01 نوفمبر 2024
إعدامات مصر.. واهتزاز النظام
بتهمة اغتيال النائب العام، أقدَم نظام عبدالفتاح السيسي على إعدام تسعة أشخاص من المحكوم عليهم في القضية. لا يمكن أن يُفهم هذا الحدث الشديد من دون وضعه في إطاره العام، إذ تتعدّى الواقعةُ المستوى القضائي؛ لأن القضاء، في الدولة القمعية، تزداد حاجتُه إلى علاماتٍ تثبت استقلاليَّته، ولا سيَّما أنَّ تدخُّلات الدولة، في عهد السيسي، وإكراهاتها، لم تستثنِ مجالا، من البرلمان، وحتى الدين، متمثِّلةً في محاولات احتواء الأزهر.
ابتداءً، مِن الضروريِّ التأكيد على الفرق الواجب بين الجماعات، والإرهابية منها بالذات، وبين الدولة؛ لكونها المؤسَّسة التي تحتكر القوَّة، باسم القانون، وباسم الشعب، وقِيَمه، فلا يبقى من الدولة ما يُميِّزها، إنْ هي انزلقتْ إلى أساليبَ وأدواتٍ غير قانونية؛ تُبَادِل عُنْفًا منفلتًا بمِثْلِه، ولعلَّ الدولة حينها تغدو أكبر إضرارا، وتشويها، للحياة الاجتماعية والسياسية؛ بما تملك مِن أجهزةٍ وأدوات، وبما هي مَحَطُّ آمال النزاهة، وبما هي الملاذ المتعالي على المصالح الضيِّقة، والتحيُّزات القاتلة.
هذا الإرهاب المُسمَّى إرهاب الدولة، عهدناه، مُطوَّلا، وسافرا، في فلسطين، من دولة الاحتلال، وهذا ليس مستهجنا كثيرا، مِن محتلٍّ لا يستمدُّ قوَّتَه من الشعب الذي يحتلُّه، ولا يتوقَّف بقاؤُه، على علاقةٍ سويَّة معه، وعهدناه عربيًّا، للأسف، في أنظمةٍ عاندتْ شعوبَها، كما حصل في
سورية، إذ أيُّ علاقةٍ ستُنْسَج بين السوريِّين الذين دُمِّر بلدُهم، وحيَواتُهم، ونظامٍ لا يزال، يتوهَّم، بعد ذلك كله، بقاءَه الطبيعي!
ولذلك، لسنا بحاجةٍ للتذكير المُفَصَّل، بما يُولِّده، وما يراكمه أيُّ ظلمٍ يقع من الدولة، مِن احتقاناتٍ، قد تتجلَّى في حركاتٍ أكثر تطرُّفا ودمويَّة، وقد لا تكون بالضرورة، نتاجَ الجماعة المُستهدَفة، وهي الإخوان المسلمون.
نقول هذا، بعد ظهور مؤشِّراتٍ على انتزاع اعترافات الذين أعدِموا، بالتعذيب، وهو أمرٌ لو بقي في دائرة الشُّبُهات كفيلٌ بالتَّروّي، والتحقُّق، قبل الإسراع في تنفيذ الإعدام، هذا التنفيذ الذي لا إمكانيةَ لتدارُكه، وكم سيكون الجُرْم، فظيعا، لو ثبتت صحّة تلك الشُّبهات التي تجاهلها، وتجاوَزها (القضاء)، غير آبهٍ بقاعدة "دَرْء العقوبات بالشُّبُهات"، هذه القاعدة التي أخذت بها القوانين "الوضعية"؛ حيث يُفَسَّر الشكُّ لصالح المُتَّهم؛ فمِن الناحية القانونية ينبغي استنفادُ احتمالات البراءة. ومن الناحية السياسية، كان ينبغي الاجتهادُ في نفي أيِّ تأثيرٍ من النظام على القضاء، وكان الأنفعُ للنظام، وللدولة، وللمجتمع، تركَ المجال واسعا وكاملا للقضاء، لكن السيسي الذي سينجح، بالوسائل التي يستطاعها، وبالضغوط، في تعديل الدستور، بما يضمن ترشُّحَه لفترتين رئاسيتين أُخريين، أراد أن يدشِّنَ هذا العهد بيدٍ أشدَّ بطشًا، تكون تتويجا لسياساتٍ باطشة سابقة، لم تقتصر على الإخوان المسلمين، بل طاولت، حتى مرشَّحين، ذوي سابقةٍ، ومكانةٍ في الدولة المصرية، أمثال الفريق سامي عنان، وطاولت حتى مَن اختلفوا معه، أو الذين فرَغ من الحاجة لهم، ممَّن وقفوا معه، في انقلابه، على ثورة 25 يناير.
ولم يكن للسيسي أن يبلغ هذه الحالة، لولا اطمئنانُه إلى دعمٍ خارجيٍّ ضروري، من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومِن علاقاتٍ مع كيان الاحتلال، إسرائيل، فاقت، بحسب تصريحاته، علاقاتِها مع نظام حسني مبارك. لذلك، لا يُتوَقَّع، للأسف، أن تستجيب سلطةُ السيسي استجابةً حقيقية لحثِّ الأمم المتحدة على وقف عمليات الإعدام ومراجعة القضايا التي تنتظر البتّ فيها، والتي تنطوي على أحكامٍ بالإعدام وإجراء تحقيقاتٍ مستقلة، في كلِّ مزاعم التعذيب. وذلك بعد أن تبيّن لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنّ "هناك سببًا قويًّا للقلق من أن الإجراءات
القانونية وضمانات المحاكمة العادلة، ربما لم تُتَّبَع في بعض الحالات، أو كلها، وأن المزاعم الخطيرة للغاية عن استخدام التعذيب لم يتم التحقيق فيها بالشكل الملائم".
يخطُّ هذا المسار الذي تنحاه مصر لنفسه، في بلادٍ عربية أخرى؛ مسار عنف الدولة، عنفا يتجاوز الأُطُر القانونية، يُسيِّسها، يَضيق ذرعا، باعتبارات العدالة التي يحتكم لها القضاء، بصفةٍ عامة، ليتخذه أداةً صقيلةً من أدوات السيطرة، كلما عنَّتْ له أزمةٌ سياسية، خارجية، أو كلما واجه حرَجا، في عجزه عن حلّ الأزمات الداخلية، كما يحدُث في السعودية، من اعتقالاتٍ ليس لمن خالفوا الدولة الرأي، بل لمن لم يُظهِروا من علامات المُمَالأة والمجاراة، ما تراه كافيا. هذا المسار يُهدِّد بأن يُحِيل السلطةَ في الدولة، إلى مجرّد قوَّة. والدولة سلطتُها ليست قوَّةً، فحسب، إذ لا بدَّ لها من ذلك القدر الضروري من الرضا والتوافق، على قوانينها، والاحترام الأدبي لموقعها، بوصفها جهازا يرعى أعراف الشعب وقيمه، ويتوق إلى تحقيق تطلُّعاته، وأهدافه.
ولا ينفع الدولة التي تتجرَّد من تلك الوشائج والتوافقات بينها وبين شعبها ما تبتزُّه من أجهزة الدولة الباقية، مِن تعليم، وإعلامٍ، ومنابر دينية، أو مِن شخصيات (ثقافية) بلغتْ، في ابتعادها، مرحلةَ المُزاوَدة حتى على النظام نفسه. فلا ينفع السيسي هذا المسار، (سيَّما بعد أن بلغ الشعبُ المصريُّ من الوعي والطاقة والآمال، ما دفعه ومكَّنه من تجاوُز مبارك؛ إذ الشعبُ الذي تجاوَز مبارك لن يتصاغر، ولو بالقمع والترهيب، بالنكوص إلى سلطة أسوأ من سلطة مبارك)، إنما سلطة السيسي بهذا المسار المُغري بتلك الممارسات تقدِّم أدلَّةً أخرى على اهتزازها، وتعجّل في نَعْيِها، إذ الظُّلمُ، كما قال ابن خلدون، "مُؤْذِنٌ بخراب العُمْران"، ذلك حين يرتضيه الناس، وإلا فهو مُؤْذِنٌ بزوال الظالم.
هذا الإرهاب المُسمَّى إرهاب الدولة، عهدناه، مُطوَّلا، وسافرا، في فلسطين، من دولة الاحتلال، وهذا ليس مستهجنا كثيرا، مِن محتلٍّ لا يستمدُّ قوَّتَه من الشعب الذي يحتلُّه، ولا يتوقَّف بقاؤُه، على علاقةٍ سويَّة معه، وعهدناه عربيًّا، للأسف، في أنظمةٍ عاندتْ شعوبَها، كما حصل في
ولذلك، لسنا بحاجةٍ للتذكير المُفَصَّل، بما يُولِّده، وما يراكمه أيُّ ظلمٍ يقع من الدولة، مِن احتقاناتٍ، قد تتجلَّى في حركاتٍ أكثر تطرُّفا ودمويَّة، وقد لا تكون بالضرورة، نتاجَ الجماعة المُستهدَفة، وهي الإخوان المسلمون.
نقول هذا، بعد ظهور مؤشِّراتٍ على انتزاع اعترافات الذين أعدِموا، بالتعذيب، وهو أمرٌ لو بقي في دائرة الشُّبُهات كفيلٌ بالتَّروّي، والتحقُّق، قبل الإسراع في تنفيذ الإعدام، هذا التنفيذ الذي لا إمكانيةَ لتدارُكه، وكم سيكون الجُرْم، فظيعا، لو ثبتت صحّة تلك الشُّبهات التي تجاهلها، وتجاوَزها (القضاء)، غير آبهٍ بقاعدة "دَرْء العقوبات بالشُّبُهات"، هذه القاعدة التي أخذت بها القوانين "الوضعية"؛ حيث يُفَسَّر الشكُّ لصالح المُتَّهم؛ فمِن الناحية القانونية ينبغي استنفادُ احتمالات البراءة. ومن الناحية السياسية، كان ينبغي الاجتهادُ في نفي أيِّ تأثيرٍ من النظام على القضاء، وكان الأنفعُ للنظام، وللدولة، وللمجتمع، تركَ المجال واسعا وكاملا للقضاء، لكن السيسي الذي سينجح، بالوسائل التي يستطاعها، وبالضغوط، في تعديل الدستور، بما يضمن ترشُّحَه لفترتين رئاسيتين أُخريين، أراد أن يدشِّنَ هذا العهد بيدٍ أشدَّ بطشًا، تكون تتويجا لسياساتٍ باطشة سابقة، لم تقتصر على الإخوان المسلمين، بل طاولت، حتى مرشَّحين، ذوي سابقةٍ، ومكانةٍ في الدولة المصرية، أمثال الفريق سامي عنان، وطاولت حتى مَن اختلفوا معه، أو الذين فرَغ من الحاجة لهم، ممَّن وقفوا معه، في انقلابه، على ثورة 25 يناير.
ولم يكن للسيسي أن يبلغ هذه الحالة، لولا اطمئنانُه إلى دعمٍ خارجيٍّ ضروري، من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومِن علاقاتٍ مع كيان الاحتلال، إسرائيل، فاقت، بحسب تصريحاته، علاقاتِها مع نظام حسني مبارك. لذلك، لا يُتوَقَّع، للأسف، أن تستجيب سلطةُ السيسي استجابةً حقيقية لحثِّ الأمم المتحدة على وقف عمليات الإعدام ومراجعة القضايا التي تنتظر البتّ فيها، والتي تنطوي على أحكامٍ بالإعدام وإجراء تحقيقاتٍ مستقلة، في كلِّ مزاعم التعذيب. وذلك بعد أن تبيّن لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنّ "هناك سببًا قويًّا للقلق من أن الإجراءات
يخطُّ هذا المسار الذي تنحاه مصر لنفسه، في بلادٍ عربية أخرى؛ مسار عنف الدولة، عنفا يتجاوز الأُطُر القانونية، يُسيِّسها، يَضيق ذرعا، باعتبارات العدالة التي يحتكم لها القضاء، بصفةٍ عامة، ليتخذه أداةً صقيلةً من أدوات السيطرة، كلما عنَّتْ له أزمةٌ سياسية، خارجية، أو كلما واجه حرَجا، في عجزه عن حلّ الأزمات الداخلية، كما يحدُث في السعودية، من اعتقالاتٍ ليس لمن خالفوا الدولة الرأي، بل لمن لم يُظهِروا من علامات المُمَالأة والمجاراة، ما تراه كافيا. هذا المسار يُهدِّد بأن يُحِيل السلطةَ في الدولة، إلى مجرّد قوَّة. والدولة سلطتُها ليست قوَّةً، فحسب، إذ لا بدَّ لها من ذلك القدر الضروري من الرضا والتوافق، على قوانينها، والاحترام الأدبي لموقعها، بوصفها جهازا يرعى أعراف الشعب وقيمه، ويتوق إلى تحقيق تطلُّعاته، وأهدافه.
ولا ينفع الدولة التي تتجرَّد من تلك الوشائج والتوافقات بينها وبين شعبها ما تبتزُّه من أجهزة الدولة الباقية، مِن تعليم، وإعلامٍ، ومنابر دينية، أو مِن شخصيات (ثقافية) بلغتْ، في ابتعادها، مرحلةَ المُزاوَدة حتى على النظام نفسه. فلا ينفع السيسي هذا المسار، (سيَّما بعد أن بلغ الشعبُ المصريُّ من الوعي والطاقة والآمال، ما دفعه ومكَّنه من تجاوُز مبارك؛ إذ الشعبُ الذي تجاوَز مبارك لن يتصاغر، ولو بالقمع والترهيب، بالنكوص إلى سلطة أسوأ من سلطة مبارك)، إنما سلطة السيسي بهذا المسار المُغري بتلك الممارسات تقدِّم أدلَّةً أخرى على اهتزازها، وتعجّل في نَعْيِها، إذ الظُّلمُ، كما قال ابن خلدون، "مُؤْذِنٌ بخراب العُمْران"، ذلك حين يرتضيه الناس، وإلا فهو مُؤْذِنٌ بزوال الظالم.
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024