01 نوفمبر 2024
إنسانية واحدة أم إنساننا وإنسانهم
تردّدت كثيرا في أن أكتب في هذا الموضوع، لاعتباراتٍ كثيرة تتعلق باللبس وسوء الفهم الذي قد يصادف بعض ما أشير إليه من أفكار، ذلك أن الموقف الذي يتعلق بأحداثٍ هنا أو هناك لا تزال تحفها أشكال من الانفعال والأفعال وردود الأفعال، أو مزيد من الافتعال، وربما حالة من تعمد الإغفال، هذه الأمور جميعا تجعلنا نتحدّث كما تحدثت في يوم ما عن "بورصة الإنسان وحقوقه". في حقيقة الأمر، ليس الحديث عن الإنسانية المشتركة موضوعا فلسفيا أو قضية تحتمل التفلسف، على الرغم مما يمارسه بعضهم من جر الموضوع إلى مساحات الفلسفة، فإنه لا يلحظ أن أحداث الواقع، بما ترتبط بالإنسان في اختلاف مناطق الجغرافيا في المعمورة الإنسانية، هذه الوقائع هي التي تكتب عناصر موقفٍ لا يمكن بأيِّ حال إهماله أو إغفاله.
تمر علينا موجاتٌ هنا وهناك من القتل المتعمد، يسقط فيها ضحايا أبرياء في كل مكان من أرجاء المعمورة، وعلى الرغم من أن الضحية هنا بريء والضحية هنا لم يرتكب جرما أو إثما، فإن التعامل مع عالم تلك الأحداث لا يُعامل معاملة واحدة، والمؤكد أنه يمارس قدرا مما يمكن تسميتها "العنصرية الجغرافية والحضارية"، فقتلى وضحايا كثيرون يسقطون في بلاد العرب والمسلمين في عمليات إرهاب شتى، قد تقع من الدول، حينما تمارس إرهاب الدولة، وقد تقع من جماعاتٍ تحمل أفكارا مفخخة تقتل الإنسان، وتستخف بحرمته ونفسه ودمائه. ومع ذلك، قد يتفاوت الاهتمام بقتل إنسانٍ هنا، ويمر قتل المئات في مكان آخر مرور الكرام، لا نجد له من بواك، أو من وسائل إعلام تنتفض، فتجعل الحدث على شاشاتها بساعات طوال، فتشد الأبصار وتخطف الأنظار.
ومن هنا، أكتب بعض الأفكار، منطلقا من الآية القرآنية عن حرمة النفس الإنسانية، وعن تقديسها وتكريمها، بحيث كرست وبشكل واضح لا يقبل اللبس أو التلبيس أن قتل النفس
استخفافا، وبلا أي سند، إنما يشكل الجريمة الكبرى التي يجب أن تنتفض لها البشرية جمعاء، لتشكل تلك المسؤولية الجمعية والجماعية عن قتل النفس البشرية من غير حق، وبدون استحقاق، فإنما يحرّك هذه المسؤولية عن قتل تلك النفس، والتصرّف على قاعدة أن قتل النفس الواحدة هو قتل للناس أجمع، وأن إحياء هذه النفوس هو إحياء للبشرية بأسرها، هذه المسؤولية الجمعية إنما تشكّل جوهر تلك المساءلة حول عمليات الاستخفاف بقتل النفوس، مهما كانت قليلة من أي جنس أو لون أو دين أو ثقافة، أو تنتمي لأي منطقةٍ جغرافية. النفس هي النفس، النفس الواحدة عنوان للجنس البشري كله. وقد كتب البروفيسور كارل دويتش في مقدمة كتابه تحليل العلاقات الدولية، معرّفا هذا المجال بأنه الذي يهتم بـ "فن بقاء الجنس البشري".
تفيد الآية القرآنية بوحدة الخلق من نفسٍ واحدة "هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة"، وهو أمر يعني أن النفس البشرية لا يمكنها بأي حال التمييز فيما بينها خلقا وتسوية، ومعنى الحديث الذي يشير "ألا كلكم لآدم وآدم خلق من تراب"، من وحدة النفس تخرج قيمة المساواة والتسوية، وتبدو المساءلة والمسؤولية عن تلك النفس البشرية مسؤولية جماعية "من قتل نفسا بغير نفسٍ، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
كيف نرى إذا القتل المستمر على أراضي سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر؟ من كثرة عددهم وتعدادهم لم يعد أحد يحصي، تأتي أخبار القتلى في ذيل نشرات الأخبار، لا يقيم الناس وزنا لما يقع من ضحايا من براميل متفجرة، أو بحصد رشاشاتٍ، أو بضرب صواريخ وطائرات، وكأن ذلك من الطقوس اليومية التي تمر مرور الكرام، من كثرة اعتياد المشاهد وإلفة تلك الأخبار. وحينما تحصي عدد القتلى في نشرة واحدة، فإنه يتعدى المئات، يقتل هؤلاء من كل لون، مرة يسمونه تحالفا دوليا، ومرة يتحدثون عن تحالف إقليمي عربي، ومرات يبيد المستبد شعبه، ولا أحد يتحرّك. حتى الإدانات لم نعد نسمعها، تخرج بعد ذلك تقارير حقوق الإنسان على استحياء في مراتٍ أخرى، تُقرأ قراءة مسيسة، لكنها تصدر إبراء للذمة وتمر مرور الكرام من غير اهتمام.
وهناك أحداثٌ في الغرب، تستهدف فيها مجموعات مأفونة مسكونة بالعنف الضحايا، أي ضحايا، تحت عنوان يقوم على قاعدة الانتقام الأعمى. وفي هذا المقام، ستجد تلك الأخبار في صدر النشرات هنا وهناك، حتى في بلاد العرب والمسلمين، كما في بلاد الغرب والأميركان، وتشد إليها الأنظار، وتظل حديث الساعات الطوال، وتجري حوادث التأبين والتظاهرات والاحتجاجات للمواساة والتضامن مع أهل الضحايا. وفي طقسٍ يتعلق حتى بالدول التي يموت فيها من الضحايا، وتخرج بعض الأنظمة الاستبدادية تستنكر تلك الأحداث، وهي، في الوقت نفسه، تقتل الشعوب، وتمارس إبادة جماعية لإنسانها وشعوبها.
صحيح أن تلك نفس بشرية واحدة، ولكن التعامل معها يختلف، حتى أن بعضهم صار يميّز بين إنسان وإنسان، بين إنساننا وإنسانهم. وعلى الرغم من أن التوجيه الإلهي هو حرمة النفس
البشرية مهما كانت، وتحريم قتلها وتجريمه، إلا أن بعضهم ينظر إلى القتل وكأنه طبيعي، وينظر إلى حوادث أخرى، معظماً فيها المشاهد، على الرغم من قلة القتلى. يبدو لي ذلك مستهجنا. وحتى لا يفهمني أحد أنني أقلل من شأن أي قتلى، أؤكد أن الإنسانية نفس واحدة، وأن الانتفاض لقتلها يجب أن يشكل موقفا واضحا واحدا على الشاكلة نفسها والدرجة نفسها. هذا معنى وحدة الإنسانية، ووحدة النفس البشرية، ومعنى المسؤولية الجماعية في القتل، وفي الإجماع. ومن ثم فلا يحسبن أحد أننا من هؤلاء الذين يمرّرون دما على حساب دم، أو أنهم يخففون أو يستخفون بأعمال عنف آثمة، وإرهاب مميت، ولكنني أقول إن حرمة النفس واحدة.
ومن هنا، سيجد الذين يستخفون بإنسان بلاد العرب وبلاد الغرب من يستخفون بدمائهم وإنسانهم، لأن التطرّف في الجانبين ملة واحدة، هي قتل بغير حق.
وفي هذا المقام، ستسود لغة خطاب سيتحدث عن إنسان وإنسان، عن إنساننا وإنسانهم، ونتبادل حالة الاستخفاف بالنفس البشرية هم يستخفون بإنساننا ونحن نستخفّ بإنسانهم. وتبدو الشعوب بين مطرقة وسندان، مطرقة الفعل الظالم من حضارة بلاد الغرب في دولها القوية وبين هؤلاء الذين تطرّفوا وسكنوا بصنوفٍ من العنف، تستخفّ بحرمة النفس. أليس هؤلاء الذين يدعمون المستبد في مساومة ومقاصة، من أجل تحصيل مصالحهم الأنانية، كي يتساهلوا في حق المستبد في قتل شعبه، ثم ينتفضون لقتل بعض أفراد من شعوبهم. ما يحيلنا إلى حقيقة أساسية؛ أنهم بفعلهم هذا تمتد يدهم إلى قتل إنساننا وإنسانهم، واستخفوا بنفسٍ واحدة، ففتحوا كل ذرائع قتل إنسانهم، واستخفوا بكل أشكال قتل إنساننا.. ألا أيها المستخفون بقتل النفوس ألا تستحون.. فتتخلون عن كل مسؤولية جماعية عن قتل النفس الإنسانية، وتحترفون بالحروب والقتل إفناء البشرية، تقتلون الإنسانية ولا تحيون البشرية، ألا ساء ما تحكمون.
تمر علينا موجاتٌ هنا وهناك من القتل المتعمد، يسقط فيها ضحايا أبرياء في كل مكان من أرجاء المعمورة، وعلى الرغم من أن الضحية هنا بريء والضحية هنا لم يرتكب جرما أو إثما، فإن التعامل مع عالم تلك الأحداث لا يُعامل معاملة واحدة، والمؤكد أنه يمارس قدرا مما يمكن تسميتها "العنصرية الجغرافية والحضارية"، فقتلى وضحايا كثيرون يسقطون في بلاد العرب والمسلمين في عمليات إرهاب شتى، قد تقع من الدول، حينما تمارس إرهاب الدولة، وقد تقع من جماعاتٍ تحمل أفكارا مفخخة تقتل الإنسان، وتستخف بحرمته ونفسه ودمائه. ومع ذلك، قد يتفاوت الاهتمام بقتل إنسانٍ هنا، ويمر قتل المئات في مكان آخر مرور الكرام، لا نجد له من بواك، أو من وسائل إعلام تنتفض، فتجعل الحدث على شاشاتها بساعات طوال، فتشد الأبصار وتخطف الأنظار.
ومن هنا، أكتب بعض الأفكار، منطلقا من الآية القرآنية عن حرمة النفس الإنسانية، وعن تقديسها وتكريمها، بحيث كرست وبشكل واضح لا يقبل اللبس أو التلبيس أن قتل النفس
تفيد الآية القرآنية بوحدة الخلق من نفسٍ واحدة "هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة"، وهو أمر يعني أن النفس البشرية لا يمكنها بأي حال التمييز فيما بينها خلقا وتسوية، ومعنى الحديث الذي يشير "ألا كلكم لآدم وآدم خلق من تراب"، من وحدة النفس تخرج قيمة المساواة والتسوية، وتبدو المساءلة والمسؤولية عن تلك النفس البشرية مسؤولية جماعية "من قتل نفسا بغير نفسٍ، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
كيف نرى إذا القتل المستمر على أراضي سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر؟ من كثرة عددهم وتعدادهم لم يعد أحد يحصي، تأتي أخبار القتلى في ذيل نشرات الأخبار، لا يقيم الناس وزنا لما يقع من ضحايا من براميل متفجرة، أو بحصد رشاشاتٍ، أو بضرب صواريخ وطائرات، وكأن ذلك من الطقوس اليومية التي تمر مرور الكرام، من كثرة اعتياد المشاهد وإلفة تلك الأخبار. وحينما تحصي عدد القتلى في نشرة واحدة، فإنه يتعدى المئات، يقتل هؤلاء من كل لون، مرة يسمونه تحالفا دوليا، ومرة يتحدثون عن تحالف إقليمي عربي، ومرات يبيد المستبد شعبه، ولا أحد يتحرّك. حتى الإدانات لم نعد نسمعها، تخرج بعد ذلك تقارير حقوق الإنسان على استحياء في مراتٍ أخرى، تُقرأ قراءة مسيسة، لكنها تصدر إبراء للذمة وتمر مرور الكرام من غير اهتمام.
وهناك أحداثٌ في الغرب، تستهدف فيها مجموعات مأفونة مسكونة بالعنف الضحايا، أي ضحايا، تحت عنوان يقوم على قاعدة الانتقام الأعمى. وفي هذا المقام، ستجد تلك الأخبار في صدر النشرات هنا وهناك، حتى في بلاد العرب والمسلمين، كما في بلاد الغرب والأميركان، وتشد إليها الأنظار، وتظل حديث الساعات الطوال، وتجري حوادث التأبين والتظاهرات والاحتجاجات للمواساة والتضامن مع أهل الضحايا. وفي طقسٍ يتعلق حتى بالدول التي يموت فيها من الضحايا، وتخرج بعض الأنظمة الاستبدادية تستنكر تلك الأحداث، وهي، في الوقت نفسه، تقتل الشعوب، وتمارس إبادة جماعية لإنسانها وشعوبها.
صحيح أن تلك نفس بشرية واحدة، ولكن التعامل معها يختلف، حتى أن بعضهم صار يميّز بين إنسان وإنسان، بين إنساننا وإنسانهم. وعلى الرغم من أن التوجيه الإلهي هو حرمة النفس
ومن هنا، سيجد الذين يستخفون بإنسان بلاد العرب وبلاد الغرب من يستخفون بدمائهم وإنسانهم، لأن التطرّف في الجانبين ملة واحدة، هي قتل بغير حق.
وفي هذا المقام، ستسود لغة خطاب سيتحدث عن إنسان وإنسان، عن إنساننا وإنسانهم، ونتبادل حالة الاستخفاف بالنفس البشرية هم يستخفون بإنساننا ونحن نستخفّ بإنسانهم. وتبدو الشعوب بين مطرقة وسندان، مطرقة الفعل الظالم من حضارة بلاد الغرب في دولها القوية وبين هؤلاء الذين تطرّفوا وسكنوا بصنوفٍ من العنف، تستخفّ بحرمة النفس. أليس هؤلاء الذين يدعمون المستبد في مساومة ومقاصة، من أجل تحصيل مصالحهم الأنانية، كي يتساهلوا في حق المستبد في قتل شعبه، ثم ينتفضون لقتل بعض أفراد من شعوبهم. ما يحيلنا إلى حقيقة أساسية؛ أنهم بفعلهم هذا تمتد يدهم إلى قتل إنساننا وإنسانهم، واستخفوا بنفسٍ واحدة، ففتحوا كل ذرائع قتل إنسانهم، واستخفوا بكل أشكال قتل إنساننا.. ألا أيها المستخفون بقتل النفوس ألا تستحون.. فتتخلون عن كل مسؤولية جماعية عن قتل النفس الإنسانية، وتحترفون بالحروب والقتل إفناء البشرية، تقتلون الإنسانية ولا تحيون البشرية، ألا ساء ما تحكمون.