تأرجحت ردود الفعل عقب اختيار البريطانيين، في استفتاء الخميس، خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، بين من وصف القرار بـ"التحدي الكبير للتكتل الأوروبي"، وبين من أكّد على ضرورة ضمان وحدة دوله مستقبلاً، دون أن يخفي زعماء دول القارة العجوز تخوفهم من تبعات نتائج الاستفتاء البريطاني على مستقبل أوروبا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وجاء الموقف الأوروبي المشترك، على لسان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، اليوم الجمعة. وقال توسك إن قادة الاتحاد عازمون على الحفاظ على وحدته بعد تصويت بريطانيا على الخروج منه، مشيراً إلى أن الاتحاد كان متأهباً لمثل هذه النتيجة.
وتابع توسك، في بيان للصحافيين، إن "ما لا يقتلك يقويك. أريد أن أؤكد للجميع أننا مستعدون أيضاً لهذا السيناريو السلبي".
وأضاف أنه ما من سبيل للتكهّن بجميع التبعات السياسية المترتبة على التصويت، خصوصاً على بريطانيا، لكنه استدرك بالقول إن هذه ليست لحظة "ردود الفعل الهستيرية".
وأضاف المتحدث "اليوم يمكنني القول بالنيابة عن 27 زعيماً إننا عازمون على الحفاظ على وحدتنا كسبع وعشرين دولة".
بدوره، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إن على الزعماء الأوروبيين أن يعملوا للحفاظ على تماسك أوروبا.
وصرح شتاينماير، لدى وصوله لاجتماع وزراء خارجية في لوكسمبورغ، أنه "من المهم الآن أن نحافظ على تماسك أوروبا معاً وألا ننزلق إلى الهستيريا والصدمة".
وتابع قوله: "آمل أن نتمكن من خلال اجتماع اليوم أن نبعث برسالة مشتركة للمستقبل. مؤشر واضح على أننا نخسر إحدى الدول الأعضاء لكننا نعمل لبقاء أوروبا قوية".
وذهب موقف إسبانيا أبعد من التعليق على قرار استفتاء بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ اقترح وزير الخارجية الإسباني مانويل غارسيا مارغايو، اليوم الجمعة، تقاسماً للسيادة بين إسبانيا وبريطانيا على جيب جبل طارق البريطاني، ليتاح له الدخول إلى الأسواق الداخلية للاتحاد الأوروبي.
وقال مارغايو، لإذاعة "أوندا سيرو": "نحتاج إلى نوع من العلاقة التي تسمح لجبل طارق بدخول السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن "صيغتنا هي سيادة مشتركة بريطانية إسبانية تفضي إلى إعادة جبل طارق"، الجيب البريطاني الواقع في جنوب إسبانيا.
كما طالبت المملكة، على لسان رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، بإصلاح الاتحاد الأوروبي بعد تأييد البريطانيين لخروج بلدهم منه، على أن ينصب التركيز على النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل والاندماج بشكل أكبر.
وشدد راخوي على أن بلاده ستبقى ملتزمة بالمشروع الأوروبي أياً كانت نتيجة الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في إسبانيا يوم الأحد.
إلى ذلك، دفعت نتائج الاستفتاء البريطاني رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي، للمطالبة بتغيير مسار الاتحاد الأوروبي.
وقال رينتسي، في تغريدة له على موقع "تويتر": "علينا أن نغيّره ليصبح أكثر إنسانية وأكثر عدلاً. أوروبا هي وطننا ومستقبلنا".
وجاء تفاعل سويسرا مع نتائج الاستفتاء مركزاً على قضية الهجرة، إذ قال الرئيس السويسري يوهان شنايدر أمان، إن محادثات سويسرا مع بروكسل بشأن الحد من الهجرة من الاتحاد الأوروبي، تعقدت بسبب تصويت بريطانيا لصالح الانسحاب من التكتل، لكنها لا تزال أولوية وطنية.
وقال شنايدر أمان، خلال مؤتمر صحافي: "أبدى الاتحاد الأوروبي استعداداً لتكثيف المناقشات بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من التكتل. في الوقت ذاته من الواضح أن التوصل إلى حل لم يعد أسهل بانسحاب المملكة المتحدة".
وكان وزير الخارجية السويسري ديديه بوركهالتر، حذّر هذا الشهر، من أن محاولة سويسرا إقناع شركاء الاتحاد الأوروبي السماح لها بالحدّ من الهجرة قد تفشل إذا صوّت البريطانيون لصالح الانسحاب.
في سياق مستقبل التحالفات العسكرية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، على أن مكان بريطانيا في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة لن يتغيّر، رغم قرار البريطانيين.
وأضاف ستولتنبرغ: "أعرف أن وضع المملكة المتحدة في حلف شمال الأطلسي سيظل بلا تغيير. ستظل المملكة المتحدة حليفاً قوياً وملتزماً داخل الحلف وستواصل لعب دورها القيادي في تحالفنا".
من جهتها، اعتبرت تركيا أن تصويت بريطانيا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي يمثل بداية تفكك التكتل.
وكتب نائب رئيس وزراء تركيا نور الدين جانيكلي، اليوم، على موقع "تويتر"، أن "عملية تفكك الاتحاد الأوروبي بدأت. بريطانيا كانت أول من قفز من السفينة".
في غضون ذلك، قال الكرملين إن روسيا ترغب في بقاء الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية كبيرة.
وصرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، أن "موسكو تريد أن يبقى الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية كبيرة تتمتع بالازدهار والاستقرار وبأوضاع قابلة للتنبؤ".
وأضاف أنه "لدينا عبء ثقيل جداً من العلاقات الصعبة مع بريطانيا العظمى. نتمنى أن يسود فهم للحاجة لوجود علاقات جيدة مع بلدنا في ظل هذا الواقع الجديد".
وينتظر أن يجري الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، اليوم، بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، حسبما أعلن البيت الأبيض ليل الخميس الجمعة. وقال البيت الأبيض، في بيان، إن "الرئيس اطّلع على نتائج الاستفتاء البريطاني وسيتابع تطورات الوضع من خلال فريقه".
ويتوقع أن يلتقي زعماء الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يوم الثلاثاء المقبل، في بروكسل.
كما أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي، سيعقدون اجتماعاً السبت، في برلين، للتباحث حول تبعات الاستفتاء الذي قرر فيه البريطانيون الخروج من الكتلة الأوروبية.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن "وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، سيستقبل يوم السبت 25 يونيو/ حزيران، وزراء خارجية فرنسا جان مارك آيرولت، وهولندا بيرت كوندرز، وإيطاليا باولو جنتيلوني، وبلجيكا ديدييه رينديرز، ولوكسمبورغ جان أسلبورن، لإجراء مشاورات"، ومن أجل "التباحث حول قضايا الساعة في السياسة الأوروبية".