04 نوفمبر 2024
إيران والغرب، أبعد من النووي
بمجرد توقيع الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، بدأت توقعات عن عودة العلاقات والتطبيع بين إيران والغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، وعن البدء بمرحلة جديدة بين الطرفين. وكان لافتاً ابتهاج إيرانيين كثيرين بتوقيع الاتفاق، باعتباره سيكون فاتحة لتغيير علاقة إيران مع العالم، وبالتالي، مزيداً من الانفتاح الخارجي والداخلي، يترافق مع قدر أكبر من الحرية. وكان موضوع رفع العقوبات والإفراج عن الأموال المجمدة الذي جاء بنداً في الاتفاق، مشجعاً لهم على الإسراف في تفاؤلهم، إلا أن إنشاء المفاعلات النووية، أو محاولة إيران إنتاج قنبلة نووية، لم يكن سبب قطع العلاقات بين الطرفين، أو التوتر الذي ساد بينهما طوال 30 عاماً، لكي يأتي الاتفاق حولها ويصلح ما أفسدته عوامل أخرى، غير أن ما فعله الاتفاق من إحداث خرقٍ، يمكن أن يؤدي إلى خرق آخر، ونشهد التطبيع بين الطرفين، على الرغم من أن كثيراً من رواسب أزمنة المواجهة والملفات الخلافية العالقة قد تجعله تطبيعاً أعرج.
وكان مسؤولون إيرانيون قد دعوا، بداية الشهر الحالي، الولايات المتحدة، إلى تغيير سياستها تجاه إيران، كثمرة للاتفاق، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في بيان لوزارته في السابع من أغسطس/آب الماضي، إن على الولايات المتحدة وقف شيطنة إيران في العالم ووضع خطاب تهديدها جانباً، معتبراً أن بلاده لم تكن تسعى إلى إنتاج قنبلة نووية، معقباً بذلك على تصريح للرئيس الأميركي، باراك أوباما، قال فيه إن الاتفاق حال دون إنتاج القنبلة الإيرانية، كما طالب الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في الفترة نفسها، في حديث صحافي، الولايات المتحدة، بتصحيح أخطائها وصورتها في أذهان الإيرانيين. غير عارفٍ أن صورة إيران لدى المواطنين الغربيين ليست على ما يرام، وأنه ليس من السهل، إن صححت إيران أخطاءها، أن تتحسن صورتها لدى المواطن الغربي. وهو أمر ربما يحتاج إلى عوامل كثيرة، للمساهمة فيه، تبدأ بالزمن، ولا تنتهي بالأفعال.
فلا يمكن لاتفاق أنجز منذ فترة قريبة أن يمحو ما علق في أذهان المواطن أو المسؤول الغربي ولا وعيه، على مدار حقبة زمنية طويلة، شهدت توتراً بين إيران ودول كثيرة، فلا وجود في الواقع الحالي لما يشير إلى تأثير الاتفاق على سياسة إيران المتبعة في المنطقة، أو إسهامه في تغييرها، وهو ما يعتبر، بحد ذاته، إشارة للاعبين الدوليين في الاستمرار بسياستهم تجاهها. فدعم إيران الحوثيين في حربهم في اليمن لم يتوقف. كما لم تتغير سياستها تجاه سورية والعراق، علاوة على استمرار دعمها حزب الله اللبناني. وهي إشارات يعتمد عليها الغرب في صياغة استراتيجيته في المنطقة، ويأخذها بالاعتبار لدى التفكير بتغيير سياسته تجاه طهران.
نما العداء وعدم الثقة بين الطرفين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. حيث قُطعت علاقات إيران مع دول كثيرة، وخصوصاً بعد حادث احتجاز رهائن السفارة الأميركية. وإن كان حادث السفارة قد أجج روح العداء بين إيران والغرب، فقد أتى بعده مسلسل اختطاف الدبلوماسيين الأميركيين والغربيين في بيروت أوائل الثمانينات، وقتل بعضهم، وتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية ومقرات المارينز في الفترة عينها، ليكرس ذلك العداء ويزيده. وفي المقابل، كان دعم الولايات المتحدة صدام حسين في حربه ضد إيران مكملاً للعداء الذي بدأ مع انتصار الثورة، ما ساهم باعتبار الولايات المتحدة إيران داعمة للإرهاب. وازداد هذا العداء مع استهداف الولايات المتحدة، في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، الجانب الإيراني. ثم بعد ذلك، استهداف المقاتلات الأميركية طائرة مدنية إيرانية عام 1988 وإسقاطها.
كما ساد جو من التوتر في المنطقة العربية، بين من تعتبرهم الولايات المتحدة حلفاءها في المنطقة العربية وإيران، جراء نظرية تصدير الثورة التي خرج بها النظام الإيراني في بداية الثمانينيات. نظرية جعلت إيران تنصب نفسها وصية على العالم الإسلامي، واعتبار نفسها مخلصاً للشعوب الإسلامية من الهيمنة الغربية. هي النظرية التي تعتبر أحد مسببات اندلاع الحرب بين العراق وإيران، بسبب الريبة من نيات إيران. واستمر هذا التوتر طوال فترة الحرب التي ظلت مستعرة ثماني سنوات. علاوة على تنظيم الحجاج الإيرانيين مظاهرات في الحرم المكي، بشكل لا يمكن اعتباره سوى أنه كان رسالة تحذيرية للمملكة العربية السعودية. واعتبر ذلك كله مؤشرات على نية إيران قلب أنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، وهو أمر جعل دولاً عربية كثيرة تقوي علاقاتها العسكرية مع الدول الغربية، حتى باتت المنطقة تشهد سباق تسلح بين الدول على ضفتي الخليج.
ولم يكن التوتر غائباً في عملية التفاوض الطويلة حول البرنامج النووي الإيراني، بل رمى بظلاله على المنطقة، وعلى العلاقات بين الغرب وإيران وقتها. فلم تتوقف التهديدات الغربية لإيران لدفعها إلى إيقاف برنامجها. ووصل الأمر بساسة الكيان الصهيوني للإعداد لضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية، تقوم بها الطائرات الإسرائيلية بتغطية ودعم أميركيين. وبقي التلويح بالضربة ماثلاً سنوات، لا يغيب حتى يعود من جديد. كما أن الهجمات الإلكترونية الأميركية بالفيروسات لم تتوقف هي أيضاً، في محاولة للولوج إلى أنظمة المفاعلات وتخريبها، بغية توقيف البرنامج أو تدميره.
لذلك، وفي ظل نيات أوباما الاستمرار بإحداث تغيير، وعد به في أثناء حملاته الانتخابية، وتجلى على الصعيد الدولي، أخيراً، بعودة العلاقات مع كوبا، بعد قطيعة استمرت عقوداً. وشهدت العلاقات ما شهدت من توترات وأحداث، كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. وتجلى، أيضاً، بهذا الاتفاق الذي نتكلم عنه. وعلى الرغم من جرعة الفرح بافتتاح السفارة البريطانية في طهران، قبل أيام، فإن من الممكن لكل تلك الآمال أن تتداعى، جراء تصرفات عدوانية، قد يفتعلها إيرانيون مأخوذون بفكرة معاداة الغرب التي زرعتها حكومتهم في لاوعيهم عقوداً.
وكان مسؤولون إيرانيون قد دعوا، بداية الشهر الحالي، الولايات المتحدة، إلى تغيير سياستها تجاه إيران، كثمرة للاتفاق، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في بيان لوزارته في السابع من أغسطس/آب الماضي، إن على الولايات المتحدة وقف شيطنة إيران في العالم ووضع خطاب تهديدها جانباً، معتبراً أن بلاده لم تكن تسعى إلى إنتاج قنبلة نووية، معقباً بذلك على تصريح للرئيس الأميركي، باراك أوباما، قال فيه إن الاتفاق حال دون إنتاج القنبلة الإيرانية، كما طالب الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في الفترة نفسها، في حديث صحافي، الولايات المتحدة، بتصحيح أخطائها وصورتها في أذهان الإيرانيين. غير عارفٍ أن صورة إيران لدى المواطنين الغربيين ليست على ما يرام، وأنه ليس من السهل، إن صححت إيران أخطاءها، أن تتحسن صورتها لدى المواطن الغربي. وهو أمر ربما يحتاج إلى عوامل كثيرة، للمساهمة فيه، تبدأ بالزمن، ولا تنتهي بالأفعال.
فلا يمكن لاتفاق أنجز منذ فترة قريبة أن يمحو ما علق في أذهان المواطن أو المسؤول الغربي ولا وعيه، على مدار حقبة زمنية طويلة، شهدت توتراً بين إيران ودول كثيرة، فلا وجود في الواقع الحالي لما يشير إلى تأثير الاتفاق على سياسة إيران المتبعة في المنطقة، أو إسهامه في تغييرها، وهو ما يعتبر، بحد ذاته، إشارة للاعبين الدوليين في الاستمرار بسياستهم تجاهها. فدعم إيران الحوثيين في حربهم في اليمن لم يتوقف. كما لم تتغير سياستها تجاه سورية والعراق، علاوة على استمرار دعمها حزب الله اللبناني. وهي إشارات يعتمد عليها الغرب في صياغة استراتيجيته في المنطقة، ويأخذها بالاعتبار لدى التفكير بتغيير سياسته تجاه طهران.
نما العداء وعدم الثقة بين الطرفين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. حيث قُطعت علاقات إيران مع دول كثيرة، وخصوصاً بعد حادث احتجاز رهائن السفارة الأميركية. وإن كان حادث السفارة قد أجج روح العداء بين إيران والغرب، فقد أتى بعده مسلسل اختطاف الدبلوماسيين الأميركيين والغربيين في بيروت أوائل الثمانينات، وقتل بعضهم، وتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية ومقرات المارينز في الفترة عينها، ليكرس ذلك العداء ويزيده. وفي المقابل، كان دعم الولايات المتحدة صدام حسين في حربه ضد إيران مكملاً للعداء الذي بدأ مع انتصار الثورة، ما ساهم باعتبار الولايات المتحدة إيران داعمة للإرهاب. وازداد هذا العداء مع استهداف الولايات المتحدة، في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، الجانب الإيراني. ثم بعد ذلك، استهداف المقاتلات الأميركية طائرة مدنية إيرانية عام 1988 وإسقاطها.
كما ساد جو من التوتر في المنطقة العربية، بين من تعتبرهم الولايات المتحدة حلفاءها في المنطقة العربية وإيران، جراء نظرية تصدير الثورة التي خرج بها النظام الإيراني في بداية الثمانينيات. نظرية جعلت إيران تنصب نفسها وصية على العالم الإسلامي، واعتبار نفسها مخلصاً للشعوب الإسلامية من الهيمنة الغربية. هي النظرية التي تعتبر أحد مسببات اندلاع الحرب بين العراق وإيران، بسبب الريبة من نيات إيران. واستمر هذا التوتر طوال فترة الحرب التي ظلت مستعرة ثماني سنوات. علاوة على تنظيم الحجاج الإيرانيين مظاهرات في الحرم المكي، بشكل لا يمكن اعتباره سوى أنه كان رسالة تحذيرية للمملكة العربية السعودية. واعتبر ذلك كله مؤشرات على نية إيران قلب أنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، وهو أمر جعل دولاً عربية كثيرة تقوي علاقاتها العسكرية مع الدول الغربية، حتى باتت المنطقة تشهد سباق تسلح بين الدول على ضفتي الخليج.
ولم يكن التوتر غائباً في عملية التفاوض الطويلة حول البرنامج النووي الإيراني، بل رمى بظلاله على المنطقة، وعلى العلاقات بين الغرب وإيران وقتها. فلم تتوقف التهديدات الغربية لإيران لدفعها إلى إيقاف برنامجها. ووصل الأمر بساسة الكيان الصهيوني للإعداد لضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية، تقوم بها الطائرات الإسرائيلية بتغطية ودعم أميركيين. وبقي التلويح بالضربة ماثلاً سنوات، لا يغيب حتى يعود من جديد. كما أن الهجمات الإلكترونية الأميركية بالفيروسات لم تتوقف هي أيضاً، في محاولة للولوج إلى أنظمة المفاعلات وتخريبها، بغية توقيف البرنامج أو تدميره.
لذلك، وفي ظل نيات أوباما الاستمرار بإحداث تغيير، وعد به في أثناء حملاته الانتخابية، وتجلى على الصعيد الدولي، أخيراً، بعودة العلاقات مع كوبا، بعد قطيعة استمرت عقوداً. وشهدت العلاقات ما شهدت من توترات وأحداث، كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. وتجلى، أيضاً، بهذا الاتفاق الذي نتكلم عنه. وعلى الرغم من جرعة الفرح بافتتاح السفارة البريطانية في طهران، قبل أيام، فإن من الممكن لكل تلك الآمال أن تتداعى، جراء تصرفات عدوانية، قد يفتعلها إيرانيون مأخوذون بفكرة معاداة الغرب التي زرعتها حكومتهم في لاوعيهم عقوداً.