المتتبع لـ جوائز الرواية العربية سوف تذهله أعداد الروائيين المشاركين، فهناك من يتحدّث عن ألفي روائي ورواية في هذه المسابقة أو عن عدد مقارب في جائزة أخرى. وإذا لاحظنا أن لدينا في العام الواحد أكثر من جائزة في أكثر من بلد، فإن العدد قد يتضاعف، وربما قد يزيد إلى ثلاثة أضعاف. فما السر إذاً؟
من غير المنطقي أن نقول إن إغراء المال والشهرة وحدهما يمكن أن يدفعا هذا العدد الكبير من الناس لكتابة الرواية آملين بالفوز، كما لا يمكن أيضاً تجاهل هذا الدافع تماماً. ولم يعد السوق هو المسيطر، أي لا يزيد عدد كتّاب الرواية بحسب حاجة السوق، كما حدث في زمن نشوئها. بل إن سوق الكتاب كاسد في البلاد العربية، ومن الصعب على المواطن العربي عموماً أن يشتري أكثر من كتاب واحد في الشهر بعد أن تجاوزت أسعار الكتب الخطوط الحمراء لقدراته الشرائية. ولكن علينا أن نبحث وأن نتحدّث عن أولويات أخرى تشغل البشر أيضاً غير المال.
استنتج المؤرخون أن الملحمة، وهي أحد أصول الرواية، إنما نشأت على أكتاف المعارك الكبرى والأفعال البطولية التي سجّلها البشر، أو سجّلتها الشعوب في صراعها البيني على الموارد والسلطة. غير أن الملاحظ أن الرواية تستجيب لأزمان الفواجع أكثر من أزمان النهوض، ففي المنعطفات الكبيرة، التي مر بها العرب، كانت الرواية تنبري، بكثافة عددية لافتة، للتعبير عن تلك اللحظات الحاسمة من حياة الأمة.
هذا ما حدث مثلاً بعد هزيمة حزيران في العام 1967، إذ كانت الرواية هي التي حازت العدد الأكبر من حيث الكم في الاستجابة، وهذا ما يحدث هذه الأيام، حيث نشهد موجة جديدة من الإنتاج الروائي الكثيف. بحيث يمكننا القول إن الرواية وليدة الهزّات والرجّات الفكرية والسياسية والوجودية التي تصيب الأمم والشعوب.
أتحدّث هنا عن التعبير والاستجابة، وعن الرغبة في تسجيل الوقائع، لا عن النوعية، أو التقدم الفني والتقني. فمن غير المعقول أن تكون تلك الآلاف من الروايات المشاركة في مسابقات الجوائز ذات نوعية فائقة، ولكنها جميعاً ترغب في القول وفي التعبير عن اللحظة التي يعيشها الإنسان العربي، وقد تكون هذه إحدى مهام علم الاجتماع. فالتدخل الروائي في شؤون المجتمع ليس فعلاً إرادياً كما يبدو، ولا يتعلق بالرغبات، بل هو من صميم طبيعة النوع الأدبي الذي ولد منذ البداية في الخضم الاجتماعي، وكسب صفاته من خلال استعارة أشكال الحياة، وحقق إضافاته المتخيلة من المحاولات الحثيثة لخلق مواز مماثل محتمل لهذه الحياة.
ربما تكون هذه الاندفاعة التعبيرية استجابة للرعب الذي يشمل الوجدان العربي من لحظات الانهيار، أو من توقع المزيد من هذا الانهيار، وقد تكون مسعى لتقديم العون لخيبات الأمل، أو محاولات لرأب الصدوع التي كادت تهلك هذه الأمة المنكوبة، إذ إن الرواية هي أكثر الأنواع الكتابية قدرة على تمثيل لحظة الأمل أو الخوف من المستقبل أو من التبدلات الكبرى التي تشكل منعطفاً في حياة الشعوب.