إسرائيل تخسر "توازن الردع" في غزة والجولان

21 مارس 2014
الجولان المحتل شهد تصعيداً في الاسبوع الماضي (مناحيم كهانا)
+ الخط -

ترى أوساط إسرائيلية أنه تبيّن للدولة العبرية أن كلاً من حركة المقاومة الاسلامية "حماس"، وإسرائيل، غير معنيتين بكسر قواعد اللعبة، بعدما تم "تطويق" التصعيد الأخير في الجولان وقطاع غزة. وقد اشتعلت الحدود الشمالية بعد عمليتين، "متّهم فيهما حزب الله". العملية الأولى كانت تفجير دورية حافلة عسكرية إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية، والثانية، عملية، يوم الثلاثاء الماضي، في الجولان التي أسفرت عن إصابة أربعة جنود إسرائيليين، عند السياج الحدودي لقرية مسعدة في الجولان المحتل. وقد أثارت "السهولة" التي سمحت لتنظيمات المقاومة بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، تساؤلات حول قوة الردع الإسرائيلية. وقد سبق العمليات ضد إسرائيل، قصف شاحنة محملة بالصواريخ لحزب الله، وغارات كثيفة في العمق السوري وفي قطاع غزة، بعد عملية الجولان، وبعد إمطار الجنوب الإسرائيلي بصواريخ "الجهاد الاسلامي".

واكتشفت إسرائيل محدودية قوتها في غياب عامل الردع، ولو النفسي على الأقل. ظهر ذلك، مع أن تل أبيب ردّت فور وقوع الهجمات، بحسب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتهديد وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، على مدار أيام الأسبوع، بأن كل "من يعمل ضدنا دمه مباح، وستطاله يدنا في نهاية المطاف"، في إشارة واضحة لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، ولـ"حماس" ومنظمات المقاومة في غزة.

ولعل أكثر ما يشير إلى "الوهن الإسرائيلي" في هذا السياق، إصرار المحللين العسكريين في الصحف العبرية، طيلة الأسبوعين الماضيين، ومنذ قصف شاحنة الأسلحة التي قيل إنها لحزب الله، على أن الحزب، وخلافاً للنظام السوري، سيواصل محاولاته للرد على قصف قافلة الأسلحة، حتى لو جاء الرد الإسرائيلي العسكري فوراً.

وفي غضون ذلك، أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، صباح اليوم الجمعة، إلى أنّ التصعيد الأخير على الجبهة الشمالية وتفجير العبوتين، يشير بوضوح، وبشكل لا يقبل التأويل، إلى أن العمليات الأخيرة تمت من قبل حزب الله، وبتنسيق تام مع النظام السوري، مع احتمال مشاركة "ميليشيات" إضافية في هاتين العمليتين.

ويلفت هرئيل في تحليله إلى أنّ ما حدث على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان، يشبه كثيراً التصعيد في الأسابيع الأخيرة على امتداد الحدود مع قطاع غزة. ويقول هرئيل إنه "في ظل غياب نظام حكم قوي ومركزي، وهو وصف ينطبق على حماس أكثر مما ينطبق على سوريا، من حيث استقرار سلطة حماس، فإن إسرائيل تلاقي صعوبات في تثبيت ميزان ردع يضمن الهدوء لفترة طويلة". ويتابع هرئيل أنه في كلتا الحالتين، "تنشط منظمات كثيرة متنازعة فيما بينها، ولها مصالح متناقضة، لكن يجمعها قاسم واحد مشترك هو إسرائيل". ويضيف هرئيل أن اللاعب الرئيسي في هذه الجبهات هو نظام الأسد في سوريا وحزب الله في جنوب لبنان، و"حماس" في قطاع غزة، غير معني بتصعيد عسكري كبير مع إسرائيل. ويختصر الصورة باعتبار أن "كل لاعب منهم يترصّد فرصاً لتسجيل نقاط ومكاسب من خلال مواجهات محدودة أو حتى غض الطرف عن نشاط لاعبين ثانويين في القطاع الخاضع لسيطرته وتحت حكمه".

ويخلص هرئيل إلى أن كل هذا الوضع الشائك من شأنه، في حال استمرت "العمليات الصغيرة"، أن يخرج عن السيطرة، وأن يجرّ إسرائيل إلى تسخين الحدود. وقد أصبح واضحاً بعد التصعيد الأخير والرد الإسرائيلي، أن سوريا وحزب الله يسعيان إلى تحديد ثمن باهظ يجبيانه من إسرائيل بعد كل غارة أو قصف إسرائيلي لمواقعهما، وذلك سعياً إلى جعل إسرائيل تتردد قبل القيام بأي عملية أو رد. في المقابل، فإن إسرائيل تخشى من سياسة رد فعل من شأنها في النهاية، خلافاً لتصريحات نتنياهو حول صحة سياسته، إشعال حرب استنزاف على الحدود مع سوريا. حرب قد تشمل سلسلة عمليات تفجير وزرع عبوات ناسفة وقصف، بل وحتى عمليات لاختطاف جنود إسرائيليين، على غرار أيام "الحزام الأمني الإسرائيلي في الجنوب اللبناني".
ويلفت هرئيل إلى أن إسرائيل تسعى بدورها إلى تحديد ثمن تجبيه من الأطراف الأخرى في حال وقوع هجمات تستهدف إسرائيل، علماً بـ"أننا لم نصل بعد إلى فتح الجبهة الأخرى والمتمثلة بالقصف الصاروخي من لبنان وسوريا إلى الجبهة الداخلية في إسرائيل".

ومع أن هرئيل يصف الرد الإسرائيلي في الفترة الأخيرة بأنه كان "محسوباً ومحدداً"، إلا أنه يعترف مع ذلك بأنّ وتيرة التصعيد الأخيرة أثبتت عملياً عدم دقة التقديرات الإسرائيلية، التي كانت تروج إعلامياً لأخطار تعرض إسرائيل إلى هجمات من تنظيمات "القاعدة" و"الجهاد العالمي"، وتحوّل الجولان إلى مركز لهذه المنظمات على غرار سيناء. لكنه يستدرك بأنّ "الواقع أثبت أن هذا التصعيد جاء في نهاية المطاف من حزب والله وسوريا، وهو يعكس على ما يبدو ثقة بالنفس على أثر النجاحات التي حققتها قوات النظام السوري وحزب الله في مواجهة الثوار داخل سوريا"، من دون أن ينسى الرجل "الدعم الواسع الذي يقدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأسد مقابل استمرار تراجع الولايات المتحدة وانسحابها من المنطقة".

المساهمون