لم يستوعب أنصار "الجزائر فرنسية"، حتى الآن، فكرة استقلال البلد العربي، وأن الاستعمار الفرنسي ولّى إلى غير رجعة، فضلاً عن أن حجم الجالية الجزائرية أو الفرنسيين المتحَدِرين من أصول جزائرية، يثير قلقهم كثيراً، ولا يستطيعون إخفاء هذا الشعور.
وأتت مباريات المنتخب الجزائري لتُشعل الحرائق من جديد وتخرج العنصرية من جحرها. لا يستطيع المواطن الجزائري أو المتحدر من الجزائر منع نفسه، في مثل هذه المناسبات الكروية، من الخروج للشوارع، وخصوصاً إلى جادّة الشانزيليزيه، والتلويح بِعَلم "جبهة التحرير الوطني" الجزائري، بكل ما يحمل هذا العَلم من ذكريات صعبة في باريس. إذ يُمثل انتفاضة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، التي تحولت إلى مجزرة، بعد قذف عشرات المتظاهرين في نهر السين.
وأيّدت فرنسا "الشعبية"، المنتخب الجزائري بكثير من التعاطف، وخصوصاً في المباراة الأخيرة مع ألمانيا، إذ يكفي أن يستمع المرء إلى المعلق الرياضي الفرنسي في القناة الأولى، وهو بالكاد يُخفي هواه الجزائري، ويُصبغ كلّ المديح على أبطال الجزائر، وهم يقاومون الماكينة الألمانية الثقيلة، بشراسة ملحمية هوميروسية. ومع ذلك خرجت بعض الأصوات العنصرية من عقالها.
على رأس العنصريين، الصحافي، إيريك زيمّور، الذي يُعرّف نفسه بـ"اليهودي من أصول بربرية"، والذي خسر كثيراً من القضايا القضائية بسبب خطاباته العنصرية، التي طالت العرب والمسلمين والسود والنساء أيضاً.
يصرُخُ زيمّور: "أنا لا أؤمن بمقولة فرنسا هي أبي والجزائر أمّي. لدينا أمّةٌ فرنسية، وليس لدينا ولاءٌ مزدوج. هؤلاء إمّا أن يظلوا جزائريين، ولديهم الحقّ في أن يكونوا سعداء بانتصار فريقهم، وإمّا أن يكونوا فرنسيين".
على المستوى عينه، انتهزت زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف، مارين لوبان، هذه الأحداث لتُطالب بوضع حد لازدواجية الجنسية وإيقاف الهجرة. ولفتت الى أنه "يجب الاختيار بين أن يكون المرء فرنسياً أو شيئاً آخر. إما أن تكون جزائرياً أو فرنسياً، إما مغربياً أو فرنسياً".
وكعادتها في استخلاص الدروس والعِبَر، قالت: "إن ما يحدث، من أحداث شغب، برهان على الفشل الكامل لسياسة الهجرة، وعلى الرفض الذي عبّر عنه بعضُ من يحمل جنسيتين اثنتين، لاستيعابهم في المجتمع الفرنسي".
من جهته، أصدر عمدة مدينة نيس، كريستيان إيستروزي، قراراً يحظُر التلويح بالأعلام الوطنية للدول الأجنبية في وسط المدينة، من السادسة مساءً حتى الرابعة صباحاً، ويسري القرار حتى يوم 13 يوليو/تموز، أي إلى نهاية مباريات كأس العالم.
ولا يُخفى على أحد أن هذا القرار يستهدف الجزائر وعشاق المنتخب الجزائري بالدرجة الأولى، وليس غريباً أن يصدُر هذا القرار من هذا السياسي اليميني، المنضوي تحت حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، والذي صدرت عنه في السابق تصريحات عنصرية عنيفة ضد الغجر والمهاجرين.
من حسن الحظّ أن الفريق الجزائري خاض مقابلة جيدة ونظيفة ضد ألمانيا، وهُزم بشرف، بعد أن أجبر الألمان على الاحتكام إلى الأشواط الإضافية، وهو ما يعني أنه قدّم خدمة جليلة لفرنسا. وهذا الإنجاز هو ما يَغيظ عنصريي فرنسا، الذين سيموتون بغيظهم، وينتظرون أدنى فرصة مقبلة للإطلالة برؤوسهم.