بعد أكثر من شهر ونصف من إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن عرض الفيلم المصري "آخر أيام المدينة" في مسابقته الرسمية، جاء الخبر مفاجئاً باستبعاده قبل بدء المهرجان بأسبوعين فقط، وسط ضبابية كاملة في الرؤية.
المفاجأة تأتي من أن الحادثة غير مسبوقة في استبعاد فيلم بعد الإعلان عن عرضه رسمياً، وكذلك لأن "آخر أيام المدينة" يعتبر من أهم الأفلام المصرية التي أنتجت في السنوات الأخيرة، فقد عرض في أكثر من 30 مهرجاناً دولياً منذ فبراير/شباط الماضي، وفاز بـ3 جوائز على رأسها جائزة "كاليغاري" من مهرجان برلين السينمائي.
وبرر البيان الرسمي للمهرجان، وكذلك فيديو قصير لمديره الفني يوسف شريف رزق الله، استبعاد الفيلم بأنه "فوجئ بمشاركة الفيلم في قرابة العشرة مهرجانات، جميعها يسبق تاريخه موعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومنها ما يقل كثيراً في التاريخ والقيمة، وكأن فريق الفيلم يضع مهرجان القاهرة في ذيل قائمة اهتمامه"، ومن هنا أتى قرار الاستبعاد تبعاً للقاهرة السينمائي.
على الناحية الأخرى، قال صنّاع الفيلم في بيانهم الرسمي إن مهرجان القاهرة لا يشترط من الأصل أن يكون عرض فيلم فيه هو عرضه العالمي الأول، وأن الفيلم عرض في "19 مهرجاناً قبل تلقي دعوة مهرجان القاهرة، و13 مهرجاناً منذ تلقي الدعوة حتى الآن، ولم يرد من مهرجان القاهرة أي استفسار حول عدد مشاركات الفيلم قبل أو بعد الاتفاق، ولم نحاول إخفاء تلك الأرقام في أي مرحلة، بل اعتقدنا أن نجاح الفيلم دولياً هو أحد أسباب اهتمام مهرجان القاهرة بالفيلم"، قبل أن يؤكد صناع العمل في بيانهم على احتفاظهم بسلك كل الطرق القانونية بسبب الأضرار المادية والمعنوية المرتبطة باستبعاد الفيلم، والتي يأتي على رأسها عدم إتاحة الفرصة له للعرض في مهرجانات أخرى عربية وإقليمية بعد الاعتذار من أجل العرض في القاهرة.
Facebook Post |
وبالنظر إلى اللائحة الرسمية للمهرجان، وإلى بعض الأفلام التي تعرض في مسابقته الرسمية لهذا العام ولا يعتبر "القاهرة السينمائي" هو عرضها العالمي الأول، ومن بينها –للمفارقة- الفيلم المصري "يوم للستات" من إخراج كاملة أبو ذكري، والذي عرض في مهرجان لندن مع "آخر أيام المدينة" قبل أسابيع قليلة وسيعرض ضمن المسابقة الرسمية للقاهرة، بل أنه أيضاً فيلم الافتتاح. وبالنظر لتلك التفاصيل، فإن السبب المعلن لاستبعاد الفيلم لا يبدو حقيقياً، وكأنه واجهة لسببٍ آخر يخجل المهرجان من قوله، وإذا وضعنا في السياق أن "آخر أيام المدينة" تدور أحداثه قبل شهور قليلة من ثورة يناير 2011، ويتنبأ ــ نظراً لكون الفيلم تم تصويره بالكامل قبل الثورة من الأصل ــ بحالة الغليان والغضب الموجودة في الشارع والتي ستؤدي حتماً لرد فعل، مع هجاء واضح للسلطة ولجهاز الداخلية، وكذلك يؤرخ لبعض الأحداث والمظاهرات التي اشتعلت في تلك المرحلة بتصوير تسجيلي في الشارع وفي تفاعل بين أبطال الفيلم وما يدور حولهم في الحقيقة، ومن ضمنها إحدى الوقفات الاحتجاجية التي يهتف فيها المتظاهرون "يسقط يسقط حكم العسكر"، فإن السبب غير المعلن لاستبعاد الفيلم من العرض في مهرجان القاهرة، والذي سيدخل صناعه لاحقاً في صدام مع الرقابة على المصنفات الفنية، هو على الأغلب سياسي.
الغريب فعلاً أن اللجنة نفسها التي اختارت الفيلم قبل عدة أشهر للعرض في المهرجان، وهو أمر منطقي نظراً لقيمة الفيلم والاحتفاء العالمي الكبير به في رحلته بين بلدان العالم المختلفة، هي ذاتها التي استبعدته الآن، كأن المهرجان الأكبر في مصر الذي يفترض به أن يرعى الأفلام، خصوصاً المستقل منها والذي تم تنفيذه على مدى سنوات طويلة بجهود صناعه، إذا به يقف ضدها، ويفوت على الفيلم حتى فرصة العرض في مهرجان إقليمي آخر مثل "قرطاج" أو "دبي" أو غيرها من الفاعليات السينمائية في المنطقة التي أعلنت بالفعل عن الأفلام التي ستعرض بها، لتفقد "القاهرة" فيلمها الذي يحتفي بها.. وتُفقده في المقابل أي فرصة عرض عربية أخرى هذا العام.