأسابيع المتبقية للانتخابات ستظل متوترة جداً في الشمال.
وإذ لم تعقب إسرائيل رسمياً على عملية الاغتيال، إلا أن وزير الأمن الإسرائيلي تطرق لها في حديث إذاعي، وقال: "إذا كان حزب الله يقول إن رجاله قتلوا في العملية، فليشرحوا لنا ماذا يفعلون في سورية". وأضاف: "كلما حصل شيء في المنطقة يتهموننا. لست معنيا في التطرق إلى ذلك. سمعنا خطاب حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، ونفى وجود قوات لحزب الله في هضبة الجولان. إذا كان ذلك صحيحا، فعليه أن يشرح".

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.