10 نوفمبر 2024
إيران وحافّة المواجهة
يبدو أن إيران وجدت نفسها تمتثل لشروط أميركا في "الاتفاقية النووية الملغاة" بشكل مجاني، من دون أن تلتزم أميركا بشيء، بل وما زالت تطبق عليها العقوبات، الواحدة بعد الأخرى. يحاول الرئيس حسن روحاني أن يمارس ما يشبه ألعاب "السحر الأسود"، بإعلانه العودة إلى نشاطات نووية حظرتها الاتفاقية على إيران، ولكنه يُبقي العصا ممسوكة من المنتصف، ويقول إن الاتفاقية تسمح بمثل هذا النشاط إذا أخلَّ طرف آخر بالاتفاقية (أو ألغاها)، وروحاني بذلك يوجه رسالة مزدوجة، واحدة إلى أوروبا للمحافظة على الاتفاق، والأخرى إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن إيران ستستأنف نشاطها النووي.
وبما أن الذكرى الأولى لخروج أميركا من الاتفاقية قد حلت، فقد بادر ترامب إلى فرض عقوبة جديدة أعقبت الإعلان الإيراني، تطاول تصدير الحديد والألمنيوم والنحاس. ولم تكن هذه النقطة بدايةً للتراشق الإيراني الأميركي، فقد سبقها دخول حاملة الطائرات الأميركية إبراهام لنكولن إلى الخليج، مدعمة بقاذفات استراتيجية ثقيلة نوع بي 52، وحراك دبلوماسي تمثل في زيارة لوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى بغداد، وهو ما استدعى كل هذا التسخين. لطالما كان هناك حاملة طائرات مرابطة على الدوام قبالة السواحل الإيرانية في الخليج، يتم تبديلها دورياً، ما يعني أن الحدود الإيرانية تحت مراقبةٍ دائمة، ولكن المواكبة الإعلامية الضخمة لدخول "أبراهام لنكولن" قرعت جرس إنذار قوي في ردهات السياسة الإيرانية. وإيضاحا للأمر بشكل جلي، خرج ترامب وقال: "أريدهم أن يتصلوا بي".
يصدُق حدس المحللين في هذا الشأن، فأميركا لا ترغب بمواجهة مباشرة، ولا تريد أن تقعقع بالسلاح، ولكنها ترغب في فتح طاولة مفاوضاتٍ جديدة، للحصول، فيما يبدو، على تنازل أكبر واتفاقية جديدة تفرض مزيداً من القيود على إيران، ولا يرغب الساسة في البيت الأبيض، في أي حال، بتغيير النظام الإيراني، لكن المطلوب ترويضه قليلاً، والتضييق العسكري والخنق الاقتصادي أدوات الوصول إلى هذا الهدف.
ظن باراك أوباما أنه حقق المطلوب، وتخلص من كابوس امتلاك إيران سلاحا نوويا بتوقيع اتفاقه الشهير، فتحولت إيران، بعد أن أمنت الجانب الأميركي إلى حالةٍ سائلة، تمددت في العراق وسورية ولبنان واليمن، وأوجدت ظرفاً مستعصياً في غزة، وشكلت قلقاً لإسرائيل. ويتوقع ترامب، بإجراءاته الراهنة، أن إيران ستنكمش متراجعةً، وطالبة توقيع عقد جديد. ولكنْ في وقت يفتح فيه ترامب جبهة إيران باتساع كبير يفتح جبهاتٍ أخرى، إحداها مع الصين، بتطبيق إجراءات تجارية مستفزة، ويفتح جبهة مع فنزويلا جعلت رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، يتململ، ويستمر في حالة الأخذ والرد مع الزعيم الكوري الشمالي. ويتوقع ترامب أن يحصد انتصاراتٍ بالجملة في جميع هذه الجبهات.
ستقف الدول المذكورة والمتضرّرة من سياسات ترامب متكاتفة، وبعضها أعضاء دائمون في مجلس الأمن. ومن غير المتوقع أن يحصل انزياح كبير في المواقف الإيرانية، والحالة الإيرانية تراوح بهذا الشكل منذ انتهاء حرب الخليج الثالثة، وزوال حكم صدّام حسين الذي خلّف فراغاً أرادت إيران ملأه، والتغلغل فيما وراءه، وصولاً إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، وهي استفادت من ظرفٍ أحدثته أميركا ذاتها، فقد تم إضعاف العراق، ولاحقاً انكفأت مصر بصورة كبيرة إلى الداخل، ليتمكن النظام الجديد من تثبيت أقدامه. والسعودية، على الرغم من إمكاناتها الكبيرة، لكنها عاجزة عن ملء فراغ بهذا الحجم، وتبقى إسرائيل طرفاً غير مقبول إقليمياً حتى الآن.
في ظل تموضع سياسي قلق بهذا الشكل، تجد إيران متسعاً لنفسها للتمدّد، وهي متأكدة من أن الضغط لن يتجاوز التهديد، ويمكنها أن تمتص غضب الشارع الداخلي إلى مدىً غير محدود، وقد أخمدت مرتين تحركاتٍ كبيرةً قامت ضد الحكومة والنظام. ولذلك على أميركا أن تلجأ إلى أساليب جديدة للتعامل مع إيران، إن هي أرادت، فعلاً، ترويضها.
يصدُق حدس المحللين في هذا الشأن، فأميركا لا ترغب بمواجهة مباشرة، ولا تريد أن تقعقع بالسلاح، ولكنها ترغب في فتح طاولة مفاوضاتٍ جديدة، للحصول، فيما يبدو، على تنازل أكبر واتفاقية جديدة تفرض مزيداً من القيود على إيران، ولا يرغب الساسة في البيت الأبيض، في أي حال، بتغيير النظام الإيراني، لكن المطلوب ترويضه قليلاً، والتضييق العسكري والخنق الاقتصادي أدوات الوصول إلى هذا الهدف.
ظن باراك أوباما أنه حقق المطلوب، وتخلص من كابوس امتلاك إيران سلاحا نوويا بتوقيع اتفاقه الشهير، فتحولت إيران، بعد أن أمنت الجانب الأميركي إلى حالةٍ سائلة، تمددت في العراق وسورية ولبنان واليمن، وأوجدت ظرفاً مستعصياً في غزة، وشكلت قلقاً لإسرائيل. ويتوقع ترامب، بإجراءاته الراهنة، أن إيران ستنكمش متراجعةً، وطالبة توقيع عقد جديد. ولكنْ في وقت يفتح فيه ترامب جبهة إيران باتساع كبير يفتح جبهاتٍ أخرى، إحداها مع الصين، بتطبيق إجراءات تجارية مستفزة، ويفتح جبهة مع فنزويلا جعلت رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، يتململ، ويستمر في حالة الأخذ والرد مع الزعيم الكوري الشمالي. ويتوقع ترامب أن يحصد انتصاراتٍ بالجملة في جميع هذه الجبهات.
ستقف الدول المذكورة والمتضرّرة من سياسات ترامب متكاتفة، وبعضها أعضاء دائمون في مجلس الأمن. ومن غير المتوقع أن يحصل انزياح كبير في المواقف الإيرانية، والحالة الإيرانية تراوح بهذا الشكل منذ انتهاء حرب الخليج الثالثة، وزوال حكم صدّام حسين الذي خلّف فراغاً أرادت إيران ملأه، والتغلغل فيما وراءه، وصولاً إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، وهي استفادت من ظرفٍ أحدثته أميركا ذاتها، فقد تم إضعاف العراق، ولاحقاً انكفأت مصر بصورة كبيرة إلى الداخل، ليتمكن النظام الجديد من تثبيت أقدامه. والسعودية، على الرغم من إمكاناتها الكبيرة، لكنها عاجزة عن ملء فراغ بهذا الحجم، وتبقى إسرائيل طرفاً غير مقبول إقليمياً حتى الآن.
في ظل تموضع سياسي قلق بهذا الشكل، تجد إيران متسعاً لنفسها للتمدّد، وهي متأكدة من أن الضغط لن يتجاوز التهديد، ويمكنها أن تمتص غضب الشارع الداخلي إلى مدىً غير محدود، وقد أخمدت مرتين تحركاتٍ كبيرةً قامت ضد الحكومة والنظام. ولذلك على أميركا أن تلجأ إلى أساليب جديدة للتعامل مع إيران، إن هي أرادت، فعلاً، ترويضها.