يحتل تغيير الدستور والتحول إلى النظام الرئاسي موقعاً أساسياً من البرنامج الانتخابي لحزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، وذلك رغم الاعتراضات الكبيرة من جميع أحزاب المعارضة التركية الرئيسية الثلاثة على هذا التعديل.
اقرأ أيضاً: الأحزاب التركية الصغيرة والفرصة "المستحيلة" لدخول البرلمان
وعلى الرغم من تقدّمه بفوارق كبيرة عن باقي أحزاب المعارضة، غير أن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن "العدالة والتنمية" لن يحصل على الغالبية نفسها التي حصل عليها في انتخابات 2011 البرلمانية، والتي قاربت الخمسين في المائة من عموم الأصوات ومنحته 326 مقعداً برلمانيا؛ إذ إن استطلاعاً واحداً يشير إلى أن نسبة فوز "العدالة والتنمية" قد تصل إلى 47.5 في المائة. أما بقية الاستطلاعات فأعطته ما بين 40 و44.6 في المائة من الأصوات، وهي نسبة لا تكفي كي يشكل "العدالة والتنمية" الحكومة وحده، فكيف الحال بتعديل دستوري.
ويحتاج مشروع "العدالة والتنمية" للتحول نحو النظام الرئاسي ضمان 330 مقعداً من أصل 550، ليتمكن من طرح الدستور الجديد ذي النظام الرئاسي على استفتاء شعبي.
لكنّ هناك عاملين واضحين سيحسمان مصير هذا المشروع؛ الأول هو نسبة الـ15 في المائة من المصوتين الرماديين الذين يحسمون قراراتهم أمام الصندوق، وغالباً ما يستطيع "العدالة والتنمية" جذبهم. أما العامل الثاني والأهم فهو قدرة حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) على تجاوز عتبة العشرة في المائة الانتخابية، فإن فشل في ذلك راحت معظم مقاعده البرلمانية لمنافسه الوحيد في معظم الدوائر الانتخابية وهو "العدالة والتنمية".
وهذه هي المرة الأولى التي يتقدم فيها أي من أجنحة "العمال الكردستاني" السياسية بقائمة حزبية، فقد اعتاد الحزب على الترشح بقائمة مستقلين، ولم تحصل هذه الأجنحة في تاريخ مشاركتها في الانتخابيات التركية على أكثر من 6.5 في المائة، لكن الحزب قرر الترشح بقائمة حزبية بعد نتيجة الـ9.7 في المائة التي حصل عليه رئيسه صلاح الدين دميرتاش في الانتخابات الرئاسية الماضية.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أصوات الشعوب الديمقراطي تتراوح ما بين 8.5 و11.5 في المائة، ما يجعل المعركة مفتوحة بين "الشعوب الديمقراطي" و"العدالة والتنمية".
ويعمل "العدالة والتنمية" على حملة ممنهجة ضد "الشعوب الديمقراطي"، يشارك فيها كل من الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، لينضم لهما أخيراً نائب رئيس الوزراء يالجن أكدوغان. وتعتمد هذه الحملة على عدّة أركان رئيسية: أولاً اللعب على الخطوط الحمراء، وذلك بربط "الشعوب الديمقراطي" بحزب "العمال الكردستاني" بكل ما يعنيه ذلك من ذاكرة أليمة للأتراك، وبالتالي إبعاد من يفكر في التصويت من الأتراك للشعوب الديمقراطي، الأمر الذي بدا واضحاً في حديث أردوغان، يوم الجمعة، في الخطبة التي ألقاها في مدينة أضنة، قائلاً: "ليس لهم إرادة، إنهم يُقادون من الجبل"، في إشارة إلى جبل قنديل الذي يضم معسكرات "العمال الكردستاني".
قبل أن يزيد عليه أكدوغان بالإشارة إلى خطط "الشعوب الديمقراطي" البديلة بإقامة نوع من حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع، عبر إنشاء برلمان محلي بديل في ديار بكر في حال لم يستطع تجاوز العتبة الانتخابية، قائلاً إن "الدولة ليست عاجزة، هؤلاء لم يستطيعوا تركيعنا من الجبل، ولن يستطيعوا تركيعنا في المدن"، مضيفاً "لا يكون مؤمناً بالديمقراطية من يستخدم الوعيد والابتزاز بالقول: (سنقوم بتمرد، سننشئ برلماناً بديلاً ولن نعترف بالدولة) إنهم يفعلون الآن أكثر من ذلك".
أما الركن الثاني، فيتمثل في التركيز على انتقاد الرئيس المشارك للحزب صلاح الدين دميرتاش، الذي يعول عليه الحزب كثيراً بسبب شخصيته التي تتمتع بكاريزمة عالية وقبول واسع، عبر تحميله مسؤولية القتلى الذين سقطوا أثناء الاحتجاجات التي دعا لها "الشعوب الديمقراطي" في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي لأجل مدينة عين العرب السورية.
وتتعلق النقطة الثالثة بالربط بين الحزب اليساري وعقلية الحزب الواحد في فترة حكم "الشعب الجمهوري" خلال أول ربع قرن من تأسيس الجمهورية، باتهام الشعوب الديمقراطي بأنه يعمل على إلغاء مدارس الإمام الخطيب (المدارس الشرعية التركية) ومحاربة المتدينين، وبالإشارة إلى ما تضمنه برنامجه الانتخابي من وعود بإلغاء دروس الدين الإجبارية وإدارة الشؤون الدينية، وكذلك بالتركيز على وجود مثليي جنس على قائمة مرشحي الحزب، ما يعني إبعاد المتدينين الأكراد أيضاً عن الحزب.
في المقابل، يركز "الشعوب الديمقراطي" على اتهام "العدالة والتنمية" بالفساد، مستنداً إلى ما يطلق عليه في الإعلام التركي عمليات 17 و25 ديسمبر/كانون الأول، التي اتهم فيها وزراء ومقربون من "العدالة والتنمية" بالفساد، وأيضاً الحديث عن "الميول الاستبدادية" لأردوغان، وما سببته من تخبط في قيادة "العدالة والتنمية"، حتى إن دميرتاش سخر من أردوغان وداود أوغلو وشبههما بدونكيشوت ومساعده سانشو في رواية الإسباني المعروف ثربانتس، وأكد أن الرئيس السابق عبدالله غول سيصوت للشعوب الديمقراطي، الأمر الذي نفاه الأخير.