سادت حالة من القلق والارتباك الأوساط المصرفية والاقتصادية في اليمن، في ظل استمرار تهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وتآكل الاحتياطي الأجنبي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بحوالي 20 %، خلال الأسبوع الماضي، وخصوصا السكر والأرز والقمح والأجهزة الإلكترونية والهواتف والسجائر، حسب تجار لـ"العربي الجديد".
وقفز سعر الدولار في السوق السوداء، الأسبوع الماضي، من 300 ريال إلى نحو 325 ريالاً، في حين يبلغ السعر الرسمي الذي أقره المصرف المركزي اليمني نهاية شهر مارس/آذار الماضي 250 ريالاً.
وسادت حالة من القلق بين المواطنين، وازدحمت محلات المواد الغذائية ومحطات بيع غاز الطهو في العاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن، حيث هرع الناس لتخزين السلع استعداداً لشهر رمضان، تحسبا لارتفاع المواد أكثر بسبب انهيار العملة المحلية.
وكانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بنسب تتراوح بين 20 و40 % عقب قرار المصرف المركزي رفع سعر الدولار إلى 250 من 215 ريالاً للدولار الواحد، مارس/آذار الماضي.
وتخوف القطاع التجاري من حالة الضبابية حول مستقبل سعر العملة المحلية. كما أغلقت جميع محطات الوقود في العاصمة اليمنية، رغم أنها تبيع بشكل علني بسعر السوق السوداء بموافقة سلطة الحوثيين.
وأغلقت أغلب محلات الصرافة في العاصمة اليمنية صنعاء، معظم الفترات الأسبوع الماضي، في حين رفضت المحلات التي فتحت أبوابها صرف أية مبالغ بالدولار أو الريال السعودي.
وأكد خبراء اقتصاد، لـ"العربي الجديد"، على "أن ارتفاع الدولار الجنوني وسط نقص المعروض، يهدد بخلق أزمات اقتصادية، وارتفاع قياسي في الأسعار وزيادة في التضخم، متوقعين استمرار تراجع الريال في ظل سيطرة مليشيا مسلحة على البنك المركزي وعلى مؤسسات الدولة.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد"، إن الانهيار الجديد للريال ينذر بأزمات معيشية لا يستطيع المواطن استيعابها، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة البطالة والفقر.
وأضاف: "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قدوم شهر رمضان، والذي تتحرك فيه الأسعار بشكل تلقائي ناتج عن ارتفاع الطلب، فإن الأسعار في هذا الموسم ستكون مضاعفة، فنحن نعيش في كارثة حقيقية".
واعتبر سعيد أن أسباب التراجع الجديد في سعر صرف الريال هو زيادة الطلب على الدولار، لمواجهة استيراد احتياجات رمضان والعيد، إضافة إلى استيراد المشتقات النفطية الذي يتكلف مبالغ كبيرة.
وأوضح أن هناك سبباً آخر هو إقدام المصرف المركزي على طبع نحو 50 مليار ريال يمني من فئة الألف ريال، لمواجهة نقص السيولة الذي يعاني منه بدون غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، أي من خلال إصدار تضخمي "طباعة النقود" هذا سينعكس أثره على قيمة العملة، من خلال إضعاف قوتها الشرائية وما يترتب عليه من تراجع أمام الدولار والعملات الأخرى.
ومن جانبه، أوضح أستاذ العلوم المصرفية في المعهد الحكومي للعلوم الإدارية، طارق عبد الرشيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه رغم قراره تقليص الفارق بين السعرين (الرسمي والموازي) من خلال خفض قيمة الريال إلى 250 ريالا للدولار؛ لم ينجح البنك المركزي في بلوغ الحل الوسطي المستهدف من خلال هذا القرار، وظل في السوق سعران.
وقال عبد الرشيد إنه بسبب هذا الفشل تشكلت أزمة على أكثر من مستوى؛ حيث زادت أسعار السلع الضرورية (الأدوية والأغذية) بسبب خفض قيمة الريال مقابل الدولار، وتخلى البنك المركزي عن التزاماته بهذا الصدد، وشحّت كمية الدولارات المعروضة أمام المستثمرين، مما يؤثر سلبا في مستويات المخزون لديهم، لا سيما مخزون المواد الخام، وبالتالي توقف العمليات التشغيلية للمصانع، وارتفاع مستويات البطالة، فضلا عن تدني الإيرادات العامة (ضرائب وجمارك).
واعتبر عبد الرشيد أن أساس المشكلة يكمن في نضوب الاحتياطي اليمني من العملات الأجنبية، الأمر الذي أفقد البنك المركزي قدرته في مد السوق بدفعات مناسبة وفي الوقت المناسب، وعمليا تبدو مهمة توفير الدولار أزمة بحد ذاتها لا سيما في ظل ظروف الحرب والاضطرابات السياسية الحادة حاليا.
وحذر مسؤول حكومي يمني من كارثة اقتصادية بسبب استنزاف الحوثيين للاحتياطي النقدي، واستمرار انهيار العملة المحلية.
وقال نائب رئيس الوزراء اليمني ووزير الخارجية، عبد الملك المخلافي، أمس الأول، إن الحوثيين استنزفوا احتياطي اليمن من النقد الأجنبي ولم يتبق منه سوى 100 مليون دولار، بالإضافة إلى الوديعة السعودية البالغة مليار دولار، بدلاً من 4.2 مليارات في مارس/آذار 2015.
وفضلاً عن استنزافهم الأموال العامة والاحتياطي النقدي للبلاد، لجأ الحوثيون إلى ابتزاز التجار واستقطاع مبالغ من رواتب الموظفين، لدعم ما يسمى المجهود الحربي.
وكثف الحوثيون حملاتهم، منذ 10 مايو/أيار الجاري، على جميع المحلات التجارية ومكاتب الشركات في صنعاء، حيث يتم إجبارهم على التبرع للمجهود الحربي.
واضطر جميع التجار في "سوق المقالح" في العاصمة اليمنية، صنعاء، إلى إغلاق محلاتهم احتجاجاً على ابتزاز مسلحي الحوثي وإجبارهم إياهم على دفع أموال للمجهود الحربي.
وكان مسؤول أممي قد حذر، مطلع مايو/أيار الجاري، من كارثة اقتصادية محتملة في حال فشلت المحادثات اليمنية الجارية في الكويت بين الحكومة الشرعية والحوثيين.
وأكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، جيمي ماكغولدريك، في بيان، أن نجاح المحادثات اليمنية في الكويت هي الأمل الوحيد لوقف تدهور سعر الصرف المحلي، الذي يقابله ارتفاع كبير في سعر الدولار، ما يعكس عدم قدرة القطاع التجاري والاقتصادي على العمل بالشكل المطلوب في السوق اليمنية.
وتمنى المسؤول الأممي "ألا تفشل المفاوضات لأن فشلها يعني انتهاء أمل تحسين الوضع وازدياد المعاناة الإنسانية في اليمن عموماً، متمنياً عدم تأثير خروقات إطلاق النار على المحادثات".
ويعاني اليمن، وهو منتج صغير للنفط، من ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وتراجع الإيرادات الجمركية، كما تفاقمت المشكلة مع استنزاف الحوثيين ما تبقى من موارد البلاد، وتسخيرها للأعمال المسلحة، الأمر الذي أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية.