06 نوفمبر 2024
إيران.. حرب اللاحرب
لا يزال هناك من يعتقد أن ترويج ضربة عسكرية أميركية لإيران، ثم الإعلان عن إلغائها في اللحظة الأخيرة، هو جزء من خطة حربٍ برسم التنفيذ، ولا يزال بعض محللين خصومٍ لإيران يحاولون إنعاش الأمل في أن تتحول هذه الخطوة التي يسميها سون- تزو، العبقري الصيني الذي وضع قواعد لفنون الحرب قبل الميلاد بستة قرون، "الهجوم بالخداع" إلى بداية لحربٍ حقيقيةٍ، تقصم ظهر النظام الإيراني، وتضعف هيمنته على العراق، كما تفتح ثغراتٍ في جدران تدخلاته في أكثر من عاصمة عربية، وقد تساهم في وضع "صفقة القرن" على السكة، بزخمٍ أقوى وأشد. ولكن الحقيقة أن كل هذه الأمور ليست واردة في الحسابات الأميركية، وقد انتبهت طهران إلى ذلك في وقت مبكر، واتضح لها أن كل الأطراف المشاركة في الصراع، أو المراقبة له، تتحرّك وفق ضوابط تضعها في الحساب، قبل أن تشرع في أية خطوة جديدة، وكان أن تصرّفت بوحي من هذه المعطيات، إذ عمدت إلى اختبار سلسلةٍ من الردود التي تعكس حالة "حرب اللاحرب" التي تعيشها المنطقة، والتي عبّر عنها لاحقا المرشد الأعلى، علي خامنئي، بمقولته "لا نحن ولا هم (الأميركيون) من يسعى إلى الحرب".
تراوحت تلك الردود، صعودا وهبوطا، بين ميلٍ إلى التشدّد، والتهديد بمنع تصدير النفط من أي مكان، إذا ما منعت إيران من تصدير نفطها، وتوجيه ضرباتٍ عبر أذرعها المستنفرة في أكثر من موقع إلى كل المصالح الأميركية التي تصل إليها يدها، وبين إطلاق رسائل سلام إلى دول المنطقة، والإعراب عن رغبتها في الحوار معها من أجل تفادي مخاطر الحرب، وإيجاد انطباعٍ بأنها تسعى إلى تأسيس بيئةٍ مسالمةٍ مستقرّة، ترافق ذلك مع بذل جهد دبلوماسي مكثف، اعتمد على استثمار علاقاتها بحكوماتٍ وقوى وشخصياتٍ فاعلة، سواء داخل الولايات المتحدة، أو في دول أوروبا الغربية التي اتخذت مواقف محايدة، أو متردّدة في مساندة فكرة قيام تحالف مقترح لمواجهة إيران، ودعت إلى ضبط النفس، والركون إلى تسوياتٍ تتجاوز أخطار حربٍ تهدّد أمن المنطقة والعالم.
أزيد من ذلك، عملت على إطلاق رسائل إلى أصدقائها وخصومها، على حد سواء، اتسمت
بغموضٍ مقصودٍ رمت من ورائه إلى إحداث حالة إرباك، واستشفاف ردود الأفعال، والتنبؤ بالخطوات التي قد يتخذها الخصوم. وعندما شعرت أن تهديداتها قد تعطي مردودا معاكسا، حاولت التراجع عنها والتنصل من تبعاتها، أو إلقائها على عاتق أطراف أخرى، من ذلك واقعة ضرب ناقلات الفجيرة التي ربما كانت من تدبير متشدّدين موالين لها، كما عمدت إلى كبح جماح القوى المتشدّدة في الداخل، وأذرعها المسلحة الموجودة في أكثر من عاصمة، والتي كانت توعدت بتوجيه ضرباتٍ انتقامية للمصالح الأميركية.
هكذا أدارت طهران الصراع بينها وبين الولايات المتحدة، وبينها وبين خصومها الإقليميين، ونجحت، إلى حد ما، في الإفلات من الضغوط، ولو إلى حين. وجاء قرار ترامب بوقف تنفيذ ضربةٍ عسكريةٍ، كانت مقرّرة بمثابة نصرٍ لها عزّز من رصيدها لدى حلفائها وأصدقائها، وأتاح لهم فرصة تنفّس الصعداء، كما أثار موجةً من الغضب الصامت، والشعور بالخذلان في الدوائر الإسرائيلية، ولدى أصدقاء واشنطن في المنطقة، وعرض الرئيس ترامب للنقد، حتى بين بعض أركان إدارته، بسبب تخبطه وعدم قدرته على إدارة واحدةٍ من أخطر الأزمات التي كانت واشنطن طرفا في إيجادها، وزيادة سخونتها، وكان مجلس العلاقات الخارجية قد نبّه، في وقت مبكر، إلى أن ما يخشى منه في عهد ترامب "أن تكون لدى الولايات المتحدة قدرة محدودة في التأثير في الأحداث، لكنها قد تمتلك قدرة لا متناهية على إفساد الأمور"، وهذا ما حدث بالفعل، وقد خدم هذا العامل بالذات طهران، في كسب الجولة الأولى من الصراع، وهو ما دفع ترامب إلى التلويح بعدم سعيه إلى الحرب، ودعوته إلى التفاوض على "صفقةٍ"، تضمن ألا تمتلك إيران سلاحا نوويا، ولكي تعود "دولة عظيمة"!
لكننا ينبغي ألا نغفل أن وراء تردّد ترامب، وتراجعه، شعوره بخفوت نبرة الحرب داخل بلاده، وإدراكه قناعة الناخب الأميركي الذي لا يرى في حروب بلاده ما يوفر له وظيفة آمنة، أو تأمينا صحيا أفضل، أو تعليما لأولاده. ولذلك فإن "حرب اللاحرب" تظل الاحتمال الأقرب إلى التحقق في المدى المنظور.
تراوحت تلك الردود، صعودا وهبوطا، بين ميلٍ إلى التشدّد، والتهديد بمنع تصدير النفط من أي مكان، إذا ما منعت إيران من تصدير نفطها، وتوجيه ضرباتٍ عبر أذرعها المستنفرة في أكثر من موقع إلى كل المصالح الأميركية التي تصل إليها يدها، وبين إطلاق رسائل سلام إلى دول المنطقة، والإعراب عن رغبتها في الحوار معها من أجل تفادي مخاطر الحرب، وإيجاد انطباعٍ بأنها تسعى إلى تأسيس بيئةٍ مسالمةٍ مستقرّة، ترافق ذلك مع بذل جهد دبلوماسي مكثف، اعتمد على استثمار علاقاتها بحكوماتٍ وقوى وشخصياتٍ فاعلة، سواء داخل الولايات المتحدة، أو في دول أوروبا الغربية التي اتخذت مواقف محايدة، أو متردّدة في مساندة فكرة قيام تحالف مقترح لمواجهة إيران، ودعت إلى ضبط النفس، والركون إلى تسوياتٍ تتجاوز أخطار حربٍ تهدّد أمن المنطقة والعالم.
أزيد من ذلك، عملت على إطلاق رسائل إلى أصدقائها وخصومها، على حد سواء، اتسمت
هكذا أدارت طهران الصراع بينها وبين الولايات المتحدة، وبينها وبين خصومها الإقليميين، ونجحت، إلى حد ما، في الإفلات من الضغوط، ولو إلى حين. وجاء قرار ترامب بوقف تنفيذ ضربةٍ عسكريةٍ، كانت مقرّرة بمثابة نصرٍ لها عزّز من رصيدها لدى حلفائها وأصدقائها، وأتاح لهم فرصة تنفّس الصعداء، كما أثار موجةً من الغضب الصامت، والشعور بالخذلان في الدوائر الإسرائيلية، ولدى أصدقاء واشنطن في المنطقة، وعرض الرئيس ترامب للنقد، حتى بين بعض أركان إدارته، بسبب تخبطه وعدم قدرته على إدارة واحدةٍ من أخطر الأزمات التي كانت واشنطن طرفا في إيجادها، وزيادة سخونتها، وكان مجلس العلاقات الخارجية قد نبّه، في وقت مبكر، إلى أن ما يخشى منه في عهد ترامب "أن تكون لدى الولايات المتحدة قدرة محدودة في التأثير في الأحداث، لكنها قد تمتلك قدرة لا متناهية على إفساد الأمور"، وهذا ما حدث بالفعل، وقد خدم هذا العامل بالذات طهران، في كسب الجولة الأولى من الصراع، وهو ما دفع ترامب إلى التلويح بعدم سعيه إلى الحرب، ودعوته إلى التفاوض على "صفقةٍ"، تضمن ألا تمتلك إيران سلاحا نوويا، ولكي تعود "دولة عظيمة"!
لكننا ينبغي ألا نغفل أن وراء تردّد ترامب، وتراجعه، شعوره بخفوت نبرة الحرب داخل بلاده، وإدراكه قناعة الناخب الأميركي الذي لا يرى في حروب بلاده ما يوفر له وظيفة آمنة، أو تأمينا صحيا أفضل، أو تعليما لأولاده. ولذلك فإن "حرب اللاحرب" تظل الاحتمال الأقرب إلى التحقق في المدى المنظور.