ما أن أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، حتى أعاد موقع المرشد علي خامنئي، ومن بعده غالبية المواقع الرسمية الإيرانية، نشر ما قاله الأخير قبل مدة، معتبراً أن "الاختيار بين كلا المرشحين الرئاسيين الأميركيين، كما الاختيار بين السيء والأسوأ". لكنه أقرّ حينها أن "ترامب لفت الأميركيين لصراحته"، صراحة وصفها المرشد، إنها "تكشف ثغرات المجتمع الأميركي ومشكلاته، من قبيل العنصرية والفقر".
أيضاً في الخطاب عينه، ردّ خامنئي على تصريحات ترامب، الذي لوّح بنيّته "تمزيق" الاتفاق النووي، معتبراً خلال حملته الانتخابية أن "الكارثة تكمن في السماح لهذا البلد (إيران) بامتلاك قنبلة نووية". كما شدّد المرشد على أن "طهران هي التي سترمي نص الاتفاق بعيداً في حال نقضه". هاتان النقطتان تؤشران لما يعني إيران مباشرة من انتخاب ترامب رئيساً، أولهما تشي أن روابط البلدين كانت وستبقى معلقة، وثانيهما أن الاتفاق النووي قد يتعرض للخطر بوجود هذا الجمهوري في البيت الأبيض.
الحكومة الإيرانية المعتدلة رأت من طرفها أن نتائج الانتخابات الأميركية لا تؤثر على سياسة إيران الخارجية، وهو ما جاء أيضاً على لسان رئيسها، حسن روحاني، الذي رأى أن "ترامب سيدخل أميركا في دوامة صراع داخلي". واعتبر روحاني أن "واشنطن لم تعد كما السابق ولن تكون قادرة على استخدام ذات السياسات لشيطنة إيران دولياً، إيران التي اختارت الحوار مع الغرب، وأنهت أزمة النووي". كما ذكر وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، أن "الانتخابات الأميركية شأن داخلي"، مؤكداً أنه "على أي رئيس أميركي الالتزام بتنفيذ الاتفاق".
أما في ساحة العسكر، وهي الساحة الأكثر تحفّظاً على العلاقات مع الغرب وأميركا بالذات، والأكثر انتقاداً لآليات تطبيق الاتفاق النووي من الطرف الأميركي، خرجت تصريحات قادتها لتؤكد أن فوز ترامب أو غيره لا يعني إيران بشيء. وفي هذا الإطار، قال نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي، إن "السياسة الأميركية تجاه إيران لطالما كانت سلبية، ولن تتغير بتغير الرئيس".
برلمانياً، اعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، أن "انتخاب الأميركيين لترامب يعني تصويتهم على رفض سياسة الحرب والعنف التي لطالما انتهجتها الولايات المتحدة، لرغبة هذا الشعب بالتغيير الجذري في شخصية رئيسه"، حسب وصفه.
وقصد بروجردي بهذه التصريحات أن اختيار ترامب يعني اختيار شعارات التركيز على الاقتصاد والهم الداخلي، ونقلت عنه وكالة "مهر" قوله أيضاً إن "أموال الشعب الأميركي ضاعت على الحروب التي شنّتها واشنطن في بلدان أخرى".
من ناحيتها، قالت النائبة في البرلمان الإيراني، هاجر تشناراني، لـ"العربي الجديد"، إن "تغير الرئيس في أي مكان لا يعني نسف السياسات الخارجية لتلك الدولة بالكامل"، معتبرة أن "هذا الأمر يلخّص توقعات إيران التي ترجح استمرار ذات السياسات الأميركية السلبية تجاهها حتى باختلاف بعض التفاصيل".
وأضافت تشناراني أن "الولايات المتحدة لم تلتزم أصلاً بما عليها في الاتفاق النووي حتى الآن"، محملة واشنطن مسؤولية نقض التعهدات، لكنها رأت أن "ترامب سيكون ملزماً بتطبيق الاتفاق المصادق عليه دوليا شاء أم أبى". لذا، حتى وإن كان النووي هو الهم الأكبر بالنسبة لبعض المسؤولين الإيرانيين، لكنه قد يكون نقطة قوة قد تصب لصالح طهران بعد انتخاب ترامب رئيساً. ورأى بعض المحللين في إيران، أن فوز ترامب "قد يمنح" إيران داعمين أكثر، فتصريحات هذا الرجل الجدلية قد تتحول لسياسات قد تتسبب بنسف علني ومباشر لاتفاق بذل لأجله جهود غربية وحتى أميركية مضنية.
بدوره، استبعد المحلل والدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، أن "يختار ترامب التصعيد عسكرياً ضد إيران حتى لو هدد مستقبل الاتفاق"، متوقعاً أن "يفرض وسائل ضغط جديدة من خلال دول ثانية، منها الدول الخليجية، ودول الاتحاد الأوروبي، حين كانت طهران تنتظر بفارغ الصبر انفتاحاً أكبر نحو الغرب، بما يرمم اقتصادها المتدهور بفعل الحظر". وتوقع أفقهي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "العودة لسيناريو الضغط سيستدعي أن ترفع طهران مستوى قدراتها العسكرية أكثر، لاعتمادها على قوة الردع طيلة السنوات الماضية".
وأضاف أنه "لا يمكن توقع سياسة ترامب، ولكن خطاباته التي ركزت كذلك على الحرب على الإرهاب قد تحقق ما تريده إيران بالفعل، ألا وهو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وهو أمر لطالما اتهمت طهران حكومة الرئيس السابق، باراك أوباما، بتحمل مسؤولية تقدمه في المنطقة.
في السياق عينه، اعتبر نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي مطهري، المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل في الداخل الإيراني، في تصريحات صحفية أن وقوف ترامب ضد الاتفاق النووي سيصب لصالح طهران، فهذا الأخير لا يستطيع أن يتخذ خطوات عملية حقيقية لإلغائه دون دفع ثمن.
وأضاف مطهري، أنه "لو فاز الحزب الديمقراطي لكان لدى هؤلاء برنامج دقيق ومنظم ولاستطاعوا إيصال الأذى بطريقة باردة"، معتبراً كذلك أن "لدى الرئيس الجديد مواقف أكثر إيجابية مما يجري في سورية، وأكثر سلبية من السعودية، وأكثر قرباً من روسيا"، وهي نقاط تعني إيران كثيراً. بالتالي، تنظر إيران لما جرى في أميركا من ناحيتين نووية وأخرى سياسية تخص مسائل الإقليم، ومما يمكن ملاحظته من المواقف المعلنة فإن مستوى القلق لدى طهران ليس عالياً، حتى بوجود التخوف من عرقلة أحلام جني ثمار الاتفاق.