12 نوفمبر 2024
احتقار المسلمين حماية لدينهم!
محمد طلبة رضوان
هذه الموضوعات ليس مكانها الشاشة، بل قاعات الدرس العلمي... تعليق مكرّر، ومقرّر، واجهنا، منذ الحلقة الأولى لبرنامج "قراءة ثانية"، الذي يهتم بالحوار بشأن مسائل الفكر الإسلامي، ويعرضه تلفزيون العربي، ليس من حقكم أن تناقشوا هذه الموضوعات أمام الناس، هذه الموضوعات مكانها قاعات الدرس المغلقة.
في موضوع الدولة، على الناس أن ينتخبوا، يقفوا بالطوابير أمام اللجان، في حر الصيف أو في برد الشتاء، يشتركون في النضال ضد المستبدّ ومقاومته، بل قتاله، عليهم أن يموتوا حمايةً لشرعية حكّامهم وتنفيذاً لفتاوى مشايخهم. ولكن ليس لهم أن يشاهدوا ويسمعوا نقاشاً حول إسلامية الدولة، ليعرفوا هل سيدفعون حياتهم لوجه الله أو لوجه السلطة. وفي الحلقة عن رجم الزاني، جاء التعليق نفسه مبرّراً بأن الموضوع تتداخل فيه علوم إسلامية كثيرة، وليس للعامّة أن يشهدوا نقاشاً كهذا، فلنتناقش في ما بيننا، ونخرج لهم بالصواب، عليهم أن يُرجموا "من سكات"!
صادفت مقطعاً لأبي إسحاق الحويني، الداعية السلفي الذي يتابعه الملايين، يتحدّث عن العامة، ويحذّر من "تفلتهم" من أيدي علمائهم، ويبشّرهم بالجنة التي يقودهم إليها "مجاناً". وفي مقطع آخر، يتحدث عن أهمية الحفاظ على المسافة بين العالم والعوام، ويضرب أمثلة تراثية بعلماء، كانوا لا يمشون في الأسواق خشية مخالطة الناس، ويرسلون من يشتري لهم. مثال آخر عن عالم معاصر فقد هيبته أمام أحد مريديه، لأنه سمح له بالاقتراب، واستضافه في بيته. لم يرتكب العالم محرّمات تصدم صاحبنا، بل هي مباحات، إلا أنها تحمل الطابع الإنساني، وتجعل من صاحبها "عادياً"، رآه العامي بعين الواقع، لا الخيال الجامح، أدرك بشريّته فأسقطه، ذلك أنه اتبعه منبهراً لا واعياً، ولو وعى لأدرك أن النبي نفسه "بشرٌ مثلنا"، وأن "البشرية" إعجازٌ لا نقيصة.
لو سألت أيّ شاب يتابع كرة القدم عن أسماء اللاعبين، والمدرّبين، وجدول المباريات، والقنوات الناقلة، والشركات الراعية، والمعلقين، والنقاد، والخطط، تجده يعرف كل شيء، لو كان متابعاً شغوفاً. من أين له أن يعرف خطط المدرّبين، وأن يقيّمهم، وأن يحترم أحدهم، ويسخر من الآخر، أنّى له أن يفعل والكرة اليوم تخصّص، لم تعد لعبة، صارت عِلماً، تجارة، استثماراً بملايين الدولارات، لا نبالغ إذا قلنا بمليارات، لكنها المعرفة المتاحة السهلة، عشرات بل مئات من القنوات المتخصّصة، الجرائد، المواقع الإلكترونية، المؤتمرات الصحافية الإجبارية عقب كل مباراة، تحليلات ما قبل المباريات وبعدها وفي أثنائها، تحليلات مكتوبة ومسموعة ومرئية، من يسمع كل ذلك، وينشغل، ويتابع، ولا يتعلم؟
ليس شرطاً أن يبلغ المتابع وعي المشتغل، صاحب الخبرة، إلا أن تقليل المسافة بين الملعب والمدرجات يمنح اللعبة زخماً حقيقياً، ويجعل من صنّاعها خدماً للناس، لا أسياداً عليهم، ويحمّلهم مسؤولية تقديم أفضل ما لديهم، لأن الناس "تفهم". لن يسهل خداعهم، أو تخويفهم، يتساءل بعض الدعاة في استنكار: كيف تحوّلت كرة القدم عند بعض الشباب إلى مشروعهم الوحيد؟ ربما لأنهم لم يجدوا من يفهمهم غيرها!
ماذا لو اشتغلت عشرات القنوات الدينية على التوعية، بدلاً من الوعظ، التفهيم بدلاً من التخويف، النقاش بدلاً من "التزغيط"، الإيغال برفق بدلاً من حشر الحقيقة في حلوق الناس؟ ماذا لو أخذ شيوخنا وعلماؤنا على عاتقهم مهمة خدمة الناس، بدلاً من تعبيدهم، مساعدتهم بدلاً من تأنيبهم، تخفيف قسوة الحياة عليهم، بدلاً من تسويد عيشتهم؟
يتساءل بعض المتدينين المسيّسين: لماذا وافق الناس على اغتصاب السلطة في مصر؟ لماذا استخفهم السيسي فأطاعوه؟ لماذا أيد بعض المتدينين بشار الأسد؟ لماذا يرضى بعض أهل الدين بالدنية في دينهم ودنياهم؟ أتساءل بدوري: هل زرع أصحاب الخطاب الديني الشائع في الناس الحرية، ليجنوا الثورة على الظلم؟... كل ما يزرعونه شوك وينتظرون العنب، كل ما يزرعونه استبداد، وينتظرون الثورة والحريّة. الآن يحصدون ثمارهم، ونحصدها معهم هماً وغمّاً وجهلاً وفقراً ومرضاً واستبداداً وطغياناً وقتلاً وسجناً وتشريداً في بلاد الله. اتركونا نفعلها، إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.
صادفت مقطعاً لأبي إسحاق الحويني، الداعية السلفي الذي يتابعه الملايين، يتحدّث عن العامة، ويحذّر من "تفلتهم" من أيدي علمائهم، ويبشّرهم بالجنة التي يقودهم إليها "مجاناً". وفي مقطع آخر، يتحدث عن أهمية الحفاظ على المسافة بين العالم والعوام، ويضرب أمثلة تراثية بعلماء، كانوا لا يمشون في الأسواق خشية مخالطة الناس، ويرسلون من يشتري لهم. مثال آخر عن عالم معاصر فقد هيبته أمام أحد مريديه، لأنه سمح له بالاقتراب، واستضافه في بيته. لم يرتكب العالم محرّمات تصدم صاحبنا، بل هي مباحات، إلا أنها تحمل الطابع الإنساني، وتجعل من صاحبها "عادياً"، رآه العامي بعين الواقع، لا الخيال الجامح، أدرك بشريّته فأسقطه، ذلك أنه اتبعه منبهراً لا واعياً، ولو وعى لأدرك أن النبي نفسه "بشرٌ مثلنا"، وأن "البشرية" إعجازٌ لا نقيصة.
لو سألت أيّ شاب يتابع كرة القدم عن أسماء اللاعبين، والمدرّبين، وجدول المباريات، والقنوات الناقلة، والشركات الراعية، والمعلقين، والنقاد، والخطط، تجده يعرف كل شيء، لو كان متابعاً شغوفاً. من أين له أن يعرف خطط المدرّبين، وأن يقيّمهم، وأن يحترم أحدهم، ويسخر من الآخر، أنّى له أن يفعل والكرة اليوم تخصّص، لم تعد لعبة، صارت عِلماً، تجارة، استثماراً بملايين الدولارات، لا نبالغ إذا قلنا بمليارات، لكنها المعرفة المتاحة السهلة، عشرات بل مئات من القنوات المتخصّصة، الجرائد، المواقع الإلكترونية، المؤتمرات الصحافية الإجبارية عقب كل مباراة، تحليلات ما قبل المباريات وبعدها وفي أثنائها، تحليلات مكتوبة ومسموعة ومرئية، من يسمع كل ذلك، وينشغل، ويتابع، ولا يتعلم؟
ليس شرطاً أن يبلغ المتابع وعي المشتغل، صاحب الخبرة، إلا أن تقليل المسافة بين الملعب والمدرجات يمنح اللعبة زخماً حقيقياً، ويجعل من صنّاعها خدماً للناس، لا أسياداً عليهم، ويحمّلهم مسؤولية تقديم أفضل ما لديهم، لأن الناس "تفهم". لن يسهل خداعهم، أو تخويفهم، يتساءل بعض الدعاة في استنكار: كيف تحوّلت كرة القدم عند بعض الشباب إلى مشروعهم الوحيد؟ ربما لأنهم لم يجدوا من يفهمهم غيرها!
ماذا لو اشتغلت عشرات القنوات الدينية على التوعية، بدلاً من الوعظ، التفهيم بدلاً من التخويف، النقاش بدلاً من "التزغيط"، الإيغال برفق بدلاً من حشر الحقيقة في حلوق الناس؟ ماذا لو أخذ شيوخنا وعلماؤنا على عاتقهم مهمة خدمة الناس، بدلاً من تعبيدهم، مساعدتهم بدلاً من تأنيبهم، تخفيف قسوة الحياة عليهم، بدلاً من تسويد عيشتهم؟
يتساءل بعض المتدينين المسيّسين: لماذا وافق الناس على اغتصاب السلطة في مصر؟ لماذا استخفهم السيسي فأطاعوه؟ لماذا أيد بعض المتدينين بشار الأسد؟ لماذا يرضى بعض أهل الدين بالدنية في دينهم ودنياهم؟ أتساءل بدوري: هل زرع أصحاب الخطاب الديني الشائع في الناس الحرية، ليجنوا الثورة على الظلم؟... كل ما يزرعونه شوك وينتظرون العنب، كل ما يزرعونه استبداد، وينتظرون الثورة والحريّة. الآن يحصدون ثمارهم، ونحصدها معهم هماً وغمّاً وجهلاً وفقراً ومرضاً واستبداداً وطغياناً وقتلاً وسجناً وتشريداً في بلاد الله. اتركونا نفعلها، إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024