تفاعلَ الشارع البريطاني مع الفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وشهدت بعض المدن تظاهرات حاشدة، وخصوصاً خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب. وندّد المشاركون بالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
نَظّمت هذه التظاهرات جمعيات بريطانية وعربية ويهودية، هدفت إلى تعزيز العلاقات العربيةــ البريطانية، ودعم القضية الفلسطينية، على غرار منظمات "أوقفوا الحرب"، و"التضامن مع فلسطين"، و"الحملة البريطانية لدعم فلسطين"، و"المبادرة الإسلامية البريطانية". وكان لافتاً الحضورُ الخجول ليهود من منظّمة "ناطوري كارتا". هؤلاء حملوا لافتات كتب عليها: "اليهود يرفضون دولة الصهاينة، ويدينون الاحتلال والحصار المفروض على غزة". ودوّنوا أسفل اللافتة اسم الموقع الإلكتروني للمنظمة التي ينتمون إليها (www.nkusa.org).
و"ناطوري كارتا"، أي حرّاس المدينة، هي جماعة دينية يهودية تأسّست عام 1935، ويبلغ عدد المنتسبين إليها حوالى خمسة آلاف، يتوزعون بين القدس ولندن ونيويورك. يؤمن أعضاؤها بأن قيام دولة لليهود لا يجوز قبل مجيء المسيح المنتظر، ويعارضون وجود دولة إسرائيل الحاليّة، ويدعون إلى زوالها أو إنهائها بشكل سلمي.
تعتبر هذه الجماعة معادية للصهيونية ولمبادئها التي تتنافى مع كتاب التوراة. ويُركّز أتباعها على المذهب الحاخامي والتلمود البابلي، الذي يعتبر أنّ الله عاقب اليهود وطردهم من أرض إسرائيل، بسبب الخطايا الكثيرة التي ارتكبوها.
إلياس كوهين، الذي يفضّل التعريف عن نفسه بـ "كوهين" فقط، هو أحد اليهود المعارضين لفكرة قيام كيان ذاتي مستقل لليهود في الوقت الراهن. التقته "العربي الجديد" وسألته عن موقفه حيال القضية الفلسطينية.
* ما الذي دفعك إلى المشاركة في تظاهرات تُندّد بحكومة إسرائيل؟
- أنا أؤمن بـ"التوراة" ولا أهتم بالسياسة. يعنيني الإنسان أكثر من أي شيء. وأؤمن أن الله ضدّ قيام دولة إسرائيل. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو العدو الأول لليهود. هو لا يكترث بهم، ومَن يريد أن يحكم دولتنا يجب أن يؤمن بالتوراة. لكن لم يحن الوقت لقيامها بعد، إذ نحن بانتظار إشارة من عند الله.
* هل يعني هذا أنك لا تؤمن بدولة إسرائيل الحالية؟
- مجدداً، أؤمن بـ"التوراة" وغير ذلك ليس سوى كذب ونفاق. مَن ينحرف عن تعاليم الدين اليهودي هو إنسان كافر ولا يمت لليهود بصِلة. إذ إنّ تأسيس دولة إسرائيل في الوقت الراهن يناقض مشيئة الله الذي أراد لنا أن نبقى بلا وطن إلى أجل غير مسمّى. وما علينا سوى انتظار الوقت المناسب إلى أن يسمح لنا الله بذلك. عندها لن يعارض أحد ذلك بل سيفرح الناس جميعاً بتأسيس دولة إسرائيل، لأنّنا نتبع تعاليم التوراة التي هي من عند الله.
* أي فئة من اليهود تمثّل؟
- أنا يهودي من منظمة "ناطوري كارتا"، وهي منظمة لليهود مناهضة للفكر الصهيوني الذي يستغل اسم اليهود لتنفيذ مآرب سياسية تهدف إلى بناء دولة. لستُ صهيونياً. فهم يناقضون التوراة وينشرون الأكاذيب حول وجود دولة إسرائيل المزعومة.
أتوا إلى فلسطين، كمن يدخل منزلك في غيابك ويقيم فيه. ولدى عودتك، يحاول طردك ويهاجمك مدّعياً ملكيته للمنزل. وحين تطالب باستعادة أملاكك يغضب ويثور، بينما هو المحتل والمعتدي على دارك وأهلك وأنت الضحية.
هكذا فعلت حكومة إسرائيل بالفلسطينيين. احتلّت أرضهم واضطهدتهم في عقر دارهم. هذا أمر مرفوض دينياً، ولا يقبله أي إنسان يهودي مؤمن. هناك فرقٌ كبير بين اليهودية والصهيونية. اليهودية دين يعود إلى آلاف السنين، بينما الصهيونية منظمة نشأت قبل حوالى 150 سنة، وفيها تشويه وتزييف للدين اليهودي.
* كلّ ما سبق يعني أنك توافق على أن الفلسطيني هو صاحب الأرض والإسرائيلي هو المغتصب. هل يمكن أن تشرح لنا أكثر عن سبب وقوفك إلى جانب الفلسطينيين ومعاداتك للإسرائيليين والصهاينة؟
- نعم هذا ما أقوله تماماً. أقف إلى جانب الفلسطينيين وأعارض الصهاينة ودولة إسرائيل. يأمل اليهود بإيجاد كيان خاص بهم ويطمحون إلى تحقيق ذلك منذ ألفي سنة. لكنهم لم يقدموا على هذا الفعل، ليس لأنّهم لا يريدون أرضاً أو دولة يعيشون فيها، بل لأنّهم لم يحصلوا على الإذن لبناء دولة إسرائيل. ليس لنا الحق أن نقيم هذه الدولة في فلسطين أو في أي بقعة من العالم، لأن التوراة يأمرنا بذلك وينبغي علينا أن نسير على الدرب الصحيح. والتلمود هو الذي يوجّهنا كي نحيا بسلام ومحبة.
* إن كان الله لا يسمح لكم بإنشاء دولتكم بانتظار أن يحين الوقت المثالي، فأين يأمركم كتاب العهد القديم أن تقيموا حالياً؟
- يأمرنا أن نُقيم في كلّ مكان من العالم، ونبقى مشتتين ومبعثرين إلى أن تأتي الساعة التي يسمح لنا بها أن نبني دولتنا. على سبيل المثال، أنا أقيم في لندن، فيما يُقيم يهودي آخر في أميركا أو تركيا أو تونس وغيرها. هذه إرادة الله وعلينا القبول بها إن أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. لن نعارض الله ولن نقبل بإسرائيل الحالية حتّى ولو وافق الشعب الفلسطيني على إنشاء هذه الدولة. سنصرّ اليوم وغداً على رفض ذلك، ونأبى البقاء على أرضهم لأن الأمر مناقضٌ لكتابنا المقدّس.
* ماذا تقول لليهود الذين يتّهمون كل مَن يعادي أو ينتقد حكومة إسرائيل بـ "معاداة السامية"؟ - أقول لهم إن التوراة هو المرجع الرئيس لليهود وليس السياسة. نتنياهو لا يكترث باليهود وأتّهمه بمعاداة السامية لأنّه يعترض مشيئة الله وما أوصانا به التوراة. وأشجب ما يقوم به من أفعال باسم اليهود. فنحن لا نعترف بنتنياهو ممثّلاً لنا.
* إذا كان التوراة المرجع الرئيس لليهود، فماذا ترد على ما يقوله حول قيام دولة "إسرائيل الكبرى" التي تمتد من النيل إلى الفرات؟ كيف تشرح ذلك؟ ومَن سيدفع الثمن لتحقيق هذا الحلم؟
- نعم هذا صحيح. لكن ذلك كان في الماضي. بعدها طلب منّا الله الانتظار إلى أن يحين الوقت لبناء "إسرائيل الكبرى". ويجدر بنا أن ننتظر الحصول على إذن كي نبني دولتنا. أود لو أتكلّم الإنكليزية بطلاقة كي أشرح عن الدين اليهودي أكثر. لكن لغتي ليست جيدة بما يكفي.