أكبر عرض قدمته إسرائيل للفلسطينيين بشأن السيادة على المسجد الأقصى، كان اقتراح الجانب الإسرائيلي على المفاوضين الفلسطينيين سيادة فوق أرض الحرم القدسي الشريف، في حين ترجع السيادة على ما تحت القشرة الأرضية لإسرائيل، وهو عرض بلا شك يخالف القانون الدولي والحقائق على الأرض.
جاء ذلك خلال مباحثات كامب ديفيد الثانية عام 2000، إلا أن المفاوضين الفلسطينيين رفضوا الاقتراح خوفاً من إكساب صبغة شرعية لعمليات الحفر التي تقوم بها الجماعات الاستيطانية أسفل المسجد الأقصى، وقد عجل هذا الرفض بفشل المفاوضات آنذاك، مما أدى -مع أسباب أخرى- إلى انفجار انتفاضة الأقصى.
سر الإصرار على السيطرة تحت القشرة
يقول الخبير في التاريخ العمراني لمدينة القدس د. جمال عمرو، إن الفكر الصهيوني منذ بدايته يحاول خداع العالم بتقديم رواية مغلوطة تماماً، وقاموا باختراع رواية جذورهم التاريخية في فلسطين، وكانت لديهم فرضية أنه لا يوجد إسرائيل بدون "أورشاليم" (القدس) ولا وجود لـ "أورشاليم" بدون "جبل الهيكل" (المسجد الأقصى)، وربطوا الأمور الثلاثة ببعضها بعضاً ربطاً محكماً.
استطاعت العصابات الصهيونية بقوة السلاح وبدعم غربي إحكام القبضة على فلسطين والقدس، وهنا يضيف عمرو، أنه بقي لهم وفق تسميتهم "جبل الهيكل"، الذي يقع في منطقة تزدحم بالآثار الإسلامية والمسيحية، ولا يوجد لهم فيها مساحة يفرضوا عاصمة يهودية تعطي للزائر أن "أورشاليم" يهودية.
وتابع الباحث عمرو، لتحقيق ذلك قاموا بتدمير حي المغاربة وجزء من حي الشرف بعد احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، وقاموا بصناعة ساحة البراق وحائط البراق بمسميات "ساحة المبكى" و"حائط المبكى"، وقاموا ببناء بيوت جديدة بطابع عمراني جديد، وشرعوا بنسج الرواية فوراً، ثم توسعت أحلامهم بعد أن أصبحت المدينة بأيديهم بالقوة العسكرية المهيمنة، وتدحرجت الرواية الإسرائيلية.
وأشار عمرو في حوار مع "العربي الجديد"، أنه بسبب عدم وجود مساحة لهم للتوسع فوق الأرض، بدأوا بالحفر تحت الأرض، وبصناعة مدينة تحت الأرض، والادعاء بأن جذورهم تحت مباني العرب والمسلمين.
لكن ماذا وجدوا بالحفر تحت الأرض؟
يقول عمرو، إن القدس تتكون من تلال وأودية، وقديماً أقام الفلسطينيون الكنعانيون نظام القدس المائي تحت الأرض.
ما يجري في القدس هذه الأيام وفق عمرو، أن اليهود غاصوا تحت الأرض إلى هذه القنوات وقاموا بتوسعتها ووصلوا فيما بينها، ونفّذوا منذ عام 1967 وحتى اليوم 57 حفرية، ولكل حفرية اسم وتاريخ لديهم.
يشار هنا إلى أن أول حفرية تمت في القدس تعود إلى ما قبل الاحتلال الإسرائيلي وتحديداً في سنة 1863، من قبل بعثة فرنسية برئاسة عالم الآثار (ديسولسي) الذي اكتشف مقابر الملوك خارج بلدة القدس القديمة، وزعم أنها ترجع إلى عصر "الملك داود"، مدعيا وجود مخطط باللغة الآرامية نقله ديسولسي إلى متحف اللوفر في باريس. إضافة إلى الحفريات التي قامت بها بعثة بريطانية باسم "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" سنة (1867-1870) لاكتشاف آثار فلسطين برئاسة المهندس الكولونيل (تشارلز وارين)، وكان هدفه منصباً على منطقة المسجد الأقصى.
وهنا يؤكد الباحث عمرو، أنهم وجدوا فعلاً جذور القدس القديمة، ولكن هذه القدس هي القدس اليابوسية الكنعانية العربية وهي معروفة لدينا قبل قيام الكيان الصهيوني.
وأردف عمرو أن المستوطنين خلال عمليات الحفر بعد عام 1967 وصلوا قنوات المياه ببعضها بعضاً، وتم تشكيل رواية جديدة هي "مدينة داود"، والادعاء أن لهم "هيكلاً أول" و"هيكلاً ثانياً" في "مدينة داود"، وهنا بدأ التوظيف الديني للموجودات الأثرية والزعم بأن هذا بلاط "الهيكل الأول" وهذا بلاط "الهيكل الثاني"، واختلاق قصص وخرافات بشهادة حتى علمائهم.
الأنفاق تحت القدس
يقول عمرو إنه لا يمكن حصر عدد الأنفاق لأنها متصلة فيما بينها، وبعضها طويل يصل إلى 800 متر، وآخر لا يتجاوز 15 متراً، وبالتالي هي شبكة أنفاق تشبه شبكة الطرق فوق الأرض، أقيمت على مساحة 2 كم (جزء من البلدة القديمة باتجاه الجنوب والغرب منها إلى عين بلدة سلوان) وهي المنطقة الأغلى في العالم وفق تعبيره.
وفي ما يلي أبرز الأنفاق في القدس:
النفق الغربي
بوشرت الحفريات في النفق الغربي سنة 1970، ويمتد النفق من أسفل المحكمة الشرعية (المدرسة التنكزية) بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى من الجنوب إلى الشمال مرورا بخمسة أبواب من أبواب الأقصى. أدت الحفريات إلى انهيارات وتشققات في المباني المقدسية، ووصل حفر النفق إلى عمق 11-14 مترا.
وفي عام 1987 أعلن الاحتلال عن اكتشاف قناة مياه سبق أن اكتشفها الجنرال الألماني كونراد تشيك بطول ثمانين مترا، كما حاول الاحتلال استكمال الحفريات إلى ملتقى باب الغوانمة وتوصيل النفق بقناة المياه، وذلك عام 1988 فتصدى المقدسيون له.
لكن المحاولة تواصلت سرا إلى أن تم وصل طرفي القناة وفتح باب خارجي أسفل المدرسة العمرية على خط طريق المجاهدين، وذلك عام 1996، حيث اندلع على أثرها مواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة بما عرفت بهبة النفق.
هبة النفق
هي الأحداث التي وقعت بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 1996 واستمرت ثلاثة أيام، وخلفت 67 شهيداً ونحو 1600 جريح، من ضمنها وقوع مجزرة في المسجد الأقصى راح ضحيتها أربعة شهداء من القدس المحتلة. ويعتبر النفق الغربي الأشهر والأطول، ويصل طوله إلى نحو 488 مترا، وارتفاعه إلى مترين ونصف، ويحتوي اليوم على منشآت أخرى، متحف، ومطاهر، وكنس، وعروض، وغيرها.
نفق باب القطانين - سبيل قايتباي
حاول الاحتلال بتاريخ الـ21 من أغسطس/آب 1981 إعادة فتح النفق الواصل بين باب القطانين باتجاه الشرق نحو قبة الصخرة، وهو النفق الذي تحدث عنه الكولونيل وارين عام 1887، فاعتصم المقدسيون داخله بعد أن كشفوا أن الحفريات وصلت إلى منطقة بئر سبيل قايتباي -داخل حدود الأقصى- وقامت دائرة الأوقاف بصب البئر بالخرسانة لمنع مواصلة حفر النفق نحو قبة الصخرة.
نفق حمام العين
بدأ العمل به نهاية العام 2004 وأوائل عام 2005 أسفل وقف حمام العين نهاية طريق باب الواد في القدس القديمة، وبضمنه حفر تحت الأرض لقاعات تاريخية، والهدف الوصل بين هذه القاعات التي تم الكشف عن حفرها لاحقا وبين النفق الغربي، ويصل طول النفق إلى مئتي متر.
انطلقت الحفريات بتمويل جمعية "عطيرت كوهنيم" ثم انتقلت إلى "صندوق إرث المبكى"، وقامت بالحفريات سلطة الآثار الإسرائيلية، والعمل في النفق في نهايته، ويستعمل حاليا بشكل محدود.
قاعة سلسلة الأجيال
هي عبارة عن نفق عرضي طولي يتصل بأنفاق الجدار الغربي للأقصى من الجهة الغربية الشمالية له، وهو عبارة عن سبع غرف تحت الأرض تحكي تاريخ الشعب اليهودي عن طريق الشكل والحجر الميزايكا والمؤثرات الصوتية، وتواصل العمل بهذا النفق المتحف سبع سنوات سرا من عام 1999 وحتى 2006.
نفق مغارة سلوان
عبارة عن تجويف صخري يمتد من يمين باب العامود باتجاه الشمال أسفل بيوت القدس القديمة، وعلى امتداد نحو ثلاثمئة متر، ولا تعرف نقطة النهاية، وتم حفر نفق اعتبره الاحتلال مخرج طوارئ قريبا من باب الساهرة.
نفق سلوان الجديد
كشف بتاريخ الـ17 من يونيو/حزيران 2006 عن نفق قريب من مجمع عين سلوان وسط بلدة سلوان -الواقعة جنوب الأقصى- ويصل عمق النفق إلى 12 مترا قامت عليه جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وتبين لاحقا أن هذا النفق حفر لوصل جزأين من نفق سلوان-وادي حلوة.
نفق سلوان الشرقي
في الـ28 من يناير/كانون الثاني 2007 كشف عن قيام جمعية "إلعاد" بحفر نفق جديد يصل بين أسفل حي سلوان عن يمين المسجد الأقصى، ويتجه نحو الشمال. وكشف عن درج متدرج، لكن بعد أشهر تم توقف الحفريات في المنطقة، ويعتقد أن هناك نفقا أطول في الجهة الموازية أي عن يسار المسجد للمتجه نحو الشمال باتجاه المسجد الأقصى.
نفق وادي حلوة
بدأ العمل فيه مطلع عام 2008 على مقاطع، وينطلق من وادي حلوة-بيوت آل صيام، ويتجه إلى الجنوب باتجاه وسط سلوان، وهو نفق صخري ولا يزال العمل يتواصل فيه حتى الآن مع وجود بعض التفريعات الجانبية.
نفق سلوان-وادي حلوة
وهو النفق الذي كشف عنه عام 2009 أسفل الجهة الغربية لمسجد عين سلوان باتجاه الشمال نحو مدخل حي وادي حلوة، وتم الكشف عن مراحل النفق بالتدريج على عدة سنوات، والتقى هذا النفق بنفق وادي حلوة ليشكلا نفقا واحدا طوله نحو ستمئة متر، تضاف إليه أجزاء أخرى في أعالي حي وادي حلوة (حفريات جفعاتي).
نفق وادي حلوة-الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى
هذا نفق يتم الدخول إليه أسفل مبتدأ حي وادي حلوة -حفريات جفعاتي- باتجاه الشمال، يخترق أسفل السور التاريخي للقدس القديمة، ويصل إلى الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى، ويتم الخروج منه عبر فتحة في منطقة القصور الأموية الغربية.
حفريات أسفل أساسات المسجد الأقصى
هي عبارة عن حفريات أسفل الجدار الغربي للأقصى تمتد من الزاوية الجنوبية الغربية باتجاه الشمال لتصل تقريبا أسفل باب المغاربة (ثمانون مترا)، وكشفت هذه الحفريات عن الحجارة العملاقة التي تشكل أساسات الأقصى وأيضا المنطقة الصخرية، ولا يزال العمل فيها جاريا ولا يسمح بالدخول إلى هذه المنطقة رسميا، لكن يمكن مشاهدة بعض أجزائها.
النفق اليبوسي أسفل هضبة سلوان
هو عبارة عن نفق في الصخر والممر المائي في الفترة اليبوسية يتفرع لنفقين يبدآن من أسفل مدخل هضبة سلوان جنوب الأقصى (البؤرة الاستيطانية-مركز زوار مدينة داود)، وينتهيان في منطقة حي البستان وسط بلدة سلوان، وطولهما نحو 350 مترا. وتم حفرهما بتمويل ومبادرة جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وقامت بالحفر سلطة الآثار الإسرائيلية. هناك حفريات أخرى تحت الأرض، مثل حفريات قاعة قلعة داود.
نفق طريق الحجاج
نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي ضرب السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بمعوله حجارة القدس القديمة للإعلان عن افتتاح نفق طريق الحجاج.
هذا النفق وفق الباحث جمال عمرو هو النفق الأكبر على الإطلاق، يمتد من عين سلوان صعوداً إلى القصور الأموية ودخولاً إلى البلدة القديمة، ومن هناك يلتحم مع النفق الغربي حتى درب الآلام، ليصبح طوله 800 متر. وأشار عمرو، أنه لخلق رواية تشبه الصفا والمروة لدى المسلمين، تم تسميته "طريق الحجاج"، وهذا عبارة عن توظيف ديني لغرض سياسي.
مدينة كاملة تحت الأرض
عام 2016 ، كشف تقرير لصحيفة "هآرتس"، عن وجود "القدس السفلى"، وهي المدينة التي تم حفرها تحت البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وبعض أحياء القدس الشرقية. وأكد تقرير الصحيفة أن الحفريات أفضت إلى وجود مدينة كاملة تحت الأرض مكونة من أنفاق وممرات أثرية وسرية، ومساحات واسعة تم تحويلها إلى قاعات للصلاة وأخرى من أجل إقامة طقوس دينية.
يختم الباحث جمال عمرو حواره مع "العربي الجديد"، أن هذه الحفريات والروايات كلها فبركات صهيونية بغرض طمس المعالم الإسلامية واستبدالها بمعالم يهودية، تقدم رواية تلمودية مصطنعة، والأدهى من ذلك أن السائح يدفع من جيبه لقاء غسل عقله والاطلاع على هذه الرواية.
وأكد عمرو أنهم لن يتوقفوا عن الحفر والجمعيات التي تقوم بالحفر مثل جمعية "إلعاد" "وعطيرت كوهين"، تضخ لها تبرعات بملايين الدولارات، ويجب عليها أن تواصل استغلال هذه الأموال بشراء العقارات والحفر لجلب مزيد من الدعم، "هي عبارة عن شركة، واليهود لا يعملون إلا بعقلية تجارية".
المصادر: دراسة الحفريات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه للدكتور أحمد أبو حلبية، دراسة القدس بين الاستيطان والحفريات للباحث نظمي الجعبة، الحفريات الأثرية في القدس للمهندس رائف نجم، تقرير الحفريات الإسرائيلية أسفل القدس والأقصى للباحث محمود أبو عطا.
جاء ذلك خلال مباحثات كامب ديفيد الثانية عام 2000، إلا أن المفاوضين الفلسطينيين رفضوا الاقتراح خوفاً من إكساب صبغة شرعية لعمليات الحفر التي تقوم بها الجماعات الاستيطانية أسفل المسجد الأقصى، وقد عجل هذا الرفض بفشل المفاوضات آنذاك، مما أدى -مع أسباب أخرى- إلى انفجار انتفاضة الأقصى.
سر الإصرار على السيطرة تحت القشرة
يقول الخبير في التاريخ العمراني لمدينة القدس د. جمال عمرو، إن الفكر الصهيوني منذ بدايته يحاول خداع العالم بتقديم رواية مغلوطة تماماً، وقاموا باختراع رواية جذورهم التاريخية في فلسطين، وكانت لديهم فرضية أنه لا يوجد إسرائيل بدون "أورشاليم" (القدس) ولا وجود لـ "أورشاليم" بدون "جبل الهيكل" (المسجد الأقصى)، وربطوا الأمور الثلاثة ببعضها بعضاً ربطاً محكماً.
استطاعت العصابات الصهيونية بقوة السلاح وبدعم غربي إحكام القبضة على فلسطين والقدس، وهنا يضيف عمرو، أنه بقي لهم وفق تسميتهم "جبل الهيكل"، الذي يقع في منطقة تزدحم بالآثار الإسلامية والمسيحية، ولا يوجد لهم فيها مساحة يفرضوا عاصمة يهودية تعطي للزائر أن "أورشاليم" يهودية.
وتابع الباحث عمرو، لتحقيق ذلك قاموا بتدمير حي المغاربة وجزء من حي الشرف بعد احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، وقاموا بصناعة ساحة البراق وحائط البراق بمسميات "ساحة المبكى" و"حائط المبكى"، وقاموا ببناء بيوت جديدة بطابع عمراني جديد، وشرعوا بنسج الرواية فوراً، ثم توسعت أحلامهم بعد أن أصبحت المدينة بأيديهم بالقوة العسكرية المهيمنة، وتدحرجت الرواية الإسرائيلية.
وأشار عمرو في حوار مع "العربي الجديد"، أنه بسبب عدم وجود مساحة لهم للتوسع فوق الأرض، بدأوا بالحفر تحت الأرض، وبصناعة مدينة تحت الأرض، والادعاء بأن جذورهم تحت مباني العرب والمسلمين.
لكن ماذا وجدوا بالحفر تحت الأرض؟
يقول عمرو، إن القدس تتكون من تلال وأودية، وقديماً أقام الفلسطينيون الكنعانيون نظام القدس المائي تحت الأرض.
ما يجري في القدس هذه الأيام وفق عمرو، أن اليهود غاصوا تحت الأرض إلى هذه القنوات وقاموا بتوسعتها ووصلوا فيما بينها، ونفّذوا منذ عام 1967 وحتى اليوم 57 حفرية، ولكل حفرية اسم وتاريخ لديهم.
يشار هنا إلى أن أول حفرية تمت في القدس تعود إلى ما قبل الاحتلال الإسرائيلي وتحديداً في سنة 1863، من قبل بعثة فرنسية برئاسة عالم الآثار (ديسولسي) الذي اكتشف مقابر الملوك خارج بلدة القدس القديمة، وزعم أنها ترجع إلى عصر "الملك داود"، مدعيا وجود مخطط باللغة الآرامية نقله ديسولسي إلى متحف اللوفر في باريس. إضافة إلى الحفريات التي قامت بها بعثة بريطانية باسم "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" سنة (1867-1870) لاكتشاف آثار فلسطين برئاسة المهندس الكولونيل (تشارلز وارين)، وكان هدفه منصباً على منطقة المسجد الأقصى.
وهنا يؤكد الباحث عمرو، أنهم وجدوا فعلاً جذور القدس القديمة، ولكن هذه القدس هي القدس اليابوسية الكنعانية العربية وهي معروفة لدينا قبل قيام الكيان الصهيوني.
وأردف عمرو أن المستوطنين خلال عمليات الحفر بعد عام 1967 وصلوا قنوات المياه ببعضها بعضاً، وتم تشكيل رواية جديدة هي "مدينة داود"، والادعاء أن لهم "هيكلاً أول" و"هيكلاً ثانياً" في "مدينة داود"، وهنا بدأ التوظيف الديني للموجودات الأثرية والزعم بأن هذا بلاط "الهيكل الأول" وهذا بلاط "الهيكل الثاني"، واختلاق قصص وخرافات بشهادة حتى علمائهم.
الأنفاق تحت القدس
يقول عمرو إنه لا يمكن حصر عدد الأنفاق لأنها متصلة فيما بينها، وبعضها طويل يصل إلى 800 متر، وآخر لا يتجاوز 15 متراً، وبالتالي هي شبكة أنفاق تشبه شبكة الطرق فوق الأرض، أقيمت على مساحة 2 كم (جزء من البلدة القديمة باتجاه الجنوب والغرب منها إلى عين بلدة سلوان) وهي المنطقة الأغلى في العالم وفق تعبيره.
وفي ما يلي أبرز الأنفاق في القدس:
النفق الغربي
بوشرت الحفريات في النفق الغربي سنة 1970، ويمتد النفق من أسفل المحكمة الشرعية (المدرسة التنكزية) بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى من الجنوب إلى الشمال مرورا بخمسة أبواب من أبواب الأقصى. أدت الحفريات إلى انهيارات وتشققات في المباني المقدسية، ووصل حفر النفق إلى عمق 11-14 مترا.
وفي عام 1987 أعلن الاحتلال عن اكتشاف قناة مياه سبق أن اكتشفها الجنرال الألماني كونراد تشيك بطول ثمانين مترا، كما حاول الاحتلال استكمال الحفريات إلى ملتقى باب الغوانمة وتوصيل النفق بقناة المياه، وذلك عام 1988 فتصدى المقدسيون له.
لكن المحاولة تواصلت سرا إلى أن تم وصل طرفي القناة وفتح باب خارجي أسفل المدرسة العمرية على خط طريق المجاهدين، وذلك عام 1996، حيث اندلع على أثرها مواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة بما عرفت بهبة النفق.
هبة النفق
هي الأحداث التي وقعت بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 1996 واستمرت ثلاثة أيام، وخلفت 67 شهيداً ونحو 1600 جريح، من ضمنها وقوع مجزرة في المسجد الأقصى راح ضحيتها أربعة شهداء من القدس المحتلة. ويعتبر النفق الغربي الأشهر والأطول، ويصل طوله إلى نحو 488 مترا، وارتفاعه إلى مترين ونصف، ويحتوي اليوم على منشآت أخرى، متحف، ومطاهر، وكنس، وعروض، وغيرها.
نفق باب القطانين - سبيل قايتباي
حاول الاحتلال بتاريخ الـ21 من أغسطس/آب 1981 إعادة فتح النفق الواصل بين باب القطانين باتجاه الشرق نحو قبة الصخرة، وهو النفق الذي تحدث عنه الكولونيل وارين عام 1887، فاعتصم المقدسيون داخله بعد أن كشفوا أن الحفريات وصلت إلى منطقة بئر سبيل قايتباي -داخل حدود الأقصى- وقامت دائرة الأوقاف بصب البئر بالخرسانة لمنع مواصلة حفر النفق نحو قبة الصخرة.
نفق حمام العين
بدأ العمل به نهاية العام 2004 وأوائل عام 2005 أسفل وقف حمام العين نهاية طريق باب الواد في القدس القديمة، وبضمنه حفر تحت الأرض لقاعات تاريخية، والهدف الوصل بين هذه القاعات التي تم الكشف عن حفرها لاحقا وبين النفق الغربي، ويصل طول النفق إلى مئتي متر.
انطلقت الحفريات بتمويل جمعية "عطيرت كوهنيم" ثم انتقلت إلى "صندوق إرث المبكى"، وقامت بالحفريات سلطة الآثار الإسرائيلية، والعمل في النفق في نهايته، ويستعمل حاليا بشكل محدود.
قاعة سلسلة الأجيال
هي عبارة عن نفق عرضي طولي يتصل بأنفاق الجدار الغربي للأقصى من الجهة الغربية الشمالية له، وهو عبارة عن سبع غرف تحت الأرض تحكي تاريخ الشعب اليهودي عن طريق الشكل والحجر الميزايكا والمؤثرات الصوتية، وتواصل العمل بهذا النفق المتحف سبع سنوات سرا من عام 1999 وحتى 2006.
نفق مغارة سلوان
عبارة عن تجويف صخري يمتد من يمين باب العامود باتجاه الشمال أسفل بيوت القدس القديمة، وعلى امتداد نحو ثلاثمئة متر، ولا تعرف نقطة النهاية، وتم حفر نفق اعتبره الاحتلال مخرج طوارئ قريبا من باب الساهرة.
نفق سلوان الجديد
كشف بتاريخ الـ17 من يونيو/حزيران 2006 عن نفق قريب من مجمع عين سلوان وسط بلدة سلوان -الواقعة جنوب الأقصى- ويصل عمق النفق إلى 12 مترا قامت عليه جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وتبين لاحقا أن هذا النفق حفر لوصل جزأين من نفق سلوان-وادي حلوة.
نفق سلوان الشرقي
في الـ28 من يناير/كانون الثاني 2007 كشف عن قيام جمعية "إلعاد" بحفر نفق جديد يصل بين أسفل حي سلوان عن يمين المسجد الأقصى، ويتجه نحو الشمال. وكشف عن درج متدرج، لكن بعد أشهر تم توقف الحفريات في المنطقة، ويعتقد أن هناك نفقا أطول في الجهة الموازية أي عن يسار المسجد للمتجه نحو الشمال باتجاه المسجد الأقصى.
نفق وادي حلوة
بدأ العمل فيه مطلع عام 2008 على مقاطع، وينطلق من وادي حلوة-بيوت آل صيام، ويتجه إلى الجنوب باتجاه وسط سلوان، وهو نفق صخري ولا يزال العمل يتواصل فيه حتى الآن مع وجود بعض التفريعات الجانبية.
نفق سلوان-وادي حلوة
وهو النفق الذي كشف عنه عام 2009 أسفل الجهة الغربية لمسجد عين سلوان باتجاه الشمال نحو مدخل حي وادي حلوة، وتم الكشف عن مراحل النفق بالتدريج على عدة سنوات، والتقى هذا النفق بنفق وادي حلوة ليشكلا نفقا واحدا طوله نحو ستمئة متر، تضاف إليه أجزاء أخرى في أعالي حي وادي حلوة (حفريات جفعاتي).
نفق وادي حلوة-الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى
هذا نفق يتم الدخول إليه أسفل مبتدأ حي وادي حلوة -حفريات جفعاتي- باتجاه الشمال، يخترق أسفل السور التاريخي للقدس القديمة، ويصل إلى الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى، ويتم الخروج منه عبر فتحة في منطقة القصور الأموية الغربية.
حفريات أسفل أساسات المسجد الأقصى
هي عبارة عن حفريات أسفل الجدار الغربي للأقصى تمتد من الزاوية الجنوبية الغربية باتجاه الشمال لتصل تقريبا أسفل باب المغاربة (ثمانون مترا)، وكشفت هذه الحفريات عن الحجارة العملاقة التي تشكل أساسات الأقصى وأيضا المنطقة الصخرية، ولا يزال العمل فيها جاريا ولا يسمح بالدخول إلى هذه المنطقة رسميا، لكن يمكن مشاهدة بعض أجزائها.
النفق اليبوسي أسفل هضبة سلوان
هو عبارة عن نفق في الصخر والممر المائي في الفترة اليبوسية يتفرع لنفقين يبدآن من أسفل مدخل هضبة سلوان جنوب الأقصى (البؤرة الاستيطانية-مركز زوار مدينة داود)، وينتهيان في منطقة حي البستان وسط بلدة سلوان، وطولهما نحو 350 مترا. وتم حفرهما بتمويل ومبادرة جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وقامت بالحفر سلطة الآثار الإسرائيلية. هناك حفريات أخرى تحت الأرض، مثل حفريات قاعة قلعة داود.
نفق طريق الحجاج
نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي ضرب السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بمعوله حجارة القدس القديمة للإعلان عن افتتاح نفق طريق الحجاج.
هذا النفق وفق الباحث جمال عمرو هو النفق الأكبر على الإطلاق، يمتد من عين سلوان صعوداً إلى القصور الأموية ودخولاً إلى البلدة القديمة، ومن هناك يلتحم مع النفق الغربي حتى درب الآلام، ليصبح طوله 800 متر. وأشار عمرو، أنه لخلق رواية تشبه الصفا والمروة لدى المسلمين، تم تسميته "طريق الحجاج"، وهذا عبارة عن توظيف ديني لغرض سياسي.
مدينة كاملة تحت الأرض
عام 2016 ، كشف تقرير لصحيفة "هآرتس"، عن وجود "القدس السفلى"، وهي المدينة التي تم حفرها تحت البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وبعض أحياء القدس الشرقية. وأكد تقرير الصحيفة أن الحفريات أفضت إلى وجود مدينة كاملة تحت الأرض مكونة من أنفاق وممرات أثرية وسرية، ومساحات واسعة تم تحويلها إلى قاعات للصلاة وأخرى من أجل إقامة طقوس دينية.
يختم الباحث جمال عمرو حواره مع "العربي الجديد"، أن هذه الحفريات والروايات كلها فبركات صهيونية بغرض طمس المعالم الإسلامية واستبدالها بمعالم يهودية، تقدم رواية تلمودية مصطنعة، والأدهى من ذلك أن السائح يدفع من جيبه لقاء غسل عقله والاطلاع على هذه الرواية.
وأكد عمرو أنهم لن يتوقفوا عن الحفر والجمعيات التي تقوم بالحفر مثل جمعية "إلعاد" "وعطيرت كوهين"، تضخ لها تبرعات بملايين الدولارات، ويجب عليها أن تواصل استغلال هذه الأموال بشراء العقارات والحفر لجلب مزيد من الدعم، "هي عبارة عن شركة، واليهود لا يعملون إلا بعقلية تجارية".
المصادر: دراسة الحفريات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه للدكتور أحمد أبو حلبية، دراسة القدس بين الاستيطان والحفريات للباحث نظمي الجعبة، الحفريات الأثرية في القدس للمهندس رائف نجم، تقرير الحفريات الإسرائيلية أسفل القدس والأقصى للباحث محمود أبو عطا.