ويدرك المراقب للملف العراقي أن الخلاف بين الصدر شخصياً، وتياره عموماً، من جهة، وقيادة النظام الإيراني من جهة ثانية، قديم ويعود على الأقل إلى ما بعد احتلال عام 2003 وانتقال طهران إلى موقع اللاعب الخارجي القوي في بغداد. وهنا يستذكر العراقيون فترات الاعتكاف الطويلة التي كان يقضيها الصدر أكان عندما كان مقيماً في إيران أو بعد عودته النهائية إلى العراق، ومسلسل الاعتزالات السياسية الدورية التي كان يعلنها اعتراضاً منه على المواقف الإيرانية التي يضعها كثيرون في خانة "الأوامر". لكن المستوى الذي بلغته العلاقة اليوم، قد يكون غير مسبوق، ويعود بشكل رئيسي إلى اتفاق حكام طهران مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على بندين: دعم إيران لمشروع العبادي القاضي بتغيير حكومته بشكل شبه كامل من ناحية أولى، في مقابل تراجع العبادي نفسه عن لاءاته السابقة لناحية إشراك قوات "الحشد الشعبي" في معركة الموصل، من ناحية ثانية، فضلاً طبعاً عن تراجعه إزاء قرار تسريح عدد كبير من مقاتلي "الحشد" وإقالة المدعو أبو مهدي المهندس من مركز نائب قائد قوات "الحشد". اتفاق كان أشبه بمصالحة بين العبادي وطهران بعد فترة طويلة من الخلافات والضغوط. ويبدو أن هذا الاتفاق أدى إلى تفاقُم الخلاف بين الصدر وطهران.
ووفقاً لمصادر المكتب السياسي للتيار الصدري في بغداد، فإن "الخلافات حقيقية وما يتم تداوله في الشارع صحيحاً". وتبيّن هذه المصادر أنّ "الخلافات بين الصدر وسليماني تعود إلى ما قبل عملية تحرير تكريت العام الماضي، إذ يتولّى الثاني الإشراف على مليشيات الحشد الشعبي. ويتهم الصدر كلاً من سليماني والقيادي في الحشد، أبو مهدي المهندس، بالتعمد في إضعاف جهود عناصر سرايا السلام (التابعة للصدر) وتهميشهم سواء في ذكر "منجزاتهم" المحقّقة على الأرض ضد تنظيم داعش أو في مسألة مرتبات أفراد السرايا وحقوقهم التي تصرف من قبل الحكومة ويشرف على توزيعها المهندس، ضمن لجنة يترأسها لبقية الفصائل. وتضيف المصادر ذاتها أنّ "العلاقات ظلّت متفاوتة، وباردة، ومقطوعة من دون لقاء مباشر بين الصدر وسليماني على خلاف باقي الزعامات السياسية في التحالف الوطني المحسوب على إيران بشكل عام. إلّا أن وصول الصدر، نهاية الشهر الماضي، إلى بغداد، وقيادته التظاهرات المناوئة لحكومة حيدر العبادي ورفضه خطة رئيس الحكومة حيدر العبادي للإصلاح الذي يصفه بالترقيعي، والدعوة لتشكيل حكومة جديدة خلال 45 يوماً أو اقتحام المنطقة الخضراء بعد انتهاء المهلة، فاقمت الخلافات بين الجانبين".
وتؤكد مصادر التيار الصدري أنّ "سليماني أبلغ التحالف بدعم طهران للعبادي، كما اتخذ سلسلة خطوات في إقناع باقي كتل التحالف التي كانت رافضة لخطوات رئيس الحكومة الإصلاحية، وهو ما أدى إلى إعلان الكتل تقديم استقالات وزرائهم للعبادي باستثناء الصدر الذي رفض طلب سليماني في إيقاف التظاهرات ودعم العبادي"، على حدّ قوله. وتلفت هذه المصادر إلى أنّ "المالكي الذي كان من أشد المعارضين لخطوات العبادي ليلة السبت الماضي، خرج علينا فجأة، صباح الأحد، ليعلن دعمه له ويطالبنا بدعمه أيضاً".
اقرأ أيضاً: العراق: تظاهرات الصدر استعراض للقوة وضغط على العبادي
وتتابع المصادر المقربة من زعيم التيار الصدري، قائلة "نعلم أن إعلان العبادي مشاركة الحشد في الموصل، وإعادة المهندس لمنصبه، وتجميد قرار تسريح 30 في المائة من الحشد يأتي استجابة لطلبات سليماني الذي دعمه بالمقابل أمام كتل التحالف في مشروعه السياسي لتغيير الحكومة". وتبيّن أنّ سليماني طلب، الخميس الماضي، من الصدر عبر شخصيات عراقية أرسلها إليه، وقف التظاهرات، والتوقف عن معارضة إجماع كتل التحالف الوطني، وهو ما رفضه الصدر، وأوصل رسالة شديدة اللهجة إلى سليماني تتضمّن عبارات حادة وطالبه بـ"عدم التدخل وترك العراق لأهله"، وفقاً لهذه المصادر.
وعرف خطاب مقتدى الصدر؛ زعيم أكبر التيارات السياسية الشيعية، كما يحظى بشعبية واسعة في الجنوب العراقي وبغداد مقارنة بباقي مكوّنات التحالف الوطني، أخيراً، بالنزعة الوطنية والقومية في طرح القضايا والمشاكل العراقية. ويتقاطع مع حزب "الدعوة" وتيارات أخرى مقرّبة من طهران مثل "بدر"، و"الفضيلة"، و"العصائب"، فضلاً عن تلك التي تمتلك أجنحة مسلّحة تعمل ضمن "الحشد الشعبي".
وفي السياق، يتساءل رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري بالعراق، رئيس كتلة التيار الصدري في البرلمان العراقي، الدكتور ضياء الأسدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عمّا إذا كانت التظاهرات حصلت في طهران حتى يرضى أو لا يقبل بها سليماني؟ ويتابع الأسدي أن "القضية لا تتعلق بإيران بل بالعراق، والتظاهرات مطالب الجماهير. وإذ كان غير راضٍ فهذا ليس من حقّه. القضية تتعلق بشعب العراق ولا يحق لأحد التدخل فيها"، على حدّ تعبيره. ويضيف الأسدي أن "قرارنا مستقل ووطني ولا يخصّ أي شخص داخل العراق أو خارجه"، مؤكداً أنّ "الإيرانيين أذكى من أن يتدخلوا بشكل مباشر لمنع تظاهرات أو مطالب شعبية في العراق".
وحول ما وصلت إليه الحكومة من استجابة لمطالب المتظاهرين، يقول الأسدي، إنّ "الحكومة تتحدث عن استجابة للتظاهرات لكنها ليست بمستوى المطالب المرفوعة، ولا يزال الكثير منها غير منفّذ. كما أنّ الحكومة لم تستجب للمطالب الأساسية، وهي تغيير الكابينة الوزارية، ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء المحاصصة". ويضيف رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري، "تكمن المشكلة في الكتل السياسية التي من الصعب أن تتفق على قضية معينة، وتخشى أن تفقد مكاسبها وامتيازاتها جراء أي تعديل أو إصلاح"، مؤكداً أن "صاحب القرار الحالي هي الكتل السياسية، والعبادي يريد إجراء الإصلاحات، لكن الكتل لا تملك القدرة على اتخاذ الموقف الصحيح في الوقت المناسب"، على حدّ تعبيره.
وتتزامن هذه التسريبات مع بيان للصدر هاجم فيه، أمس السبت، التحالف الوطني واصفاً إياه بـ"التخالف الوطني". وقال الصدر في بيانه، "كل الحب والوفاء والشكر والامتنان لمن تظاهروا أمام أبواب المنطقة الحمراء (الخضراء) يداً بيد مع القوات الأمنية العراقية البطلة، على الرغم من المنع الذي صدر من رئيس الوزراء بخصوص مكان التظاهر، بعدما حصل على تأييد بعض حلفائه في التحالف لتعطيل التظاهرات، وكتم الصوت العراقي الحر". ودعا الصدر إلى "الاستمرار بالتظاهر في بغداد حصراً، بحضور أهالي بغداد والمحافظات جمعاء، لمن استطاع المجيء منكم، بتظاهرة سلمية للوصول إلى الإصلاحات الشاملة والحقيقية بأسرع وقت ممكن لإيصال العراق إلى برّ الأمان".
ويعتبر مراقبون للساحة العراقية أنّ الخلافات الحادة بين سليماني والصدر، قد تكون مقدمة لانتهاء صفحة "إيران تقرر وزعماء التحالف ينفذون في العراق"، خصوصاً أنّ الصدر يمثل التيار العربي داخل النجف دينياً وسياسياً في بغداد ضمن خيمة التحالف الوطني". وانتشرت، أخيراً، على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للتيار الصدري، صور لقاسم سليماني مذيلة بعبارات هجومية تطالبه بمغادرة العراق وتمجّد الصدر.
اقرأ أيضاً: جدل واسع إثر زيارة قائد عسكري إيراني لمحافظة عراقية